مکارم اخلاق الامام السجاد عليه السلام
زين العابدين(عليه السلام) يأبى أن يؤاكل أمه فقيل له يا ابن
رسول الله أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم فكيف لا تؤاكل أمك؟ ، فقال: إني أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، وقال له رجل يا ابن رسول الله إني لأحبك في الله حباً شديداً فقال اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه.
ولما طرد أهل المدينة بني أمية في واقعة الحرة أراد مروان بن الحكم وكانت زوجته عائشة بنت عثمان، ذلك العدو اللدود لأهل البيت أن يستودع أهله، فلم يقبله أحد أن يكون عنده حتى كلم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده فأبى ابن عمر أن يفعل إلا علي بن الحسين (عليه السلام) لما كلمه أجارهم وقبلهم فوضعهم مع عياله و أحسن إليهم مع شدّة عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم، وقد عال الإمام في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف فخرج بحرمه ومن يعول بهم حتى عائلة مروان إلى ينبع بالبغيبغة، وهذا منتهى مكارم الأخلاق والمجازاة على الإساءة بالإحسان.
إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إلى أن تفرّق جيش مسرف بن عقبة.
ومما جاء في كرم زين العابدين وسخائه وبرّه للفقراء، وكثرة صدقاته، وعتقه وبذله المال في سبيل الله تعالى ما رواه أبو نعيم في حلية الأولياء أنه (عليه السلام) قاسم الله ماله مرتين. وفي الفصول المهمة: كان (عليه السلام) يتصدق سراً ويقول: (صدقة السر تطفئ غضب الرب).
وكان (عليه السلام) لا يضرب عبداً ولا أمة بل يكتب ذنوبهم عنده فإذا دخل شهر رمضان، وكان آخر ليلة منه جمعهم وقرأ عليهم تلك الذنوب، فيقرّون بها، ثم يطلب منهم أن يسألوه العفو عنهم، فيفعلون، ثم يقول: ( رب إنك أمرتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ) ثم يعتقهم فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تغنيهم عما في أيدي الناس. وما استخدم خادماً فوق حول - أي أكثر من سنة - حتى لحق بالله تعالى.
روى الشيخ في الأمالي أنه قيل لعلي بن الحسين (عليهما السلام): كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال: (أصبحت مطلوباً بثمان: الله تعالى يطالبني بالفرائض، والنبي (صلى الله عليه وآله) بالسنن، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه، والحافظان بصدق العمل وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب).
وفي تحف العقول: قال (عليه السلام): (من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا) ، ( الزهد كله في آية من كتاب الله (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) إلى أن قال: ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظاً من نفسك وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحذر لك دثاراً.
يا ابن آدم، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عز وجل، فأعد له جواباً.
يا ابن آدم، ارض بما أتيتك تكن من أزهد الناس، واعمل بما افترضته عليك تكن من أعبد الناس، واجتنب عما حرّمت عليك تكن من أروع الناس).
وقال (عليه السلام): ( من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات، وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه، ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ).
وقال (عليه السلام): ( إن الله ليبغض البخيل، والسائل الملحف، ما من شيء أحب إلى الله بعد معرفته من عفّة بطن وفرج ).
وقال لابنه الإمام الباقر (عليهما السلام): ( افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره ).
وقال: ( مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وأدب العلماء زيادة في العقل ).
وقال: ( يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله ).
عن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): أخبرني بجميع شرائع الدين، قال: (قول الحق، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد).
مناقبه عليه السلام
• قال الشبلنجي: ومناقبه كثيرة، فعن سفيان، قال
: جاء رجل إلى علي بن الحسين (رضي الله عنهما)، فقال له: إن فلاناً وقع فيك بحضوري، فقال له: انطلق بنا إليه، فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه منه، فلما أتاه قال له: يا هذا إن كان ما قلته فيّ حقاً فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كان ما قلته في باطلاً فالله تعالى يغفره لك ثم ولى عنه، (1).
• وقال: خرج يوماً من المسجد فلقيه رجل فسبه وبالغ في سبه وأفرط، فعاد عليه العبيد والموالي فكفهم عنه وأقبل عليه وقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيى الرجل، فألقى عليه حميصه،(2) وألقى إليه خمسة آلاف درهم فقال: أشهد أنك من أولاد المصطفى،(3).
• وقال: ولقيه رجل فسبه فقال له: يا هذا بيني وبين جهنم عقبة، إن أنا جزتها فما أبالي بما قلت، وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول(4).
