وصاياالامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام
ومن الوسائل التي اتبعها أئمتنا عليهم السلام للنهوض بالمجتمع هي وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالإرشاد والتوجيه للأمة، ولو جمعت هذه الوصايا في مصنف مستقل لسدت فراغاً كبيراً في المكتبة الأخلاقية، لما حوته من نصائح وحكم ودعوة إلى الخير والفضيلة. وفي هذه الصفحات بعض ما ورد من وصايا
الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام): يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. فقال: يا أبت من هم عرفنيهم؟
قال: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب، يقرب البعيد، ويبعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق، فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع، قال الله عز وجل: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وتقطعوا أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وقال عز وجل: (
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) وقال في سورة البقرة: (
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون )، (1).
2- من وصية له عليه السلام لبعض أصحابه:
قال أبو حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يقول لأصحابه: أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالى، (2).
3- من وصية له عليه السلام أوصى بها الزهري:
قال الإمام الباقر عليه السلام: دخل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين عليه السلام وهو كئيب حزين، فقال له: ما لك مغموماً؟
قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى عليَّ لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، والطامعين فيَّ، وممن أرجوه، وممن أحسنت إليه فيختلف ظني.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام: أحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
فقال الزهري: يا ابن رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.
فقال عليه السلام: هيهات هيهات، إياك أن تعجب من نفسك بذلك، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل ما تسمعه شراً يمكنك أن توسعه عذراًَ.
ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك فأي هؤلاء تحب أن تظلم. وأيَّ هؤلاء تحب أن تدعو عليه، وأيَّ هؤلاء تحب أن تنتهك ستره، وإن عرض لك إبليس لعنه الله فضلاً على أحد من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني، وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي ومن شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي، وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل اخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضاً فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
وأعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضاً، وكان عنهم مستغنياً متعففاً، وأكرم الناس بعده عليهم من كان مستعففاً وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان أعز وأكرم، (3).
4- من وصية له عليه السلام لأصحابه:
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام لأصحابه: أوصيكم إخواني بالدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا فإنكم عليها حريصون، وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين؟ فانه قال: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم دار الدنيا فلا تتخذوها قرارا، (4)ً.
5- قال الإمام الباقر عليه السلام: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله عز وجل صادقاً، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كاذبا، (5)ً.
6- وصيته عليه السلام لسائر أصحابه وشعيته، وتذكيره إياهم كل يوم جمعة: أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه؛ ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولاً عنه أن أجلك أسرع شيء إليك قد اقبل نحوك حثيثاً يطلبك، ويوشك أن يدركك، فكأن قد أوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك، وصيّرت إلى قبرك وحيداً، فرّد عليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك، ألا وأن أول من يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذين كنت تتلوه، وعن إمامك الذين كنت تتولاه، وعن عمرك فيما أفنيت، وعن مالك من أين اكتسبته وفيما انفقته فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعدَّ الجواب قبل الإمتحان والمسألة والإختبار، فإن تك مؤمناً عارفاً بدينك، متبعاً للصادقين، موالياً لأولياء الله، لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، وبشرت بالجنة والرضوان من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب، وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، وتصلية جحيم.
واعلم يا ابن آدم إن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب، يوم القبلة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين والآخرين يوم ينفخ في الصور، ويبعثر فيه القبور، وذلك يوم الآزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فدية، ولا تقبل من أحد معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.
فاحذروا أيها الناس من الذنوب ما قد نهاكم عنها وحذركموها في الكتاب الصادق، والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وتدميره عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم يبصرن) واشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكروا ما وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فإنه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات وقد قال الله تعالى: (افأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذكم في تقلبهم فما هم بمعجزين) أو يأخذهم على تخوف، فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه، لقد وعظكم الله بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد اسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (وأنشأنا بعدها قوم آخرين) وقال: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) يعني يهربون. قال: (تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) فلما أتاهم العذاب: (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) فان قلتم أيها الناس إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنما حاسبين) اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جنهم زمرا، وإنما تنصب الموازين، وتنشر الدواوين لأهل الإسلام فاتقوا اله عباد الله واعلموا أن الله لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال، وصرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه عاجل الدنيا، فإن الله يقول وقوله الحق: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها انهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد صلى الله عليه وآله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة، ومنزل بلغة، ودار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها، وقبل الأذن من الله في خرابها، فكأن قد أخبرها الذي عمرها أول مرة وابتداؤها وهو ولي ميراثها. وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة، فإنما نحن له وبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، (6).
