الانفال جريمة العصر
وحينما نتحدث عن الانفال لانتحدث فقط عن شعب تعرض لابشع الجرائم بهدف ابادته وانما عن جرائم بشعة وفريدة من نوعها حدثت على مدى التأريخ البشري.
جريمة الانفال او كما اطلق عليها فيما بعد جريمة العصر هي من الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية، لانها ارتكبت باسلحة محرمة دولياً في ظروف تجرد القائمين عليها من كل القيم الانسانية والاخلاقية، هذه الجريمة التي نفذت بحق اناس امنين لهم لغة خاصة غير لغة الطاغية كانت الـ (نواة) للمقابر الجماعية التي تم العثور عليها على كامل الخريطة العراقية وهي تضم رفات اناس لاذنب لهم سوى التاريخ والطبيعة التي من حسدهم عليها العنصريون ولم تسجل ضدهم اية جريمة قانونية ليتم دفنهم احياء في هذه المقابر، ومن نتاجها ايضا ضرب حلبجة الشهيدة بالاسلحة الكيمياوية التي اعتبرت جريمة ابادة جماعية، في قرى وقصبات تحاول الى اليوم ان تسترجع عوالمها وصورها لاتفارق الخيال من بعيد او قريب، والجميع يتألم من مشهد الطفلة البريئة التي سقطت على ارض حلبجة في حضن ابيها بينما الاب يحاول حمايتها بجسده.
والجميع يتذكر تدمير اكثر من (4500) قرية واكثر من (182) الف ضحية مصيرهم مجهول لحد الان باستثناء من تم العثور عليهم في المقابر الجماعية ضائعة، ومن المخجل ان يحاول البعض من الكارهين اختزالها خلال عملية عسكرية في نطاقها الضيق.
وحينما نتحدث عن الانفال لانتحدث فقط عن شعب تعرض لابشع الجرائم بهدف ابادته وانما عن جرائم بشعة وفريدة من نوعها حدثت على مدى التأريخ البشري، هددت وتهدد شعوباً بأسرها، نتحدث عن جريمة لاتقل في بشاعتها عن غيرها من الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب ضد الجنس البشري، هذه الجريمة المحظورة وفق اتفاقيات ومواثيق دولية عديدة، وتتعارض مع روح الامم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن.
ماهي الانفال؟
هي حملة عسكرية من ثماني مراحل، أسفرت عن القتل المتعمد لـ(182) الفا من الكورد، واستمرت من أواخر شباط الى أوائل أيلول 1988 ووقع الاختيار على الضحايا الذين كان منهم نساء واطفال وشيوخ لانهم كانوا كورداً بقوا في مسقط رأسهم بأراض خارج نطاق المناطق التي تحكمها بغداد وأسفرت تحريات وتحقيقات منظمة (هيومان رايتس ووتش) لحقوق الانسان في عام 1992 و1993 عن تصنيف الانفال كـ(جريمة إبادة جماعية) ضد جانب من السكان الكورد العراقيين في كوردستان.
ويقول تقرير هيومان رايتس ووتش ان الحكومة العراقية دأبت على الاعتداء على الكورد منذ السبعينيات ،كانت حملة الانفال ذروة تلك الاعتداءات.
وقد تحدثت بغداد مراراً عن الكورد بوصفهم تهديداً للامة، وحاولت الحكومة (تعريب) المناطق التي يقطنها الكورد، وذلك بتشجيع المزارعين العرب المهاجرين على الانفال الى هناك.
ويضيف التقرير ان الحكومة العراقية استحدثت (المناطق المحظورة) المزعومة في العراق، مع أمر بإعدام كل من وجد مقيماً في هذه المناطق، وتتمثل حدود هذه المناطق المحظورة، بكوردستان العراق، في تلك التي لايقطنها تقريباً سوى الريفيين الكورد ويضيف تقرير المنظمة الدولية ان الادعاء بأن الذين قتلوا او أزيحوا عن (المناطق المحظورة) كانوا متمردين او متعاطفين معهم، ليس جديراً بالتصديق، لان الاطفال الرضع كانوا من ضمن عشرات الآلاف من ضحايا حملة الانفال.
