رؤية لما يجري في الصين
نقلت لنا وسائل الإعلام - خاصة الغربية - أنباء غزيرة عما يجري في إقليم شينجيانج الصيني ، حيث تعيش أكبر أغلبية مسلمة من عرقية '' الأويغور''. و سالت الدماء مرة بسبب الصدام المسلح بين الأويغور و الهان ، الذين يمثلون العرقية الأكثر عددا في الصين ، و إن كانوا مجرد أقلية في شينجيانج .
و قد أتيح لي زيارة هذا الإقليم عام 1996 ضمن زيارة للصين شملت بيجينج ( بكين ) و نانكنج و شنغهاي و شينزين و فوجيان. و الصين فيها 29 إقليما جغرافيا أو محافظة . و فيها عشرات الأقليات ، التي يطلق عليها هناك ثقافات تفاديا لإدخال الدين إلى ساحة الصراع.
وقد حرصت الحكومات الصينية ، حتى قبل ثورة ماوتسي تونج سنة 1949 على إخماد نيران الحروب الأهلية ، قبل أن تستعر لما في ذلك من خطر بالغ على دولة مترامية الأطراف ، تمثل الركيزة الأساسية للثقافة الآسيوية بأكملها.
الاضطرابات التي وقعت تفسرها الحكومة على أنها قلاقل بين الهان و الأويغور ، و قد أثبتت هويات القتلى أن من بينهم 137 من الهان و46 من الأويغور ، مما يعني أن يد السلطة الثقيلة لم تميز ، و إنما وجهت نيرانها إلى بقع الاضطراب. ولكن عدد المعتقلين من الأويغور ( نحو 1500) ، يشير بأن الحكومة المركزية تنوي تأديب المتمردين.
و تقول مصادر الأويغور ، إنهم أعربوا عن استيائهم لأن الحكومة قتلت اثنين ، ممن تظاهروا سلميا في مدينة شاو جوان في حزيران (يونيو) الماضي . كما أن ربيعة قدير الزعيمة الأويغورية المنفية ، اتهمت الحكومة بأن تراخيها في معالجة أزمة شاو جوان ، كان السبب في إشعال الفتنة ، و نفت أن تكون قد قامت بتحريض أبناء عرقيتها عبر الإنترنت . و في الوقت الذي طالب فيه نور بكري ، رئيس الإقليم - و هو أويغوري مسلم - أبناء شعبه بممارسة ضبط النفس ، تواصل السلطات المركزية البحث عن بعض الزعامات الأويغورية المتهمة بإشعال الموقف.
و من الصعب تحديد المسؤولية عندما يبدأ الاشتباك المسلح ، و المعروف أن سلوك الجماعات يتحدد بمفاهيم العنف و الفعل و رد الفعل . ولكن هناك عدة حقائق لا ينبغي استبعادها:
- أولا:
أن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الدول كثيفة السكان و متعددة العرقيات ، هي استراتيجية التفكيك ، و تشجيع الحروب المحلية. و المعروف أن هذه الدول ، كانت تسمى إمبراطوريات في الماضي ، لأن حكامها كانوا يحكمون عرقيات متعددة . فعلت ذلك في إمبراطورية إثيوبيا ، التي كانت تضم التيجري و العفري و الصومالي و الإريتري ، فانفصلت إريتريا و الأوجادين . و تحاول ذلك في إيران ، حيث يوجد الفرس والطاجيك والآذير والعرب والأكراد والبلوش وحققت ذلك بنجاح في الإمبراطورية السوفياتية والاتحاد اليوغسلافي.
فالولايات المتحدة تحسبا للصدام الذي قد يقع بينها وبين إحدى هذه الدول تفضل أن ترتطم بكيان ضعيف مهتز. والنموذج الروسي الحالي والنموذج البلقاني يؤيدان هذا التوجه. وقد عزز هذا الافتراض مبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة وهو في الغالب يمثل التوجهات الأمريكية ''بأن تراعي حكومة الصين الأصول الديمقراطية وتمنح المتظاهرين والرافضين فرصة الإعراب عن آرائهم، واستنكر حل الخلافات بالقوة ( و هو الخيار الأوحد أمام الحكومة المركزية في بكين لإبقاء وحدة الصين ) وطالب بان كي مون بحماية أرواح وضمان سلامة المواطنين.
- ثانيا :
توجهت وسائل الإعلام الأمريكية إلى الحديث عن تعرض الصين إلى قلاقل جماعية بسبب التباطؤ الاقتصادي ، الذي تعانيه الصين و هبوط معدل إجمالي الناتج المحلي إلى 9 في المائة في الربع الثالث ، بعد أن كان 10.1 في المائة في الثاني ، و قالت إن المعدل سيهبط إلى 7 في المائة و ستتبعه بطالة و ثورة ضد الفساد إلى جانب الاضطرابات الاجتماعية. و هو ما نعرفه بالتفكير بالتمني على سند وقوع حالات إفلاس كثيرة و هبوط في الإنتاج . و عندما يتوجه جناحا الإعلام للتحليق في منطقة الاقتصاد المتدني و القمع المتصاعد ، فإننا نستطيع أن نقرأ مقدمة للقصف الإعلامي المبدئي المبكر. و قد يكون التوقيت غير مناسب لانشغال واشنطن بملفات إيران و الشرق الأوسط و الجلاء عن العراق و التكثيف في أفغانستان . ولكن موجات السياسة لاتعرف ذلك ، فهي تتحرك في بحرها حسب توقيتات كثيرة. و علينا أن ندرك أن الصين لديها حساسية كبيرة من الثورات الدينية ، فهناك البوذيون في التبت و الكاثوليك في ماكاو و المسلمون في تركستان . و من سخرية الأحداث أن الشحن الأمريكي ضد المسلمين و وصفهم الدائم بالإرهاب ، يثير في الصين حالة التحفز و المبالغة في رد الفعل.
و تدرك بكين جيدا ، أن واشنطن تريد حرائق كثيرة في بلد باتساع الصين ليتسنى إدخاله أتون التفكك الذي أودى بالاتحاد السوفياتي.
*فائق فهيم