وصاياه لأولاده
دخل جماعة على الإمام زين العابدين عائدين له فقالوا كيف أصبحت يا ابن
رسول الله فدتك أنفسنا قال(عليه السلام) في عافية والله المحمود على ذلك ثم قال لهم كيف أصبحتم جميعاً قالوا أصبحنا لك والله يا ابن رسول الله محبين وا دين قال(عليه السلام) من أحبنا لله تعالى أدخله الله ظلاً ظليلاً يوم لا ظل إلا ظله ومن أحبنا يريد مكافأتنا كافاه الله عنا بالجنة ومن أحبنا لغرض دنياً أتاه رزقه من حيث لا يحتسب
(ومما أوصى به ولده) أن قال لهم إذا أصابتكم مصيبة أو نزلت بكم فاقة فليتوضأ الرجل ويحسن وضوءه ويصلي أربع ركعات أو ركعتين وبعد الفراغ يقول يا موضع كل شكوى يا سامع كل نجوى يا شافي كل بلاء ويا عالم كل خفية ويا كاشف ما يشاء يا نجي موسى ويا مصطفى محمد يا خليل إبراهيم أدعوك دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته دعاء الغريب والغريق الفقير الذي لا يجد لكشف ما فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال(عليه السلام): من أصابه البلاء ودعا بهذا الدعاء أصابه الفرج من الله تعالى.
وقال(عليه السلام) يا بني أخذ بيدي جدي وقال يا بني أفعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن أهله كنت أهله وإن شتمك رجل وتحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل منه
وقال(عليه السلام) لبعض ولده إن الله تعالى رضني لك يرضك ولم يرضك لي وأوصاك بي ولم يوصني بك فعليك بالبر تحفة يسيره وقال(عليه السلام) يا بني خمسة لا تصاحبهم ولا توافقهم ولا تحادثهم إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك فيما تكون إليه أحوج وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة قاطع رحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع قال الله تعالى رحمه فإني وجدته فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمى أبصارهم وقال الله تعالى في الرعد 25 الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون من أمر الله به أن يوصل ويفسدون الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون.
ثم قال (عليه السلام) أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً وأعظمكم عند الله عملاً أسعاكم لعياله وأكرمكم عند الله تعالى وقال (عليه السلام) يا بني أصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعتك له وإياك ومعاداة الرجال فإنها لن تعدمك مكر حليم او مفأجاة لئيم ٍ وقال (عليه السلام) لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) أوصيك بما أوصاني به أبي(عليه السلام) اصبر على الحق وإن كان مرا وافعل الخير إلى كل طلبة منك واشكر الله فيما أنعم عليك وأنعم على شكرك فإنه لا زاول للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر لها ثم تلا قوله تعالى وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم.
وفي أيام مرضه جمع أولاده محمداً والحسن وعبد الله وزيداً والحسين وأوصى بالإمامة إلى أبي جعفر الباقر(عليه السلام) وقال له بني العقل رائد الروح والعلم رائد العقل والعقل ترجمان العلم وأعلم أن العلم أبقى واللسان أكثر هذراً وإن صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين بهما إصلاح شأن المعائش ملء مكتال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل لأن الإنسان لا يتغافل عن شيء قد عرفه ففطن له وأعلم أن الساعات تذهب عمرك وانك لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى وإياك والأمل الطويل فكم من مؤمل أملا لا يبلغه وجامع مال لا يأكله ومانع ما سوف يتركه ولعله من بالطل جمعه ومن حق منعه أصابه حراماً وورثه واحتمل أصره وباء بوزره ذلك هو الخسران المبين.