• قال سالم مولى أبو جعفر: كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين وأهل بيته يخطب بذلك على المنبر، وينال من علي (رحمه الله) فلما ولى الوليد بن عبد الملك عزله وأمر به أن يوقف للناس، قال: فكان يقول: لا والله ما كان أحد من الناس أهم إلي من علي بن الحسين، كنت أقول رجل صالح يسمع قوله، فوقف للناس، قال: فجمع علي بن الحسين ولده وحامته ونهاهم عن التعرض، قال: وغدا علي بن الحسين ماراً لحاجة فما عرض له، قال: فناداه هشام بن إسماعيل: الله أعلم حيث يجعل رسالته... قال عبد الله بن علي بن الحسين: قلت: يا أبت ولم والله إن أثره عندنا لسيئ وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم، قال (عليه السلام) يا بني نكله إلى الله فوالله ما عرض له أحد من آل حسين بحرف حتى تصرم أمره،(5).
كرامات علي بن الحسين (عليهما السلام)
• قال أبو شهاب الزهري: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ووكل به حفاظاً في عدة وجمع فاستأذنهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا لي فدخلت عليه وهو في قبة، والأقياد في رجليه، والغل في يديه (وفي رواية: والغل في عنقه) فبكيت وقلت له: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أتظن أن هذا مما ترى علي وفي عنقي يكربني؟ أما لو شئت ما كان فإنه وإن بلغ بك وبأمثالك ليذكر عذاب الله، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة، قال: فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا لنراه متبوعاً إنه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده بعد ذلك إذا أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده، قال الزهري: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته فقال لي: إنه قد جاءني يوم فقده الأعوان فدخل علي، فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثم خرج فوالله فقد امتلأ ثوبي منه خيفة، قال الزهري: فقلت: يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين حيث تظن إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به، قال: وكان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين، (6).
• قال إبراهيم بن الأسود التميمي: رأيت علي بن الحسين وقد أتى بطفل مكفوف فمسح عينيه فاستوى بصره، وبأبكم فكلمه، فأجابه وتكلم، وبمقعد فمسح عليه فسعى ومشى،(7).
• قال أبو النمير علي بن يزيد: كنت مع علي بن الحسين عندما انصرفت من الشام إلى المدينة، فكنت أحسن إلى نسائه أتوارى عنهم إذا نزلوا وأبعد عنهم إذا رحلوا، فلما نزلوا المدينة بعثوا إلى بشيء من الحلى فلم آخذه، وقلت: فعلت هذا لله ولرسوله، فأخذ علي بن الحسين حجراً أسود صماً فطبعه بخاتمه، وقال: خذه واقض كل حاجة لك منه فوالله الذي بعث محمداً بالحق لقد كنت أجعله في البيت المظلم فيسرج لي وأضعه على الأقفال فتفتح لي وآخذه بيدي وأقف بين أيدي الملوك فلا أرى إلا ما أحب،(8).
• قال حمران بن أعين: كنت عند علي بن الحسين (عليه السلام) ومعي جماعة من أصحابه فجاءت ظبية، فبصبصت وضربت بذنبها، فقال: هل تدرون ما تقول هذه الظبية؟ فقلنا لا، فقال: تزعم أن رجلاً اصطاد خشفاً لها وتسألني أن أكلمه ليرده عليها، ثم قام وقمنا معه حتى جاء إلى باب الرجل فخرج إليه والظبية معنا، فقال له: إن هذه الظبية زعمت كذا وكذا وأنا أسألك أن ترده عليها، فدخل الرجل مسرعاً وأخرج إليه الخشف وسيبه، فمضت الظبية ومعها خشفها وهي تحرك ذنبها، فقال: أتدرون ما تقول: قلنا لا، قال: رد الله عليكم كل حق غصبتم عليه، وكل غائب وكل سبب ترجونه وغفر لعلي بن الحسين كما رد علي ولدي(9).
جوده
ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن القسم الأستر آبادي قال: حدثنا علي بن محمد بن باشر عن ابن يحيى محمد بن يزيد المنقري عن سفيان بن عيينة قال رأى الزهري علي بن الحسين(عليه السلام) ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له يا بن رسول الله ما هذا؟ قال: أريد سفراً أعد له زاداً واحمله إلى موضع حريز فقال الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك فإن قلت فأنا أحمله عنك فإني أرفعك ويحسن ورودي على ما أريد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت بحاجتك وتركتني فانصرفت عنه فلما كان بعد أيام رآه وقال له: يا بن رسول الله الست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً قال: بلى يا زهري ليس ما ظننت، ولكنه الموت وله استعد إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندي والخير.
