القرآن ينصّ على الإمامة
إنّ القرآن لم يفقد هدايته للإمامة لكي نلتجئ إلى القول بتحريفه ، بل القرآن يهدي إليها بالصراحة والنص . وقبل أن نطلعك على الآيات التي صرّحت بالإمامة ، لابد من التنبيه على مفهوم الإمام ، وما هو المراد منه في القرآن الكريم ؟ وإليك إيجازاً في ذلك :
عُرّف الإمام في اللغة : بالإنسان الذي يؤتمّ به ويقتدى بقوله أو فعله محقّاً كان أو مبطلاً (1) ، وبهذا المعنى جاء قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (2) ، وقوله تعالى : ( فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنتَهُونَ ) (3) .
أمّا الإمام الحق في الإسلام فهو الهادي إلى سبيل الله بأمر منه عزّ وجل ، سواء كان إنساناً ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (4) ، وقوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (5) .
أم كان كتاباً ، كما في قوله تعالى : ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (6) .
ومن حصيلة هذه النصوص القرآنية يتضح أنّ من شروط الإمام الحق في القرآن الكريم ؛ إن كان كتاباً فلابد أن يكون منزلاً من قبل الله تعالى على رسله لهداية الناس ، كما كان ذلك شأن كتاب خاتم الأنبياء محمد (صلّى الله عليه وآله) ، ومن قبله كتاب موسى (عليه السلام) ، وذلك أيضاً شأن سائر كتب الأنبياء (عليهم السلام) . وإن كان إنساناً فلابد أن تكون إمامته مجعولة من قبل الله تبارك وتعالى ، كما في قوله تعالى : ( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (7) وقوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (8) وكذلك لابد أن يكون هذا الإنسان غير ظالم لنفسه ولا لغيره ، أي منزّه عن عصيان الله تعالى كما هو مقتضى قوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (9) ، وإطلاق الظالمين شامل لكل ظلم سواء كان على الغير ، أو على النفس ، وكل معصية صغيرة أو كبيرة تُعد ظلماً ، لا يصلح مرتكبه لهذا المقام الشامخ ، ومن أبرز مصاديق الظلم هو الشرك بالله وعبادة غيره حيث قال تعالى : (إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (10) .
وبذلك يتضح أنّ الإمام في الاصطلاح القرآني هو : الإنسان المعصوم من الذنوب والمجعول من قِبَل الله تعالى لهداية الناس .
الكتاب المنزل من قِبل الله تعالى على رسله لهداية الناس .
هذا إيجاز ، وتفصيله قد ذُكر في الجواب عن الشبهة السابقة ؛ فراجع .
وإذا اتضح ذلك ، نذكر لك جدولة سريعة على سبيل الاختصار لبعض الآيات القرآنية التي هدت وأرشدت إلى الإمام والإمامة ، وصرّحت بهما ، والتي ترسم وتحدد معالم أطروحة الإمامة في القرآن الكريم :
قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (11) ، ومن الواضح من لحن الآية وسياقها أنّ الله تعالى جعل إبراهيم إماماً في أواخر عمره الشريف ، بعد أن كان نبيّاً ورسولاً وخليلاً ، فكيف يقال إنّ القرآن لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .
قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (12) ، فإنّ هذه الآية تدلّ على أنّ الإمامة جعل وتنصيب من قِبل الله تعالى .
3 ـ قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (13) .
4 ـ قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (14) .
5 ـ قوله تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ ) (15) ، وهذه الآية تشرح مفهوم الإمامة وتشبعه إشباعاً رائعاً ، حيث قرنت طاعة أُولي الأمر بطاعة الله تعالى ، ممّا يكشف عن أنّ هذه الولاية متفرّعة عن ولاية الله وولاية الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وهي شاهد على أنّ الولاية والإمامة ، وقيادة الناس ليس من صلاحيتهم ولا بتنصيبهم ؛ لأنّ ما هو اللازم عليهم المتابعة والانقياد في ذلك وحسب ، وعلى هذا الأساس نقول أيضاً : كيف أنّ القرآن لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .
6 ـ قوله تعالى : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (16) ، وتحتشد في هذه الآية الكريمة دلالات كثيرة لإثبات الإمامة ، وبشكل خاص إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهذا ما نجده واضحاً عندما نرجع إلى مصادر الفريقين في هذا المجال ، وملاحظة الروايات الواردة في شأن نزول الآية المباركة (17) .
7 ـ قوله تعالى : (يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ... ) (18) ، حيث تكشف هذه الآية بشكل صريح وواضح النقاب عن أهمّيّة وجود الإمام بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وإنّ عدم وجود الإمام بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يساوق انتفاء الرسالة ( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) ، فلولا الإمامة يغدو كل شيء وكأنّه لم يكن ، أي لا يبقى نسيج متماسك للإسلام ، بل يهوي ويتمزّق ، وأروع ما يرشدنا إلى اهتمام القرآن بالإمامة هو التعبير الذي ورد في الآية المباركة بإكمال الدين ورسالة الله تعالى ، ورضاه عزّ وجلّ بالإسلام ديناً بعد تنصيب الرسول (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) خلفاً وإماماً بعده ، حيث قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (20) .
فهذه لمحة عامة تكشف عن اهتمام القرآن بالإمامة ، فهل بعد هذا كلّه يمكن أن يقال : إنّ القرآن الكريم لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .
------------------------------------------------
الهوامش:
(1) لسان العرب ، ابن منظور : ج 12 ص 24 ـ 25 .
(2) الإسراء : 71 .
(3) التوبة : 12 .
(4) البقرة : 124 .
(5) الأنبياء : 73 .
(6) هود : 17 .
(7) البقرة : 124 .
(8) الأنبياء : 73 .
(9) البقرة : 124 .
(10) لقمان : 13 .
(11) البقرة : 124 .
(12) السجدة : 24 .
(13) الأنبياء : 73 .
(14) القصص : 5 .
(15) النساء : 59 .
(16) المائدة : 55 .
(17) انظر : الدر المنثور ، السيوطي : ج 3 ص 105 ـ 106 ؛ تفسير المنار ، محمد رشيد رضا : ج 6 ص 463 ؛ تنزيل الآيات : ص 54 ؛ التهذيب في التفسير : ج 3 ص 106 ؛ توضيح الدلائل : ص 158 ؛ مودّة القربى : ص 55 ؛ ينابيع المودّة : ج 1 ص 11 ـ 12 ، ص 347 ـ 348 ، الفصول المهمّة : ص 117 ـ 118 ؛ تفسير الثعلبي : ج 4 : ص 80 ـ 81 ؛ أسباب النزول ، الواحدي : ص 153 ؛ أرجح المطالب : ص 67 ، ص 203 ؛ مناقب المغازلي : ص 18 ؛ تفسير القرطبي : ج 2 ص 73 ـ 74 ، وغيرها من المصادر .
(19) المائدة : 67 .
(20) المائدة : 3 .
الإمامة في القرآن
دعوة إبراهيم و إسماعيل عند رفع القواعد من البيت
سرُّ الاعتقاد بالإمامة
الإمامة عقيدة ومنهج حياة