وعلاوة على ذلك، لم تستثن الحكومة العراقية أحداً بسبب الولاء السياسي، فقد تعرض ايضاً الكورد الذين كانوا موالين للحكومة لتهديد الاسلحة الكيماوية.
وادعت الحكومة ان الكورد ساندوا ايران في الحرب الايرانية العراقية، ولكن حتى لو كان ذلك صحيحاً، فهو لا يبرر حجم القتل في المناطق المحظورة، وعلى الاخص، قتل النساء والاطفال والرجال الذين لم يشاركوا في اعمال الحرب، وخلص التقرير الى انهم قتلوا لكونهم من الكورد فقط.
مراحل الانفال
عندما تم تعيين علي الكيمياوي في منصب امين مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث في 29/آذار/1987، كان ذلك التعيين تمهيداً لعمليات الانفال، وبالاخص حينما منحه صدام حسين السلطة المطلقة في كوردستان، وبدء علي الكيمياوي سياساته الاجرامية بالاعدامات الجماعية للكورد وتدمير القرى وتهجير السكان ونهب الممتلكات وحجز الالاف من النساء والاطفال والشيوخ لفترات طويلة وتدمير البنية التحتية لكوردستان ووصلت سياساته الشوفينية ذروتها بعمليات الانفال بمراحلها الثماني التي شملت ست مناطق جغرافية وكان يسبق كل عملية اجرامية قصف مدفعي وجوي مكثف مع استخدام الغازات والاسلحة الكيمياوية لان الامكانيات العسكرية في الفيالق 1 و2 و5 وقيادات الافواج الخفيفة واجهزة الامن والاستخبارات العسكرية والجيش الشعبي كانت في خدمة مخططات ومؤامرات علي الكيمياوي، والمراحل الثماني هي:
1-الانفال الاولى بدأت بهجوم كبير صبيحة يوم 23 شباط 1988 لغاية 19 اذار في المنطقة الواقعة بين السليمانية ودوكان ويدخل قصف حلبجة رغم انه لم يشكل جزءا من الانفال في اطار الانفال الاولى واستخدم الجيش العراقي في هذه الحملة جميع انواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة وكذلك المدفعية والطائرات والاسلحة الكيمياوية وكذلك الصواريخ وكان الهجوم بقيادة اللواء الركن سلطان هاشم قائد الفيلق الاول انذاك.
2-الانفال الثانية: هذه الحملة شملت منطقة قرداغ وبدأت في 22 آذار اي بعد يوم واحد من عيد نوروز واستمرت حتى نهاية هذا الشهر،اي بعد ثلاثة ايام فقط من الانتهاء من عملية الانفال الاولى، حيث قام الجيش العراقي بقيادة اللواء الركن اياد خليل زكي بالهجوم الوحشي على المنطقة مستخدمة الاساليب الهمجية ذاتها التي استخدمت قبل ذلك بما فيها الاسلحة الكيمياوية ضد القرى الآمنة والسكان المدنيين على حد سواء وتم اعتقال ونفي كل سكان قرى المنطقة الى جهات مجهولة ولم يظهر لهم أثر حتى الان. كما نهبت جميع ممتلكاتها من الاثاث والثروات الحيوانية والمعدات ثم دمرت القرى وسويت بالارض.