وعنه قال حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ره قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن إسماعيل بن منصور عن بعض أصحابنا قال: لا موضع علي بن الحسين(عليه السلام) على السرير ليغسل نظر إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين.
محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن يوف بن السخت عن علي بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عيسى بن عبد الله قال: احتضر عبد الله فاجتمع إليه غرماؤه وطالبوه بدين لهم فقال لا مال عندي فأعطيكم ولكن ارضوا بمن شئتم من بني عمي علي بن الحسين أو عبد الله بن جعفر فقال الغرماء: عبد الله بن جعفر ملي مطول وعلي بن الحسين(عليه السلام) رجل لا مال له صدوق وهو أحبهما إلينا فأرسل إليه فأخبره الخبر فقال: أضمن لكم المال علي ولم تكن له غلة تحاد فقال له قد رضينا فلما أن أتت الغلة أتاح الله عز وجل له المال فأداه.
وعنه عن أحمد بن محمد عن علي بن أسباط عن سيابة بن ضريس عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين(عليه السلام) إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاؤها وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجدر المرق وهو صائم ثم يقول هاتوا القصاع اغرفوا لا فلان واغرفوا لا فلان حتى يأتي على آخر القدور ثم يؤتي بخبز وتمر فيكون ذلك عشاؤه صلى الله عليه وآله وعلى آبائه.
وعنه عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسين بن محبوب، عن عبد الله بن غالب الأسدي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: حضرت علي بن الحسين (عليه السلام) يوماً حين صلى الغداة فإذا سائل بالباب فقال علي بن الحسين أعطوا السائل ولا تردوا سائلا.
وعنه عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن مرازم بن حكيم عن عبد الأعلى مولى آل سام قال أن علي بن الحسين(عليه السلام) اشتدت حاله حتى تحدث بذلك أهل المدينة فبلغه فتعين ألف درهم ثم بعث بها إلى صاحب المدينة قال: هذه صدقة مالي.
وعنه عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير حدثني أبو جعفر(عليه السلام) أن أباه كانت عنده امرأة من الخوارج أظنه قال من بني حنفية فقال له مولى له: يا بن رسول الله إن عندك امرأة تبرأ من جدك فقضى لأبي أنه طلقها فادعت عليه صداقها فجاءت به إلى أمير المدينة تستعد فقال له أمير المدينة يا علي أما أن تحلف وإما تعطيها فقال لي: قم يا بني فأعطها أربعمائة دينار فقلت يا أبت فداك ألست محقاً قال لي بلى يا بني ولكني أجللت الله أن أحلف به يمين صبر.
وروى ابن بابويه في حديث أنه لما مات علي بن الحسين(عليه السلام) نظروا فإذا يعول في المدينة أربعمائة بيت من حيث لم يقف الناس عليه.
وروى أن يزيد قال له زين العابدين(عليه السلام): إنما طلبنا ما أخذ منالان فيه مغزل فاطمة( عليها السلام) ومقنعتها وقلادتها وقمصيها فأمر برد ذلك وزاد من عنده مأتي ألف مثقال من الذهب الأحمر فما فارق علي بن الحسين(عليه السلام) دمشق حتى فرق ذلك على الفقراء والمساكين وباقية على أهل المدينة.
محمد بن يعقوب عن أبي بابويه عن الحسين بن محمد بن عامر عن أحمد ابن إسحاق بن سعد عن سعدان بن مسلم عن أبي عمارة عن رجل عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم ينيل من يخرج إليه فلما مات علي بن الحسين(عليه السلام) فقدوا ذلك فعلموا أن علياً(عليه السلام) قال: المفيد في إرشاده قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد (بن يحيى) قال: حدثنا جدي قال: حدثنا أبو نصر قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال: حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت يأتيهم (رزقهم) وما يحتاجون إليه، لا يدرون من أين يأتيهم، فلما مات علي بن الحسين(عليه السلام) فقدوا ذلك.
