التمثيل الرابع و الخمسون : لقمان الحکيم
( مَثَلُ الّذينَ حُمّلُوا التُّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمِين ) ، (1)
تفسير الآية
" الاَسفا ر " ، السَّفر : كشف الغطاء ، و يختص ذلك بالاَعيان نحو سَفَرَ العمامة عن الرأس ، و الخمار عن الوجه، إلى أن قال: ( و السّفْر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق و جمعه أسفار ) ، (2)
ذكر المفسرون انّه سبحانه لما قال: إنّه بعثه إلى الاَُميّين أخذت اليهود الآية ذريعة لاِنكار سعة رسالته ، و قالوا: إنّه (صلى الله عليه و آله و سلم ) بعث إلى العرب خاصة ، و لم يبعث إليهم ، فعند ذلك نزلت الآية ، و شبّهتهم بالحمار الذي يحمل أسفاراً لا ينتفع منها ، إذ جاء في التوراة نعت الرسول و البشارة بمقدمه و الدخول في دينه.
مضافاً إلى أنّه يمثل حال من ، يفهم معاني القرآن ، و لا يعمل به ، و يعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه ، و المراد من قوله ( حُمّلُوا ) أي كلّفوا بالقيام بها ،
و قيل: ( ليس هو من الحمل على الظهر ، و إنّما هو من الحمالة بمعنى الكفالة و الضمان ) ، و لذا قيل للكفيل: الحميل، و المراد ، وا لذين ضمنوا أحكام التوراة ، ثمّ لم يحملوها ، أي لم يأدّوا حقها ، و لم يحملوها حق حملها ، فهوَلاء أشبه بالحمار ، كما قال: ( كَمَثَلِ الحِمار يَحْمِلُ أَسْفاراً ) .
و انتخب الحمار من بين سائر الحيوانات ، لما فيه من الذل و الحقارة ، ما ليس في غيره بل و الجهل و البلادة، مضافاً إلى المناسبة اللفظية الموجودة بين لفظ الاَسفار و الحمار.
فعلى كلّ تقدير فالآية تندّد باليهود ، و في الوقت نفسه تحذر عامة المسلمين في أن لا يكون حالهم حال اليهود ، في عدم الانتفاع بالكتاب المنزل ، الذي فيه دواء كلّ داء و شفاء لما في الصدور.
و للاَسف الشديد ، أصبح القرآن بين المسلمين مهجوراً ، إذ يتبرك به في العرائس ، أو يجعل تعاويذ للاَطفال ، أو زينة الرفوف ، أو يقرأ في القبور إلى غير ذلك ممّا أبعد المسلمين عن النظر في القرآن بتدبّر .
ثمّ إنّه سبحانه يصف اليهود المكذبة للقرآن و آياته، بقوله: (بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوم الظالِمين ).
-----------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ الجمعة:5.
2 ـ مفردات الراغب: مادة "سفر " .
التحريم
التمثيل الثالث و الخمسون : لقمان الحکيم
التمثيل الثاني و الخمسون : لقمان الحکيم
التمثيل الواحد و الخمسون : لقمان الحکيم
التمثيل الخمسون :لقمان حکيم