هل يعقل أن تكون اميركا "قدوة" للعالم الاسلامي!؟ ، (1)
صرح الرئيس الاميركي باراك أوباما ، قبيل زيارته الى الرياض و القاهرة ، بأن الولايات الاميركية المتحدة ، يمكن أن تكون " قدوة " للعالم الاسلامي . و من البديهي ان يقابل مثل هذا الهذيان بالرفض لأسباب تاريخية و سياسية و اقتصادية و اجتماعية و دينية عديدة .
الأسباب التاريخية :
لا تملك اميركا ما يؤهلها لأن تكون " قدوة " لدول العالم الاسلامي ولا لغيرها ، نظرا لماضيها الحافل بالحروب العدوانية و سياسات التوسع الاستعمارية منذ اكتشافها حتى وقتنا الحاضر. و على خلافها ، يحق لمُعظم شعوب الدول المكونة للعالم الاسلامي ، ان تفخر بانتمائها و تاريخها الحضاري، الذي عرفت عراقته ، و اعترفت بفضائله شعوب العالم ، قبل و بعد الاسلام .
و معلوم أن التطور و السبق العلمي للمسلمين في مجالات الطب و الهندسة و الرياضيات و الكيمياء و الفلك و صناعة السفن ، قد دفع بالمفكرين و رجال العلم في أوروبا الى ترجمة الكتب العربية ، ذات الصلة بالعلوم التطبيقية الى لغاتهم ، و أدخِلت كلمة Arsenal العربية الأصل ( دار الصناعة ) كمؤشر على بداية مرحلة النهضة الصناعية المكتسبة و المطورة لاحقا. و قد استعان الأوربيون باجهزة الاسطرلاب و المزولة و البوصلة وا لساعة المائية ، التي أخترعها العرب ، في النشاط الاستعماري المحموم للبرتغال و اسبانيا و في رحلات كولومبوس الاستكشافية ، التي شكل البحارة المسلمين حوالي ثلث طواقمها .
و يُعد ما كتبه كولومبوس في رسائله عن لغة أهالي جزيرة سان سلفادور القريبة في بعض مفرداتها من اللغة العربية ، و ما دونه عن قبيلة إمامي المسلمة في الهندوراس ، و مشاهدته للمسجد في كوبا ، و ما ذكره بعض المؤرخين عن قبائل الوفائيين المسلمة في ولاية ياهيا البرازيلية ، و اكتشاف جماجم بشرية ، تعود الى سكان غرب أفريقيا ، بمثابة أدلة على وجود علاقات قديمة بين السكان الأصليين في اميركا والمسلمين سبقت كولومبوس ، و تؤكد على ان ما تركه المسلمون من آثار مادية و معنوية في نفوس السكان الأصليين ، يختلف تماما عما خلفته فترة ما بعد كولومبوس الدموية .
إن خزائن العلم و المعرفة ، التي يعج بها تاريخ الدول المؤلفة للعالم الاسلامي ، تكفي لأن تجعلها هي القدوة لشعوب العالم . و لا وجود لأية أوجه شبه ، أو مقارنة، بين التاريخ المجيد لهذه الدول و تاريخ الولايات المتحدة الأسود. و كما قال الشاعر : ألا ترى أن السيف ينقص قدره ، إذا قيل أن السيف أمضى من العصا ..؟
شنت الولايات المتحدة الاميركية منذ إعلان استقلالها في 4 تموز 1776 العديد من الحروب العدوانية على شعوب العالم (عدا حروب الإبادة الجماعية للسكان الأصليين و الأهلية ) سقط فيها مئات الألوف من القتلى و الجرحى .
و أدت سياساتها التوسعية ، التي عبر عنها الرئيس الاميركي مونرو في منتصف القرن التاسع عشر " إن زيادة عظمة اميركا و جبروتها يتوقف على ضم الأراضي الجديدة " الى زيادة مساحاتها بما يقرب من عشرة أضعاف مع نهاية القرن . و على الرغم من الاتفاق على عدم تدخل اميركا في شؤون الدول الأوربية ، و امتناع الأخيرة عن التدخل في شؤون اميركا ، الا أن الولايات المتحدة بقيت تخطط للتخلص من منافسة بريطانيا و فرنسا و اسبانبا و البرتغال لها ، بهدف السيطرة على القسم الجنوبي للقارة ، و الذي حققته باعلانها الحرب على المكسيك عام 1846 .