وعنه أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد قال حدثني جدي قال: حدثنا أبو نصر قال: حدثنا محمد بن علي بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن هارون قال حدثني عمرو بن دينار قال حضرت زيد بن أسامة بن زيد الوفاة فجعل يبكي فقال له علي بن الحسين(عليه السلام) ما يبكيك؟ قال يبكيني (أن) علي خمسة عشر ألف دينار، ولم أترك لها وفاءاً له علي بن الحسين(عليه السلام) لا تبك فهي علي وأنت منها بريء فقضاها عنه.
ابن بابويه قال حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد (عن حماد بن عيسى) قال: حدثني بعض أصحابنا عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين(عليه السلام) ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدراهم والدنانير حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج (إليه) فلما مات علي بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك فعلموا علي بن الحسين(عليه السلام) الذي كان يفعل ذلك.
وروى أن يزيد لعنه الله أرسل جيشاً إلى المدينة فأباحها ثلاثة، أيام حتى نتج من ذلك عشرة آلاف ولداً لا يعرف لهم أب وعلي بن الحسين(عليه السلام) ضم له أربعمائة امرأة هاشمية أو قرشية في بيت وأعالهم في ذلك الوقت إذ لم يتعرض لبيته(عليه السلام).
كشف الغمة قال ابن الأعرابي لما وجه يزيد ابن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين(عليه السلام) إلى نفسه أربعمائة بيت يعولهن فلما انقرض (عليه السلام) انقطعت قال: وحكى لنا مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز.
ومن طريق العامة من الجزء الثاني من حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني عن عمر بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين(عليه السلام) وغسلوه وجدوا ينظرون لآثار سود في ظهره فقالوا: ما هذا؟ فقيل: أنه كان ليحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء المدينة.
ومن الجزء المذكور قال أبو نعيم عن محمد لبن اسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا بدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين(عليه السلام) فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
وعنه بإسناده قال أبو نعيم، عن محمد بن زكريا قال: سمعت ابن عايشة يقول إني سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين(عليه السلام).
كمال الدين محمد بن طلحة الشامي في مطالب السؤل وهو من رجال العامة قال: لما مات علي بن الحسين(عليه السلام) وجدوه يفوت مائة بيت من أهل المدينة كان يحمل إليهم ما يحتاجون إليه.
قال: وقال محمد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
وقال أيضاً: قال أبو حمزة الثمالي كان علي بن الحسين زني العابدين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقولون أن صدقة السر تطفئ غضب الرب، ولما مات(عليه السلام) وغسلوه وجدوا ينظرون إلى آثار في ظهره فقالوا: وقال ابن عايشة يحمل جرب الدقيق على ظهره ويوصلها إلى الفقراء المدينة قال: وقال بن عايشة سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين(عليه السلام) قال: وقال سفيان أراد علي بن الحسين الخروج إلى الحج فاتخذت له سكينة بنت الحسين(عليه السلام) أخته زاداً أنفقت عليه ألف درهم، فلما كان يظهر الحرة سيرت إله ذلك فلما نزل فرقه على المساكين.
قال: وقال سعيد بن مرجانة يوماً عند علي بن الحسين سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) من اعتق رقبة مؤمنة اعتق الله بكل أرب منها أرباً منه من النار حتى أنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج فقال علي(عليه السلام): سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم فقال: لغلام له أفره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف درهم فلم يبتعه أنت حر لوجه الله.
وقال: قال طاووس رأيت علي بن الحسين ساجداً في الحجر فقلت: رجل صالح من أهل البيت ظننت لأسمعن ما يقول فأصغيت إليه فسمعته يقول وقد تقدم الحديث في الباب الأول من طريق الشيخ المفيد، وفي آخر حديث ابن طلحة، وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة وتهيج الريح فيسقط مغشياً عليه.
ومن الجزء الثاني من حلية الأولياء لأبي نعيم بإسناده عن عمرو بن دينار قال: دخل علي بن الحسين(عليه السلام) على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل يبكي فقال علي(عليه السلام) ما شأنك؟ قال: عليَّ دَينٌ قال كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار قال: فهي عليَّ.
ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسين ابن جعفر بن الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: حدثني يحيى بن الحسين بن جعفر قال: حدثني شيخ من أهل اليمن يقال له: عبد الله بن محمد قال: سمعت عبد الرزاق يقول: جعلت جارية لعلي بن الحسي(عليه السلام) تسكب الماء عليه وهو يتوضأ للصلوة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع علي بن الحسين(عليه السلام) رأسه إليها فقالت الجارية: إن الله عز وجل يقول: (والكاظمين الغيظ) قال (لها) قد كظمت غيظي قالت: (والعافين عن الناس) قال لها لقد عفى الله عنك قالت: (والله يحب المحسنين) قال: اذهبي فأنت حرة.
