آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة- يوم تبليغ أمير المؤمنين سورة براءة
من الأيام المهمة الأُخرى المحتمل كونه مراد الآية، يوم قراءة سورة (براءة) من قِبل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في منى، سنة (9) هجرية.
لقد كان فتح مكّة فتحاً عسكرياً، عاد بنتائج مدهشة على صعيد تثبيت القدرة العسكرية، بل وحتى المعنوية للإسلام، ولكن مع ذلك، كان النبي يعيش مع الكفّار وفقا لشروط الصلح، فقد كان الصلح قائما بين الطرفين، وبمقتضاه كان للمشركين حق الطواف بالكعبة والمكوث في مكّة والاشتراك في الحجّ.
وقد حصل في إحدى السنوات، أن الحج مشتركاً، إذ حجَّ المسلمون وأدّوا مناسكهم وفقا لتعاليم الإسلام، وحجَّ المشركون وقد أدّوا مناسكهم وفقا لعقيدتهم.
وفي السنة التاسعة للهجرة نزلت سورة براءة (التوبة) حيث ندَبَ النبي الإمام أمير المؤمنين لقراءتها في منى على مسمع من الناس، وبمقتضى هذه السورة لا يحقّ للمشركين بعد عامهم هذا أن يشاركوا بمراسم الحجّ، فالحج أضحى منسكاً خاصّاً بالمسلمين فقط.
وقصّة ذلك معروفة، حيث بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بادئ الأمر أميراً على الحاج، وقد كان في الطريق حين نزلت ( براءة ).
ولكن ما أتفق عليه الشيعة والسنة وعدُّوه من فضائل الإمام أمير المؤمنين، هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بأمير المؤمنين على ناقته الخاصة العضباء بعد أن نزل عليه الوحي وأخبره: أن لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فأدرك الإمام أبا بكر في الطريق.
لقد اختلف المفسّرون فيما إذا كان أبو بكر قد أخذ معه (سورة براءة) منذ البداية، أم أنه ذهب بصفته أميرا على الحاج، من دونها.
ولكن ما أتفق عليه الشيعة والسنة وعدُّوه من فضائل الإمام أمير المؤمنين، هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بأمير المؤمنين على ناقته الخاصة العضباء بعد أن نزل عليه الوحي وأخبره: أن لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فأدرك الإمام أبا بكر في الطريق.
ومما يُذكر في الواقعة أن النبي حين بعث بأبي بكر ثم أتبعه عليا على ناقته، كان أبو بكر في خيمة أو في بعض الطريق حسب رواية أخرى إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج فزِعاً وهو يظنّه رسول الله، وإذا هو علي، فعرف أن أمرا مهمّاً قد حدث. عندها سأل الإمام، فأجابه: إنه أُنزِل عليه أن لا يبلّغها إلا رجل منك.فعاد إلى المدينة خائفا من أن يكون قد نزل فيه ما يُغضب النبي فقال: يا رسول الله، أاُنزل فيَّ شيء؟ فقال النبي: لا، ولكني أُمرِت أن أُبلّغها أنا أو رجلٌ مني1.
عند هذه النقطة، نشأ خلاف في الرأي، فالسنة تروي أن الإمام عليا قرأ (براءة) ومضى أبو بكر في سفره،لم ينقص من مهمّته التي أناطها به النبي إلا تبليغ (براءة)أي بقيت له الإمارة على الحج بيدَ أن الشيعة ومعها كثير من أهل السنة ذكروا عودة أبي بكر إلى المدينة - حسبما ينقله صاحب تفسير الميزان2 - حتى إذا ما التقى بالنبي سأله: يارسول الله، أنزل فيَّ شيء؟ فقال النبي: لا.
يتبين مما مرّ، أن يوم تبليغ (براءة) كان يوما استثنائيا في حياة المسلمين. ففيه أُعلن أن الحرم يختص بالمسلمين وحدهم، ولا يحقّ للمشركين بعد الآن أن يشاركوا في مراسم الحجّ.
