أما ثروته العلمية والعرفانية، فتتمثّل في أدعيته التي رواها المحدّثون بأسانيدهم المتواترة، التي ألفت منها الصحيفة السجّادية المنتشرة في العالم، فهي زبور آل محمد، ومن الخسارة الفادحة أن إخواننا أهل السنّة ـ إلا النادر منهم ـ غير واقفين على هذا الأثر القيّم الخالد.
نعم، إن فصاحة ألفاظها، وبلاغة معانيها، وعلوّ مضامينها، وما فيها من أنواع التذلّل لله تعالى، والثناء عليه، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه، والتوسّل إليه؛ أقوى شاهد على صحّة نسبتها إليه، وإن هذاالدر من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلىاشتهارها شهرة لا تقبل الريب، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة، إلى الإمام زين العابدين.
وقد أرسل أحد الأعلام نسخة من الصحيفة مع رسالة إلى العلامة الشيخ الطنطاوي (المتوفّى عام 1358هـ.) صاحب التفسير المعروف، فكتب في جواب رسالته: ومن الشقاء أنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد في مواريث النبوّة وأهل البيت، وإنّي كلّما تأمّلتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق.
وكان المعروف بين الشيعة هو الصحيفة الأولى التي تضمّ واحداً وستّين دعاءً في فنون الخير وأنواع السؤال من الله سبحانه، والتي تُعلّم الإنسان كيف يلجأ إلى ربّه في الشدائد والمهمّات، وكيف يطلب منه حوائجه، وكيف يتذلّل ويتضرّع له، وكيف يحمده ويشكره. غير أن لفيفاً من العلماء استدركوا عليها فجمعوا من شوارد أدعيته صحائف خمسة آخرها ما جمعه العلامة السيد محسن الأمين العاملي(قدّس سرّه).
ولقد قام العلامة السيد محمد باقر الأبطحي ـ دام ظله ـ بجمع جميع أدعية الإمام الموجودة في هذه الصحف في جامع واحد، وقال في مقدّمته:
وحريّ بنا القول إن أدعيته (ع) كانت ذات وجهين: وجه عباديّ وآخر اجتماعيّ يتّسق مع مسار الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام(ع) في ذلك الظرف الصعب، فاستطاع بقدرته الفائقة المسدّدة أن يمنح أدعيته ـ إلى جانب روحها التعبديّة ـ محتوىً اجتماعياً متعدّد الجوانب، بما حملته من مفاهيم خصبة، وأفكار نابضة بالحياة، فهو (ع) صاحب مدرسة إلهية، تارة يعلّم المؤمن كيف يمجّد الله ويقدّسه، وكيف يلج باب التوبة، وكيف يناجيه وينقطع إليه، وأخرى يسلك بها درب التعامل السليم مع المجتمع، فيعلّمه أسلوب البر بالوالدين، ويشرح حقوق الوالد والولد، والأهل، والأصدقاء والجيران، ثم يبيّن فاضل الأعمال وما يجب أن يلتزم به المسلم في سلوكه الاجتماعي، كل ذلك بأسلوب تعليمي رائع بليغ.
وصفوة القول: إنها كانت أسلوباً مبتكراً في إيصال الفكر الإسلامي والمفاهيم الإسلامية الأصيلة إلى القلوب الظمآى، والأفئدة التي تهوي إليها لتقتطف من ثمراتها، وتنهل من معينها، فكانت بحقّ عمليّة تربوية نموذجية من الطراز الأول، أسّس بناءها الإمام السجاد(ع) مستهلماً جوانبها من سِـير الأنبياء وسنن المرسلين.
ومن أدعيته (ع) في هذه الصحيفة دعاؤه في يوم عرفة، ومنه:
«
اللهمّ هذا يوم عرفة، يوم شرّفته وكرّمته وعظّمته، نشرت فيه رحمتك، ومننت فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيّتك، وتفضّلت به على عبادك، اللهمّ وأنا عبدك الذي أنعمت عليه قبل خلقك له، وبعد خلقك إيّاه، فجعلته ممّن هديته لدينك، ووفّقته لحقّك، وعصمته بحبلك، وأدخلته في حزبك، وأرشدته لموالاة أوليائك ومعاداة أعدائك».
مکارم اخلاق الامام السجاد عليه السلام
إمامته(السجاد)عليه السلام
استسقاء الإمام السجاد ( عليه السلام ) لأهل مكة