المفيد في إرشاد قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد قال: حدثني جدي قال: حدثني محمد بن جعفر وغيره قالوا: وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد (لقد-خ) سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردى عليه قال: فقالوا له: نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول واخذ نعليه ومشى هو يقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) فعلمنا أنه لا يقول شيئاً.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ وقال قولوا له هذا علي بن الحسين قال فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاء مكافياً عنه (له) فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): يا أخي أنك كنت قد وقفت على آنفاً فقلت وقلت فإن كنت قلت ما في فإني استغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك قلا فقبل الرجل بين عينيه وقال: بلى (بل) قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به قال الراوي للحديث والرجل هو الحسن بن الحسن(عليه السلام).
وعنه قال: أخبرني الحسن بن محمد عن جده قال: حدثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه بضع وسبعون سنة قال أخبرني رجل يقال له عبد الله بن محمد قال سمعت عبد الرزاق يقول جعلت فداك جارية لعلي بن الحسين(عليه السلام) تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فنعست فسقط الإبريق من يد الجارية فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية إن الله يقول والكاظمين الغيظ. قال(عليه السلام): قد كظمت غيظي. قالت: والعافين عن الناس. قال لها: عفا الله عنك. قالت: والله يحب المحسنين قال(عليه السلام): اذهبي فأنت حرة لوجه الله.
وعنه قال: روى الواقدي قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال كان هشام بن إسماعيل يسبي جوارنا ولقى منه علي بن الحسين(عليه السلام) أذى شديداً فلما اعتزل أمر به الوليدان يوفق الناس (قال) فمر به علي بن الحسين(عليه السلام) وقد أوقف عند دار مروان قال فسلم عليه وقال وكان علي بن الحسين(عليه السلام) قد قدم إلى خاصته أن لا يعرض له أحد.
قال: وروى أن علي بن الحسين(عليه السلام) دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ثم دعا أجابه في الثالثة فقال له يا بني أما سمعت صوتي فقال له: بللا قال فما لك لا تجيبني قال: أمنتك قال الحمد الله الذي جعل مملوكي يأمنني.
شرف الدين النجفي قال: روى أن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) أراد أن يضرب غلاماً له فقء (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) ووضع السوط من يده فبكى الغلام فقال(عليه السلام) له: ما يبكيك قال وإني عندك يا مولاي ممن لا يرجوا أيام الله فقال له أنت ممن يرجو أيام الله م فأت قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقل: اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته يوم الدين وأنت جر لوجه الله.
والذي في كشف الغمة عن عبد الله بن عطا أذنب غلام لعلي بن الحسين(عليه السلام) ذنباً استحق به العقوبة فاخذ له السوط ليضربه فقال الغلام: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) «فقال الغلام» وما أنا كذلك أني لأرجو رحمة الله والرجوع عذابه ألقى السوط وقال أنت عتيق.
قال(واستطال رجل على علي بن الحسين(عليه السلام) فتغافل عنه فقال) له الرجل إياك أعني فقال له(عليه السلام): وعنك أعرض، وقال (عليه السلام) إنما التوبة العمل والرجوع عن الأمر وليست التوبة بالكلام.
ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رحمة الله عليه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن محمد أبي عمير عن معاوية بن عمار أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان في المدينة رذل بطّال يضحك الناس منه فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه يعني علي بن الحسين (عليه السلام) قال: فمر علي (عليه السلام) وخلفه موليان له فجاء الرجل انتزع رداءه من رقبته ثم مضى فلم يلتفت إليه علي(عليه السلام) فاتبعوه واخذوا الرداء منه (فجاؤا به) فطرحوه عليه فقال(عليه السلام): (لهم من هذا فقالوا : هذا) رجل بطال يضحك أهل المدينة فقال(عليه السلام) قولوا له أن لله يوماً يخسر فيه المبطلون.
ومن طريق المخالفين محمد بن طلحة الشامي السؤل والمالكي في فصول المهمة قالا نقل سفيان قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين(عليه السلام) فقال له أن فلاناً قد وقع فيك وإذاك فقال به فانطلق بنا أجبه فانطلق معه وهو يرى أنه سيستنصر لنفسه فلما أتاه قال له: يا هذا أن كان ما قلته فيَّ حقاً فالله يغفره لي وأن كان ما قلته في باطلاً تعالى يغفر لك.