وهذا الأذان جعل المشركين يفهمون أنه ليس بمقدورهم أن يظلوا على شركهم، فالإسلام يتعايش مع أديان كاليهودية والنصرانية والمجوسية، بيدِ أنه لا يتحمّل الشرك ولا يتعايش معه.
يتبين مما مرّ، أن يوم تبليغ (براءة) كان يوما استثنائيا في حياة المسلمين. ففيه أُعلن أن الحرم يختص بالمسلمين وحدهم، ولا يحقّ للمشركين بعد الآن أن يشاركوا في مراسم الحجّ.
وللأهمية التي يتحلّى بها هذا اليوم، ذكروا أنه قد يكون هو المراد من الآية.
وقد قالوا في الرد: إن هذا الاحتمال لا يتسق مع قوله تعالى:(أتممت عليكم نعمتي) لأن الكثير من الأحكام جاءت بعد هذا اليوم نزلت براءة في السنة التاسعة للهجرة في حين أن اليوم الذي تعنيه الآية التي نحن بصددها، لابد أن يكون من الأيام الأواخر في حياة النبي حيث لم ينزل من السماء بعده حكم جديد3.
الامامة،الشيخ مرتضى مطهري، المترجم :جواد علي كسّار
----------------------------------------------------
الهوامش:
1- المتن في هذه الموارد يضطرب بحكم أن الشيخ يتحدث شفاهيا ويقوم بالترجمة والإيضاح، فيختلط النص التاريخي مع الترجمة، ثم مع الشرح والتوضيح مما يُفضي إلى الإرباك. وقد سعينا جهد الإمكان أن نحافظ على الصورة التاريخية للواقعة من خلال ترتيب المتن.
وفي هذا المعنى تظافرت النقول عليه بما لا يحصى، ففي تفسير البرهان عن "أبن شهر آشوب " أنه روى الحديث الطبرسي والبلاذري والترمذي والواقدي والشعبي والسدي والثعلبي والواحدي والقرطبي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق، وأبو يعلى الموصلي والأعمش وسماك بن حرب، في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي هريرة وأنس وأبي رافع وزيد بن نفيع وابن عمر وابن عباس، واللفظ للأخير: أنه لما نزلبراءة من الله ورسوله إلى تسع آيات أنفذ النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر إلى مكة لأدائها فنزل جبرئيل وقال: إنه لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فقال النبي لأمير المؤمنين: اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر وخذ براءة من يده.
قال: ولما رجع أبو بكر إلى النبي، جزع وقال: يا رسول الله إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه، فلما توجهتُ إليه ردَدْتني عنه؟ فقال صلى الله عليه وآله: الأمين هبط إليَّ عن الله تعالى: أنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وعليٌّ مني ولا يؤدّي عني إلا عليّ.
ينظر:
1- السيرة النبوية، لابن هشام، ج4، ص190.
2- تاريخ اليعقوبي، ج2.
3- تفسير القمي، على بن إبراهيم،ج1،ص281 فما بعد.
4- فضائل الخمسة من الصحاح الستة،ج1، 343فما بعد.
5- سيرة المصطفى، هاشم معروف الحسني، ص 677المترجم
2- ينظر: الميزان، المجلد التاسع ص 161 فما بعد. وبودنا أن نشير إلى أهمية الأفكار التي طرحها السيد محمد حسين الطباطبائي وثراء المناقشات التي أوردها في بحثه الروائي بشأن الواقعة المترجم
3- مرت هذه الأجزاء من البحث الذي أتناوله هنا في كتاب "خلافت وولايت" بالفارسية للسيد محمد تقي شريعتي الذي صدر مؤخراً عن حسينية الإرشاد قبل أربع سنوات مستفيداً من سورة المائدة، ولكن ربما بدا البحث بحاجة إلى تفصيل أكثر، وربما ساهم ما أقوم بعرضه الآن في توضيح ذلك البحث بعض الشيء، أو أن تسهم مطالعتكم ذلك الكتاب في توضيح ما أذكره هنا. اقصُد أن هذين الإثنين يوضح بعضهما الآخر
الناس وفق تصنيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة- يوم فتح مكة
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة - ما المراد باليوم؟
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة
السنّة النبويّة تنصّ على الإمامة