التمثيل التاسع و الاَربعون : لقمان الحکيم
( مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَير آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذّةٍ لِلشّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصفىً وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِوَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمعاءَهُمْ ). (1)
تفسير الآية
"آسن" يقال ، أسن الماء، يأسن : إذا تغير ريحه تغيراً منكراً، و ماء غير آسن: أي غير نتن.
"الحميم" : الماء الشديد الحرارة.
قوله: "مثل الجنة" ، أي وصفها و حالها، و هو مبتدأ خبره محذوف، أي جنة فيها أنهار. فلو أردنا ، أن نجعل الآية من آيات التمثيل ، فلابدّ من تصور مشبه ، و هو الجنة الموعودة، و مشبه به ، و هو جنة الدنيا بما لها من الخصوصيات.
ولكن الظاهر ، انّ الآية صيغت لبيان حال الجنة ، و وصفها و سماتها، و هي كالتالي :
1. فيها أنهار أربعة ، و هي عبارة عن:
أ: ( أنهار من ماء غير آسن ) ، أي الماء الذي لا يتغير طعمه و رائحته ولونه لطول البقاء.
ب: ( أنهار من لبن لم يتغير طعمه )، و لا يعتريها الفساد بمرور الزمان.
ج: ( أنهار من خمر لذة للشاربين ) ، فتقييد الخمر بكونه لذة للشاربين احتراز عن خمر الدنيا ،و قد وصف القرآن الكريم خمر الجنة في آية أُخرى، و قال: ( يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأسٍ مِنْ مَعِين * بَيضاءَ لَذّةٍ للشّارِبينَ * لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُون ). (2)فقوله: ( لذّة للشاربين ) أي ليس فيها ما يعتري خمر الدنيا من المرارة والكراهة، فقوله: ( لا فيها غول )، أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها،وقوله: ( ولا هم عنها ينزفون ) أي يسكرون. وبذلك يمتاز خمر الآخرة على خمر الدنيا.
د: أنهار من عسل مصفّى وخالص من الشمع.
وهذه الاَنهار الاَربعة لكلّ غايته و غرضه: فالماء للارتواء، و الثاني للتغذّي، والثالث لبعث النشاط والروح، والرابع لاِيجاد القوة في الاِنسان.
2. وفيها وراء ذلك من كلّ الثمرات، كما قال سبحانه: ( وَلَهُمْ فيها مِنْ كُلّ الثَّمرات ) فالفواكه المتنوعة تحت متناول أيديهم لا عين رأتها و لا أُذن سمعتها ولا خطرت على قلب بشر.
3. وفيها وراء هذه النعم المادية، نعمة معنوية يشير إليها بقوله: ( وَمَغْفِرة مِنْ رَبّهِم ).
و بذلك تبيّن لنا وصف الجنة، و حال المتقين فيها، بقي الكلام في تبيين حال أهل الجحيم و مكانهم، فأشار إليه بقوله:
( كمن هُوَ خالِدٌ في النّار ) ، هذا وصف أهل الجحيم، و أمّا ما يرزقون فهو عبارة عن الماء الحميم ، لا يشربونه باختيارهم ، و إنّما يسقون، و لذلك يقول سبحانه : ( و سقوا ماءً حميماً) ،الذي يقطّع أمعاءهم كما قال: ( فقطّع أمعاءهم ).
و على كلّ تقدير، فلو قلنا : إنّ الآية تهدف إلى تشبيه جنة الآخرة بجنة الدنيا ، التي فيها كذا وكذا ، فهو من قبيل التمثيل، وإلاّ فالآية صيغت لبيان وصف جنة الآخرة ، و انّ فيها أنهاراً و ثماراً و مغفرة.
و الظاهر هو الثاني، فالاَولى عدم عدّ هذه الآية من الاَمثال القرآنية وإنّما ذكرناها تبعاً للآخرين.
----------------------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ محمد:15.
2- الصافات:45ـ 47.
التمثيل الثامن والاَربعون : لقمان الحکيم التمثيل السابع والاَربعون :لقمان الحکيم
التمثيل السادس والاَربعون : لقمان الحکيم
التمثيل الخامس والاَربعون :لقمان الحکيم
التمثيل الرابع و الاَربعون :لقمان الحکيم
التمثيل الثالث والاَربعون : لقمان الحکيم
التمثيل الثاني والاَربعون :لقمان الحکيم
التمثيل الواحد و الاَربعون : لقمان الحکيم
التمثيل الاَربعون :لقمان الحکيم
التمثيل التاسع والثلاثون :لقمان الحکيم