وكان بينه وبين ابن عمه حسن بن الحسن شيء من المنافرة فجاء حسن إلى علي(عليه السلام) وهو في المسجد مع أصحابه فما ترك شيئاً الإقامة له من الأذى وهو ساكت ثم انصرف حسن فلما كان الليل أتاه في منزله فقرع عليه الباب فخرج حسن إليه وقال له يا أخي: إن كنت صادقاً فيما قلت يغفر الله لي وإن كنت كاذباً فيه فيغفر الله لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ثم ولى فاتبعه حسن والزمه من خلفه وبكى حتى رق له ثم له: والله لأعدت لأمر تكرهه فقال له علي(عليه السلام) وأنت في حل مما قلته.
وكان(عليه السلام) يوماً خارجاً (من المسجد) فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال لهم علي (عليه السلام) مهلاً كفوا ثم أقبل على ذلك الرجل فقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها فاستحى الرجل (ورجع إلى نفسه) ألقى عليه السلام خميصته كانت عليه وأمر له بألف درهم وكان ذلك يقول أشهد أنك من أولاد الرسل.
وكان عنده (عليه السلام) قوم أضياف فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور، فاقبل به الخادم مسرعاً فسقط السفود من يده على رأس ابن لعلي بن الحسين(عليه السلام) تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال: علي بالغلام وقد تحير الغلام واضطرب أنت حر فإنك لم تعتمد (لم نتعمد- ظ) وأخذ في جهاز أبيه ودفنه علي بن عيسى في كشف الغمة قال: كان لعلي بن الحسين(عليه السلام) ابن عم يأتي بالليل ، متنكراً فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول: لكن علي بن الحسين لا يوصلني لا جزاه الله خيراً فيسمع كلامه ويحتمل صبره وبصير (ويصبر) عليه ولا يعرفه بنفسه، فلما مات (عليه السلام) فقدها فحينئذٍ علم أنه هو كان، فجاء إلى قبره وبكى عليه.
هباته
أنا لا نكبر أهل البيت(عليهم السلام) فيما يصدر منهم من الهبات والجوائز لذوي الفاقة والحاجة مع أن في الأجود من يعطي مثلها وإنما المباهات بتكلم الصلات من حيث بلوغ الغاية المتوخاة في النائل المتدفق منهم فإن الأئمة عليهم السلام متجهون إلى نواحي شتى في نوالهم فلا يضعونها إلا في مواضعها المرغوب فيها وكثيراً ما سبب عطاؤهم هداية ضال أو إرشاد جاهل أو صلة رحم مقطوعة أو عرفان حقيقة مجهولة يحدث المؤرخون إن شامياً مر على الحسن بن علي(عليه السلام) فاكثر من سبه و الحسن(عليه السلام) ساكت لم يرد عليه وبعد أن فرغ لاطفه أبو محمد في القول ثم استدعاه إلي منزله وأضافه وأجزل عطيته وكساه فخرج من عنده غنياً ولسانه يرتل بالثناء عليه ويقول أشهد أنك ابن رسول الله حقاً وانك خليفة الله في أرضه الله أعلم حيث يجعل رسالته لقد كنت وأبوك من ابغض خلق الله إلي والآن من أحبهما.
وكان رجل من ولد عمر بن الخطاب بالمدينة يؤذي موسى بن جعفر(عليه السلام) ويسبه إذا رآه ويشتم علياً(عليه السلام) فأراد بعض موالي الإمام الوقيعة فيه فهناه أبو الحسن (عليه السلام) ثم سأل عن العمري فقيل أنه في زرع له بناحية من نواحي المدينة فركب أبو الحسن إليه ودخل المزرعة بدابته فصاح العمري لا تطأ زرعنا فلم يلتفت حتى إذا وصل إليه نزل وباسطه في القول وسأله عما غرمه في زرعه فقال غرمت مائة ديناراً ثم سأله عما يرجو أن يصيب منه قال مائتي دينار فدفع إليه أبو الحسن ثلاثمائة دينار لما غرمه ولما يرجوه وبشره بسلامة زرعه وانتاجه ما يرجوه ففرح العمري بهذا الخلق الكريم الممزوج بالحلم والسخاء والبشارة بنتاج عمله فصاح الله أعلم حيث يجعل رسالته وقبل رأسه ويده وسأله الصفح عما فرط من القول فيه فتبسم أبو الحسن وانصرف إلى أصحابه يقول أيما أحسن ما أردتم أو ما صنعته أنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم وهدى الله الرجل وصار من مواليه.