وحدث الزهري أنه دخل على زين العابدين أيام مرضه فقدم إليه طبق فيه هندباء فقال(عليه السلام) له كل منه أنه الهندباء وما من ورقة إلا وعليها قطرة من ماء الجنة وفيه شفاء من كل داء وجيء إليه بدهن البنفسج فقال(عليه السلام) فضله على الأدهان كفضل الإسلام على الأديان ثم دخل عليه أبو جعفر الباقر فجعله يساره طويلاً فسمع يقول له عليك بحسن الخلق.
قال الزهري فوقع في نفسي أنه نعى نفسه فقلت له يا ابن رسول الله إن وقع من أمر الله ما لا بد لنا منه فإلى من نختلف بعدك قال عليه السلام يا أبا عبد الله إلى إبني هذا وأشار إلى محمد الباقر(عليه السلام) فإنه وصي ووارثي وعيبة علمي هو معدن العلم وباقره قلت يا بن رسول الله ما معنى (باقر العلم)؟ قال(عليه السلام): سوف يختلف إليه خلص شيعتي فيبقر العلم عليهم بقراً قلت له: هلا أوصيت إلى أكبر ولدك (عليه السلام) يا أبا عبد الله ليست الإمامة بالكبر والصغر هكذا عهد إلينا رسول الله(صلىالله عليه وآله) وهكذا وجدناه مكتوباً في اللوح والصحيفة قلت يا ابن رسول الله كم عهد إليكم نبيكم أن يكون الأوصياء بعده قال (عليه السلام) وجدنا في الصحيفة واللوح إثنى عشر إسماً مكتوبة إمامتهم وأسماء آبائهم وإمامتهم ثم قال(عليه السلام) يخرج من صلب محمداً ابني سبعة من الأصياء فيهم
المهدي(عليه السلام). وقال(عليه السلام) لأبي جعفر أني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط فإذا نفقت فأدفعها لا يأكل لحمها السباع فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة وبارك في نسله فلما نفقت دفنها أبو جعفر
الباقر (عليه السلام) وقال(عليه السلام) له أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وإن أباه أوصاه به هو اجتناب ظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله ثم أخرج سفطاً وصندوقاً وأمر أبا جعفر الباقر(عليه السلام) بحمله إليه ولما طلب منه بعض أخوته الميراث مما فيه قال له لم يكن فيه مما ترثونه أن فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وألواح
موسى (عليه السلام) وعصاه وخاتم
سليمان ابن داود(عليه السلام) والطست الذي كان موسى يقرب فيه القربان والاسم الأعظم الذي عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فإذا أراد أن لا يصل إلى المسلمين من المشركين نشابة وضعه بينهم والتابوت الذي جاءت به الملائكة وان مثل السلاح فينا مثل السلاح في بني إسرائيل فمن وقف التابوت على باب دارهم أوتوا النبوة فكذلك السلاح في أهل البيت فمن كان عنده أوتي الإمامة وأن الدرع الذي يلبسه رسول الله(صلى الله عليه وآله) يكون على كل إمام بلا زيادة ونقصان وإن صاحب هذا الأمر لو أراد أهل السماء والأرض أن يحولوه عن موضعه الذي وضعه الله لما استطاعوا.
وقال لأبي جعفر (عليه السلام) يا بني إذا مت فلا يلي غسلي غيرك فإن الإمام لا يلي غسله إلا الإمام مثله يكون بعده وفي الليلة التي قبض فيها (عليه السلام) اخبر من كان عنده بأن هذه الليلة هي التي قدر الله فيها الرحالة إلى جوار قدسه وأغمي عليه ثلاث مرات قرأ بعد المرة الأخيرة إذا وقعت
الواقعة وإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ثم قال الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين.
وهذه الإغماء منه من جهة توجهه بكليته إلى الدرجات العالية وانغماره في عالم الملكوت ومشاهدته ما أعد الله له من أنواع الكرمة والنعم فناسب ذلك تلاوة سورة الواقعة والفتح المبين ومن هنا عقبه بقوله الحمد لله الذي صدقنا وعده.
-----------------------------------------------------------------
الهوامش:
1 - أصول الكافي ج 2 ص 641 صفة الصفوة ج 2 ص 56 بلفظ مقارب.
2- زين العابدين للمقرم ص 141.
3 - زين العابدين للمقرم ص 176.
4- إرشاد القلوب ص 178.
5- تحف العقول ص 182.
6- زين العابدين لسيد الأهل ص 60.