3-الانفال الثالثة: شملت منطقة كرميان بمحافظ كركوك وبدأت في 7 نيسان واستمرت لغاية 20 من ذات الشهر، وكانت أوسع وأقسى جريمة وأكثرها تدميرا سواء من حيث المناطق التي شملتها ام عدد المؤنفلين، وكان الهدف هو تدمير كل الريف الكوردي في هذه المحافظة والتخلص قدر الامكان من الكورد لاستكمال عمليات التعريب التي بدأ البعث بتنفيذها منذ عام 1963 عندما وصل الى السلطة لاول مرة ليعود الى تبنيها كاستراتيجية ولتصل الى مرحلة التطهير في الثمانينيات والتسعينيات، ويعتقد بان اكثر من 150 الفا من المؤنفلين اخذوا من ساحة عمليات الانفال الثالثة التي شملت المنطقة الواقعة مابين طرق كركوك- طوزخورماتو غرباً وطرق كركوك- جمجمال شمالاً وفي الشرق جبال قره داغ ومن الجنوب الخط الممتد من كلار- كفري بيباز.
4-الانفال الرابعة: وشملت حوض الزاب الصغير من3- 8 اياروبدأت الحملة هذه بالهجوم على قرية (كوب تبه)، وشملت ايضاً قرى(حيدر بك)و(عسكر)و(كليسه)و(بوكرد)و(كانبى)و(قبرلو)و(كانى هنجير) و(كومه شين)وهناك تقارير ووثائق كتبها قائد الفيلق الخامس آنذاك سلطان هاشم تثبث ان ارتالاً من الجنود هاجموا وادي الزاب الصغير عند الضياء الاول ليوم4/ مايس وذلك بعداثنتي عشرة ساعة من قصف قريتى(عسكر)و(كوب تبه) بالقنابل الكيماوية. وتذكرالتقاريرالصادرة من منظمات حقوق الأنسان ان الجيش العراقي قام بقتل جميع الجرحى والاسرى في هذه المنطقة.
5-شملت الانفال الخامسة والسادسة والسابعة المناطق الجبلية بأربيل، وبالذات في اودية شقلاوة وراوندوز وبدأت في 15 أيار واستمرت حتى 7 تموز... واضطر النظام امام المقاومة البطولية التي ابدتها البيشمركة لوقف العملية بأمرصادرمن مكتب الدكتاتور(ويثبت هذا الامر الدور المباشر لصدام حسين شخصيا في مجزرة الأنفال)، وتجددت حملات الانفال السادسة والسابعة في تموز واب لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة عن تطهير المنطقة ممن سموا بالمخربين.حيث قامت السلطات القمعية بتجميع قوة كبيرة مؤلفة من العديدمن فرق المغاوير والقوات الخاصة و22 فوجاً من المرتزقة لتنفيذ هذه الحملة. وبدأت بالهجوم على قرى ورتى وهيران ونازه نين.
6-الانفال الثامنة: وبدأت بعد قبول ايران لوقف اطلاق النار في 8/8/1988 اذ تفرغت القوات العراقية لخاتمة مسالخ الانفال والتي هي منطقة بهدينان وبدأت في 15 اب واستمرت حتى 6 ايلول من ذات العام لتعلن الحكومة عن النصر والعفو العام لصيد البقية الباقية من السكان في المناطق المشمولة بالانفالات. لقد اسفرت الحملات المدعومة بالطائرات عن تدمير عشرات القرى بعد قصفها بالاسلحة الكيمياوية الفتاكة وغاز الخردل السام.
كانت الخطة المتبعة في عمليات الانفال هي نفسها تقريبا، اذ يجري البدء بالقصف المدفعي والجوي المكثف لعدة ايام مع استخدام الاسلحة الكيمياوية بعد ان يكون قد جرى استكمال تطويق المنطقة المستهدفة من كل الجهات من قبل الجيش الشعبي وماكانت تسمى بأفواج الدفاع الوطني (المرتزقة) وسد جميع الطرق والممرات لمنع هروب اي شخص الى خارج منطقة العمليات، وأدت هذه العمليات الى القبض على كل من بقي على قيد الحياة ونهب جميع ممتلكاتهم واضرام النار في البيوت والمزارع، لتأتي بعد ذلك فرق الهندسة العسكرية وتقوم بتدمير القرى وتسويتها بالارض.
الجريمة الصامتة
آسيا القارة النووية!!
المجتمع الدولي و المعيار المزدوج
سباق التسلح النووي