هكذا كان أهل البيت في سيبهم المتواصل يعرفون الملأ طريق رشدهم ويوجهونهم إلى ما فيه سعادتهم وما يريده المولى سيحانه من مقابلة القطيعة بالصلة والجفوة بالموافاة والصد بالوصال والتنازل إلى اليد السفلى بقصد أبواب البائسين بما يحتاجونه من المؤن مع شرفهم الوضاح ومكانتهم العظيمة وأكبار الناس لهم على أن من عرفهم حق المعرفة يعلم أنهم (عليهم السلام) حلقات الوصل بين المولى جل شأنه وبين العباد وإن كل ما في الكون من فضل شامخ وعطاء غير منصرم الذي تفضل به الله تعالى على الناس لأجلهم فبهم رزق الورى وثبتت الأرض والسماء وأنهم في جميع المنن الإلهية شرع سواء فأي جواد يساجلهم وقد بلغوا فما يسجله لهم التاريخ من أمثلة النائل والمعروف والهبات في واقعها نزر من كثير.
وإن علي بن الحسين جمانة من ذلك العقد الذهبي في جميع ما عليهم من الفضائل والفواضل فكان إذا جنه الليل وهدأت العيون جمع ما عنده من دراهم ودنانير ودقيق وسمن ووضعه على ظهره وخرج متلثماً يطرق أبواب الفقراء فيغدقهم بنائله الواسع وإن الكثير ممن تعود صلته يقف على باب داره منتظراً له فإذا رأوه تباشروا يقول كل لصاحبه أتاناً صاحب الجراب وهم لا يعرفونه لمكان لثامه حتى إذا مات وفقدوا تلك الهبات المنعشة لهم وأحسوا بلفحة العسر ولهبة الفاقة وضح لهم أن ذلك المجاهر بقوله: صدقة السر تطفئ غضب الرب هو ابن (الخيرتين) وزين العابدين حتى أن ابن عم له ممن غمرته صلاته ولم يعلم به لتنكره يظهر له الشكوى من السجاد(عليه السلام) لأنه لم يصله والإمام ساكت فلما استشهد(عليه السلام) عرف من كان يأتيه بالهدية وإنه فرط في الحط من كرامته وكان يستقي لضعفه جيرانه بالليل وفي يوم الصوم يأمر بشاة فتذبح وتطبخ بماء وملح وعند المساء يدعو بالقصاع فيفرق المرق فيها على الفقراء حتى يأتي على آخره ثم يفطر على خبز وتمر ويتصدق بكسوة الشتاء عند انقضائه وبكسوة الصيف عند انتهائه كما يتصدق بلباسه الخز على من لا يعرف قيمته ويجيب من يقول له هلا بعته وتصدقت به: إني أكره أن أبيع ثوباً صليت فيه ولا يأكل طعاماً حتى يبدأ بالصدقة منه ويعجبه مواكلة اليتامى والزمناء والإرضاء والمساكين الذين لا حلية لهم ويقول لخادمه إذا أعطيت السائل فمره أن يدعو بالخير فإن دعاءه لا يرد ولما احتضر عبد الله بن الحسن اجتمع عليه غرماؤه يطالبونه فقال ليس عندي شيء ولكن أرضوا بمن شئتم من علي بن الحسين أو عبد الله بن جعفر فاختاروا السجاد(عليه السلام) فضمنه لهم إلى غلة فلما حان الوقت أتاح الله له المال فأداه.
عتقه الأرقاء
جاء الإسلام والدنيا مملوءة بالأرقاء والعبيد، فأخذ بسنّ النظم والشرائع في القضاء على العبودية والرق واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وأوّل سنة سنها الإسلام، أن أغلق موارد الرق، فليس للإنسان أن يستعبد أخيه الإنسان، ثم أخذ يعالج مشكلة العبيد، والمماليك وكيفية التخلص منها، فشرّع العتق وجعله من أحسن القربات إلى الله تعالى، منها جعل كفّارة بعض الذنوب الكبيرة، عتق رقبة كالقتل، والإفطار في شهر رمضان، وغير ذلك.وتمشّياً مع خطة الإسلام سار الإمام السجاد (عليه السلام) على ذلك المنهج فأعتق رقاب الألوف.
