قصة بناء مسجد جمکران
قصّة بناء هذا المسجد و ما رافقها من أحداث فهي كما في الحكاية الثامنة من كتاب جنّة المأوى ، قال في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمّي من كتاب مؤنس الحزين في معرفة الحقّ و اليقين من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية :
سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام (عليه السلام) على ما أخبر به الشيخ العفيف الصّالح حسن بن مثلة الجمكراني.
قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث و تسعين و ثلاثمائة نائماً في بيتي ، فلمّا مضى نصف من الليل ، فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي ، فأيقظوني وقالوا ، قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان ، فإنّه يدعوك.
قال : فقمت و تعبّأت و تهيّأت ، فقلت : دعوني حتى ألبس قميصي ، فإذا بنداء من جانب الباب: هو ما كان قميصك ، فتركته و أخذت سراويلي فنودي : ليس ذلك منك فخذ سراويلك ، فألقيته و أخذت سراويلي و لبسته ، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي : الباب مفتوح .
فلمّا جئت إلى الباب ، رأيت قوماً من الأكابر ، فسلّمت عليهم فردّوا و رحّبوا بي ، و ذهبوا بي إلى موضع المسجد الآن ، فلمّا أمعنت النّظر ، رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان ، و عليها وسائد حسان ، و رأيت فتى في زيّ ابن ثلاثين متكئاً عليها ، و بين يديه شيخ و بيده كتاب يقرؤه عليه ، و حوله أكثر من ستين رجلاً يصلّون في تلك البقعة ، و على بعضهم ثياب بيض و على بعضهم ثياب خضر.
و كان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام) ، فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السلام) و دعاني الإمام (عليه السلام) باسمين ، و قال : اذهب إلى حسن بن مسلم ، و قل له إنّك تعمر هذه الأرض منذ سنين ، و تزرعها و نحن نخرّبها ، زرعت خمس سنين و العام أيضاً أنت على حالك من الزّراعة و العمارة ، و لارخصة لك في العود إليها ، و عليك ردّ ما انتفعت به من غلاّت هذه الأرض ليبنى فيها مسجد ، و قل لحسن بن مسلم ، إنّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي و شرّفها ، و أنت قد أضفتها إلى أرضك ، و قد جزاك الله بموت ولدين لك شابّين فلم تنتبه من غفلتك ، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لاتشعر.
قال حسن بن مثلة : قلت ، يا سيدي لابدّ لي في ذلك من علامة ، فإنّ القوم لايقبلون ما لاعلامة و لاحجّة عليه ، و لايصدّقون قولي ، قال : إنا سنعلم هناك ، فاذهب و بلّغ رسالتنا ، و اذهب إلى السيد أبي الحسن و قل له : يجيء و يحضره و يطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ، و يعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ، و يتمّ ما نقص من غلّة رهق ملكنا بناحية اردهال ، و يتم المسجد ، و قد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ليجلب غلّته كلّ عام ، و يصرف إلى عمارته .
و قل للناس ، ليرغبوا إلى هذا الموضع ، و يعزّروه ، و يصلّوا هنا أربع ركعات للتحيّة في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرّة و سورة الإخلاص سبع مرّات ، و يسّبح في الركوع و السجود سبع مرّات ، و ركعتان للإمام صاحب الزمان (عليه السلام) هكذا : يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) كرّره مائة مرّة ، ثم يقرؤها إلى آخره ا، و هكذا يصنع في الركعة الثانية ، و يسبّح في الركوع و السجود سبع مرات ، فإذا أتمّ الصلاة يهلّل و يسبّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ، و يصلّي على النبي و آله مائة مرة ، ثم قال (عليه السلام) ما هذه حكاية لفظه : ( فمن صلاّها فكأنّما صلّى في البيت العتيق ).
قال حسن بن مثلة ، قلت في نفسي ، كأنّ هذا موضع أنت تزعم أنّما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراً إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد ، فأشار ذلك الفتى إليّ أن اذهب.