و من أهم الحروب العدوانية ، التي شنتها الولايات المتحدة والمؤامرات ، التي حاكتها ضد دول و شعوب العالم :
1846- 1848: الحرب ضد المكسيك
إستُغِلت الخلافات على الحدود و مُطالبة تكساس بالانفصال عن المكسيك ، لأعلان الولايات المتحدة الحرب على المكسيك و أجبارها بعد احتلال عاصمتها على توقيع اتفاقية ، فرضت اميركا بموجبها على المكسيك بيع مساحات شاسعة لها ، تشمل كاليفورنيا و نيفادا و يوتا و ولايتي اريزونا و نيومكسيكو .
- 1898: الحرب ضد إسبانيا
إستغلت اميركا مطالبة كوبا بالاستقال عن إسبانيا فقامت بأرسال سفينة بحجة حماية المصالح الاميركية ، تم تفجيرها عمدا ، لايجاد مبرر إعلان الحرب على اسبانيا و احتلال مستعمراتها في البحر الكاريبي ( كوبا) و جنوب شرق آسيا (الفلبين) .
نيسان 1916:
قمع انتفاضة الدومينكان و احتلال البلاد بواسطة القوات البحرية الاميركية .
آب 1945:
إلقاء قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية ، أودت بحياة 78150 شخصاً و شوهت عشرات الألوف .
آب 1945:
القاء قنبلة ذرية ثانية على مدينة ناكازاكي اليابانية ، قضت على 73884 و شوهت أكثر من 60.000 .
أيلول 1945:
المصادقة على قرار إنشاء قاعدة جوية للقوات الاميركية في الظهران ، سبقها إتفاق ، تم بموجبه إعطاء حق امتياز التنقيب عن النفط في الجزيرة العربية في حزيران 1933 .
1949-1947:
إشعال فتيل الحرب الأهلية في اليونان و اعتراف الولايات المتحدة بدورها المباشر فيها. أما الحصيلة فكانت 150 ألف قتيل و عشرات الألوف من الجرحى و المعتقلين وإعدام قرابة 6 آلاف يوناني .
آذار 1949:
انقلاب عسكري في سوريا ، بقيادة حسني الزعيم خططت له وكالة المخابرات المركزية الاميركية. و في آب 1949 قامت مجموعة من الضباط السوريين بمحاصرة حسني الزعيم و قتلته بعد أن تمرد عليهم .
حزيران 1950:
التدخل العسكري الاميركي في كوريا .
آذار 1952:
انقلاب في كوبا ، بقيادة الجنرال باتيستا ، بدعم مباشر من الولايات المتحدة .
آب 1953:
انقلاب ضد حكومة مصدق الوطنية في إيران ، نفذته وكالة المخابرات المركزية الاميركية .
حزيران 1954:
انقلاب عسكري في غواتيمالا ، دبرته المخابرات المركزية الاميركية.
تموز 1958:
الأسطول السادس الاميركي يفرض هيمنته على لبنان تأييدا لحكومة كميل شمعون العميلة .
نيسان 1961:
انقلاب فاشل و هزيمة منكرة في معركة خليج الخنازير في كوبا ، دبرته الولايات المتحدة للإطاحة بالقائد فيدل كاسترو .
شباط 1963 :
إنقلاب دموي في العراق ، أطاح بالزعيم الوطني عبد الكريم قاسم بدعم من الولايات المتحدة .
1964:
الحرب الاميركية ضد لاوس ، إستخدمت الولايات المتحدة خلالها السلاح الكيماوي بكثافة .
يوليو 1964:
الحرب الاميركية ضد فيتنام شنت الولايات المتحدة في بدايتها 64 غارة جوية على 4 قواعد بحرية فيتنامية.
نيسان 1965 :
التدخل العسكري الاميركي في الدومينكان .
1968 :
انقلاب سوهارتو على الرئيس سوكارنو في اندونيسيا ، بتدبير ودعم مباشر من الولايات المتحدة. عدد الضحايا: مليون شخص .
نيسان 1970:
العدوان على كمبوديا بمشاركة 32 ألف جندي اميركي .