كان علي بن الحسين (عليه السلام) يمثل الإنسانية في أعلى مستوياتها ويطبق رسالة الإسلام كما أرادها النبي (صلى الله عليه وآله) تطبيقاً عملياً مثمراً. فالإسلام الذي وضع الأسس لإلغاء الرقيق فألغى أول ما ألغى معظم منابع الرقيق وأوضح الطرق المؤدية في نهاية الأمر إلى إنهاء الرق.
هذا الإسلام كان علي بن الحسين (عليه السلام) يمثله تمثيلاً كاملاً ففي الحين الذي كانت تمتلئ قصور الحكام بالأرقاء نساءً ورجالاً وكانت الدولة تسيء تطبيق قواعد الإسلام كان علي (عليه السلام) يقود حملة تحرير الرقيق ويجعل من نفسه قدوة للأمة في ذلك وكانت خطته كما يلي:
أولاً: عندما كان يصل الأرقاء إلى يده كان يعاملهم معاملة الأنداد فإذا أخطأوا لم يعاقبهم بل يسجل أخطاءهم في دفتر عنده وينتظر حتى يأتي عيد الفطر فيجمعهم ويعرض عليهم أخطاءهم ملاطفا لهم فيعترفوا بتلك الأخطاء فيقول لهم عفوت عنكم فهل عفوتم عني ما كان مني إليكم فيقولون قد عفونا عنك وما أسأت. فيقول: قولوا: اللهم اعف عن علي بن الحسين (عليه السلام) كما عفا عنا ثم يحررهم ويعطيهم بعض المال ليبدؤوا به حياتهم الجديدة.
ثانياً: لم يكن يبقي عنده عبدا ًسنة كاملة بل كان يشتريهم في الشهور التي تسبق رمضان ليسرع في تحريرهم وقت العيد.
ثالثاً: وكذلك كان يفعل في عيد الأضحى فهو يشتري العبيد وليس له حاجة بهم فإذا جاء وقت الحج خرج بهم إلى عرفات فإذا انتهى الحج حررهم وزودهم بالمال ولم يكن ينقص عدد المحررين كل عيد عن عشرين إنساناً.
والذي يزيد في تقديرنا لهذا العمل العظيم هو أن الإمام السجاد لم يكن ذا ثروة تساعده على التوسع في هذه الخطة، بل كانت موارد رزقه محدودة، فكان ينفق كل ما يصل إلى يده في هذا السبيل وفي مساعدة ذوي الحاجات.
قال سيد الأهل في كتابه: كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يشتري العبيد لا لحاجة بهم إليهم ولكن ليعتقهم، وقالوا: إنه أعتق مائة رقبة وكان يعتقهم عندما تحصل منهم إساءة ويجعل العتق مقابلة لتلك الإساءة.
وقال السيد الأمين (رحمه الله): وما من سنة إلا وكان يعتق في آخر ليلة من شهر رمضان حوالي العشرين رقبة وكان يقول: (إن الله تعالى يعتق في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار سبعين ألف عتيق من النار، كلاً قد استوجب النار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، أعتق فيها مثلما أعتقه في جميعها، وإني أحب أن يراني الله وقد أعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار).
وقال الأستاذ سيد الأهل: وعرف العبيد ذلك فباعوا أنفسهم له، واختاروه، وتخلّصوا من أيدي سادتهم رجاء أن يعتقوا، وكان زين العابدين (عليه السلام) يهب الحرية في كل عام، وفي كل شهر، وكل يوم، وعند كل هفوة وخطأ، بحجة أو أخرى حتى صاروا في المدينة جيش من الموالي الأحرار، والجواري الحرائر، فتزاوجوا وأنجبوا وكلهم في ولاء زين العابدين (عليه السلام) وقد بلغوا خمسين ألفاً أو يزيدون.
--------------------------------------------------------------------
الهوامش
1- نورالأبصار ص162، ورواه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص202.
2- الحميصة: هي ثوب خز أو صوف مربع معلم (مجمع البحرين).
3- نور الأبصار ص164.
4- المصدر السابق.
5- الطبقات الكبرى لابن سعد كاتب الواقدي ج5 ص163.
6- كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص448، وأبو نعيم في حلية الأولياء ج3 ص135 وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب ج4 ص132، وابن حجر في الصواعق المحرقة ص119 وسط بن الجوزي في تذكرة الخواص ص324.
7 ـ دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الإمامي ص85.
8 ـ المصدر ص85.
9 ـ المصدر ص89.