ادب النبوة(1)
ينبغي أوّلاً أن نعرف بأنّ الأدب ـ على ما يتحصّل من معناه ـ هو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليه الفعل المشروع إمّا في الدين أو عند العقلاء في مجتمعهم كآداب الدعاء وآداب ملاقاة الأصدقاء، وإن شئت قلت: ظرافة الفعل،(1).
وقالوا في تعريفه:
الأدب عند أهل الحقيقة أربعة أنواع أدب: الشريعة، وأدب الخدمة، وأدبّ الحقّ، أدب الحقيقة وهو جماع كلّ خير،(2). ثمّ إنّ الأدب لا يتصوّر إلاّ في الأمور المشروعة غير الممنوعة، فلا أدب في الظلم والخيانة والكذب، ولا أدب في الأعمال الشنيعة والقبيحة. وقد أطبق العقلاء على أصل معنى الأدب وهو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الفعل الاختياري وإن اختلفوا في تحديد مصاديقه أشدّ الاختلاف، (3).
من هنا سوف يكون الأدب في كلّ مجتمع هو المرآة التي تحاكي خصوصيات أخلاق ذلك المجتمع. وممّا تجدر الإشارة إليه هنا أنّ الآداب ليست هي الأخلاق، ضرورة أنّ الأخلاق هي الملكات الروحية الراسخة التي تتلبّس بها النفوس، أمّا الآداب فهي هيئات حسنة مختلفة تتلبّس بها الأعمال الصادرة عن تلك النفوس، وبين الأمرين بون بعيد،(4).
استناداً إلى ما يعطيه الكلام المتقدّم من معنى الأدب فإنّ الأدب الإلهي الذي أدّب الله سبحانه به أنبياءه ورسله عليهم السلام هو الهيئة الحسنة من الأعمال الدينية التي تحاكي غرض الدين وغايته، وهو العبودية على اختلاف الأديان الحقّة بحسب كثرة موادّها وقلّتها وبحسب مراتبها في الكمال والرقيّ.
وحيث إنّ الإسلام هو الدين الخاتم بل هو الدين عند الله كما نصّ على ذلك القرآن الكريم، فكان من شأنه التعرّض لجميع جهات الحياة الإنسانية بحيث لا يشذّ عنه شيء من شؤونها. ومن ثمّة نرى هذا الدين الحنيف قد وسع الحياة أدباً، وملأ الدنيا أخلاقاً وفضائل، ورسم في كلّ عمل هيئة حسنة تحاكي غايته وتنسجم مع هدفه الأسمى.
وليس للإسلام غاية عامّة إلاّ الوصول إلى توحيد الحقّ تبارك وتعالى في مرحلتي الاعتقاد والعمل جميعاً، أي أن يعتقد الإنسان أنّ له إلهاً هو الذي منه بدأ كلّ شيء وإليه يعود كلّ شيء، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا، ثمّ يجري في الحياة ويعيش بالأعمال التي تحاكي بنفسها عبوديته وعبودية كلّ شيء عنده لله الحقّ عزّ اسمه، أي أن تكون أعماله ترجماناً أميناً لتلك المعتقدات التي انطوى عليها قلبه، وبذلك يسري التوحيد في باطنه وظاهره، وتتجلّى العبودية المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهوراً لا ستر عليه ولا حجاب يغطّيه،(5).
سيراً على هدى هذه الحقيقة القرآنية فليس الأدب الإلهي أو أدب النبوّة إلاّ هيئة التوحيد في الفعل. ومن ثمّة قلنا سابقاً إنّ الذي يتأمّل في قصص الأنبياء والمرسلين سوف يرى أنّها دورات متكاملة في السير العبودي; ذلك لما تمثّله من مستوى عال وأداء رفيع من الأدب الإلهي الذي تجلّى في أعمال الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.
السيد کمال الحيدري
------------------------------------------------
الهوامش
(1) ينظر: الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص255; وكذلك : لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص206، مادّة (أدب).
(2) المناوي، محمّد عبد الرؤوف (ت1031هـ)، التوقيف على مهمّات التعاريف، تحقيق د. محمّد رضوان الداية، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1410هـ، ج1، ص45.
(3) الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص256.
(4) المصدر نفسه ص257.
(5) الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ص257.