أيلول 1973:
انقلاب دموي في تشيلي بقيادة الجنرال بينوشيت بدعم اميركي مباشر ، قتل فيه الرئيس سلفادور اليندي و 40-50 ألف من الشيوعيين و أليساريين و اعتقل حوالي 100 ألف, اختفا أثر الألاف منهم .
تشرين 1973:
الجسر الجوي الى إسرائيل من 13 تشرين الأول حتى 14 تشرين الثاني 1973 ، لتعويض الجيش الإسرائيلى عن خسائره فى حرب تشرين .
1975:
إعداد خطة في الكونغرس الاميركي لاحتلال آبار النفط في منطقة الخليج الفارسي .
تشرين الأول 1977:
أعلان وزير الطاقة الاميركي "ربما سيتعين على الولايات المتحدة اللجوء يوماً ما إلى حماية مصادر البترول في منطقة الشرق الأوسط ."
كانون الثاني 1979:
طلب إعداد دراسة شاملة حول الحركات الإسلامية في العالم من قبل وكالة المخابرات المركزية الاميركية .
آب 1979:
تصريح بريجنسكي حول تشكيل قوة التدخل السريع ، لحماية مصالحها وحلفائها في المناطق التي تنشب فيها الاضطرابات. و في شهر كانون الأول 1979 تجمعت في بحر عمان أضخم قوة بحرية اميركية منذ الحرب العالمية الثانية.
نيسان 1980:
قيام القوات الاميركية الخاصة بعملية فاشلة لتحرير الرهائن الاميركيين في السفارة الاميركية في طهران .
آب 1981:
أسقاط طائرتي حراسة ليبيتين فوق خليج سرت بواسطة طائرات الأسطول السادس الاميركي .
آذار 1986:
تدمير سفينتين وإغراق سفينة حراسة ليبية وقصف قاعدة صواريخ قرب مدينة سرت .
تموز 1982:
اقتراب الأسطول السادس الاميركية إلى مسافة اقل من 50 كيلو متر من السواحل اللبنانية ، لإسناد القوات الصهيونية الغازية للبنان في 5 حزيران 1982 .
تشرين الأول 1983:
الهجوم على غرينادا إحدى اصغر دول العالم, بحجة تعرض الطلاب الاميركيين للخطر .
نيسان 1987:
أعلان مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي أن القوات الاميركية في هندوراس ستبقى هناك إلى اجل غير مسمى .
آذار 1988:
أرسال أكثر من ثلاثة آلاف جندي اميركي إلى هندوراس بحجة تعرضها لغزو من قبل نيكاراجوا.
آذار 1988:
أرسال 50 ألف جندي من قوات البحرية بحجة حماية المؤسسات والمصالح الاميركية في بنما.
1991 :
الحرب على العراق بحجة تحرير الكويت .
1992:
التدخل في الصومال والهزيمة في 1994 .
1998:
العدوان على السودان بحجة وجود برنامج انتاج اسحلة كيماوية في السودان و خطر إمكانية وقوع هذه الاسلحة في أيدي القاعدة.
2001:
إعلان جورج بوش "الحرب الصليبية". وقد اعتبر هذا الاعلان "زلة لسان" فسميت لاحقا بالحرب على الأرهاب.
2003:
الحرب القذرة على العراق و احتلاله ( أكثر من مليون قتيل , 3 ملايين يتيم, 1.5 أرملة و 3-5 ملايين مهجر ) .
فهل يؤمن باراك أوباما حقا ، بعد هذا التاريخ الدموي,الحافل بالمؤامرات والاحتلالات ، بإمكانية احتلال الولايات المتحدة هذه المرة لمكانة "القدوة" في العالم الاسلامي ؟. لا شك أن الأحمق والمغفل و "أصدقاء اميركا" وحدهم من سيصدق بذلك . أما الذين ساروا مع المخلصين لشعوبهم و أطانهم و عرفوا دجل و خداع و كذب و نفاق و عدوانية الامبريالية الاميركية ، فلا يسعهم إلا السخرية من الدور الجديد للذئب ؛ الذي لبس جلود النعاج الوديعة ، ظنا بأن هنالك من سيصدق أنه أصبح وديعا ..
بقلم: د. وسام جواد العالم الاخباري
هل يعقل أن تكون اميركا "قدوة" للعالم الاسلامي!؟ (2)