فرجعت فلمّا سرت بعض الطريق دعاني ثانية ، و قال : إنّ في قطيع جعفر الكاشاني الرّاعي معزّاً يجب أن تشتريه ، فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه ، و إلا فتعطي من مالك ، و تجيء به إلى هذا الموضع و تذبحه الليلة الآتية ، ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم المعز على المرضى و من به علّة شديدة ، فإنّ الله يشفي جميعهم ، و ذلك المعز أبلق كثير الشّعر و عليه سبع علامات سود و بيض ثلاث على جانب و أربع على جانب سود و بيض كالدّراهم.
فذهبت فأرجعوني ثالثة و قال : تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً ، فإن حملت على السبع انطبق على ليلة القدر ، و هو الثالث و العشرون ، و إن حملت على السبعين انطبق على الخامس و العشرين من ذي القعدة و كلاهما يوم مبارك.
قال حسن بن مثلة : فعدت حتى وصلت إلى داري و لم أزل اللّيل متفكّراً حتى أسفر الصبح فأدّيت الفريضة و جئت إلى علي بن المنذر ، فقصصت عليه الحال فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة فقال ، و الله إنّ العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أنّ هذه السلاسل و الأوتاد ها هنا .
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا ، فلمّا وصلنا إلى باب داره رأينا خدّامه و غلمانه يقولون إنّ السيد أبا الحسن الرّضا ينتظرك من سحر ، أنت من جمكران ؟ ، قلت : نعم فدخلت عليه الساعة و سلّمت عليه ، و خضعت فأحسن في الجواب و أكرمني ، و مكّن لي في مجلسه ، و سبقني قبل أن أحدّثه ، و قال : يا حسن بن مثلة إنّي كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي ، إنّ رجلاً من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدوّ و لتصدّقن ما يقول ، و اعتمد على قوله ، فإنّ قوله قولنا ، فلا تردّن عليه قوله ، فانتبهت من رقدتي وك نت أنتظرك الآن .
فقصّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً ، فأمر بالخيول لتسرج ، و تخرّجوا فركبوا ، فلمّا قربوا من القرية رأوا جعفر الرّاعي و له قطيع على جانب الطريق ، فدخل حسن بن مثلة بين القطيع و كان ذلك المعز خلف القطيع ، فأقبل المعز عادياً إلى الحسن بن مثلة ، فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الرّاعي و يأتي به فأقسم جعفر الرّاعي أنى ما رأيت هذا المعز قطّ ، ولم يكن في قطيعي إلا أنّي رأيته ، و كلّما أريد أن آخذه لايمكنني ، و الآن جاء إليكم . فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع و ذبحوه .
و جاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع و أحضروا الحسن بن مسلم و استردّوا منه الغلاّت ، و جاءوا بغلاّت رهق و سقفوا المسجد بالجذوع و ذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسّلاسل و الأوتاد و أودعها في بيته ، فكان يأتي المرضى و المعلولون و يمسّون أبدانهم بالسّلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلاً و يصحّون.
قال أبو الحسن محمد بن حيدر ، سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرّضا في المحلّة المدعوة بموسويّان من بلدة قم فمرض ـ بعد وفاته ـ ولد له فدخل بيته و فتح الصّندوق الذي فيه السّلاسل و الأوتاد فلم يجدها.
ثم قال المحدّث النوري : وقد نقلنا الخبر السابق من خطّ السيد المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري عن مجموعة نقله منه ، ولكنّه كان بالفارسية فنقلناه ثانياً إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع.
و لايخفى أنّ كلمة التسعين الواقعة في صدر الخبر بالمثنّاة فوق ثم السين المهملة كانت في الأصل سبعين مقدّم المهملة على الموحّدة و اشتبه على الناسخ لأنّ وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين ، ولذا نرى جمعاً من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السّبعين بتقديم السين أو التاء حذراً عن التصحيف و التحريف ، و الله تعالى هو العالم ،(1) .
----------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1 - جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة أو معجزته في الغيبة الكبرى المطبوع ضمن الجزء الثالث والخمسين من بحار الأنوار، ص230-234.
مسجد جمكران