الحكم الشرعي للدعوة الإسلامية
من طبيعة الإنسان ـ كل إنسان- إنه إذا اعتقد عقيدة معينة وصل إليها بعقله أو تذوقها وأدركها بوجدانه من طبيعته أن يدعو إلى هذه العقيدة فيبني محاسنها ويدرأ عنها ما يعيبها. وهذه طبيعة جُبل عليها الإنسان.
وينطبق هذا على الجماعات. فكل جماعة بنهج حياتي اختارته لنفسها سواء عن طريق الثورات أو عن طريق الإهتداء الذاتي، فإنها تقوم بالدعوة إلى نهجها وعقيدتها فيه فغريزة حب البقاء ليست محصورة في البقاء الجسدي أو المادي، بل تتعداه إلى البقاء المعنوي الذي يتمثل في العقيدة والفكر.
والمنشأ النفس للدعوة يعود إلى النفور والخوف من الوحدة والانعزال، وانفطار الإنسان على غريزة حب الانتماء، لأن الإنسان كما هو معروف خلق بطبعه مدنياً أي أنه خلق اجتماعياً.
فيندفع بغريزة الخوف من الوحدة والعزلة الاجتماعية إلى دعوة غيره إلى ما يؤمن به ويعتقده ليجد فيمن يتبعه وينتمي إليه أنساً وأماناً اجتماعياً.
وهناك عامل نفسي آخر يدفع الإنسان إلى الدعوة وهو عامل الحب الذي يولد الخوف على المحبوب.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى هذا العامل النفسي في الدعوة. في قوله تعالى في قصة نوح (ع) :( وهي تجري بهم في موج كالجبال. ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء واستوت على الجودي وقيل بُعداً لـــلقوم الظالمين ونادى نــــوح ربه فقــــــال رب إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق وأنت أحم الحاكمين)(1).
هذه الآيات من قصة نوح (ع) تبين الدافع في دعوة نوح لابنه فإن حبه لابنه الذي هو من أهله وبضعة منه دفعه إلى دعوته بأسلوب يشوبه الخوف عليه من غضب الله في الدنيا بالغرق والآخرة بالنار.
والخوف المتولد من الحب يظهر بجلاء في الألفاظ والأسلوب ( يا بني اركب معنا) ونداءه بالبنوّة لتذكيره بالعلاقة الروحية بينهما. وقوله ( رب إن ابن من أهلي) أسلوب رجاء واستعطاف يؤكد دافع الحب للخوف على ابنه.
وفي سورة الأحقاف مورد آخر لا يقل في ظهور دافع الحب في الدعوة عن هذا المورد.
( والذي قال لوالديه أُفٍ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن، إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين)(2).
فإن استغاثة الوالدين بالله ليعينهما في دعوة ابنهما العاق إلى الإيمان وقولهم ( ويلك آمن) أسلوب تغمره المشاعر بالحب لولدهما والخوف عليه من الهلكة وغضب الله.
والدعوة إلى الإسلام لا تختلف عن هذه الفطرة والمشاعر فهي تنطلق من منطلقة ومبنية على نفس القاعدة، إلا أنها تزيد عليه في سمو الهدف وطهارة الوسيلة، فالإسلام هدفه السمو الروحي للإنسان والرقي الفكري للفرد والمجتمع، والدعوة إلى الإسلام تعني الدعوة إلى تلك المثل والمعاني السامية.
والفطرة وغريزة الفرد المسلم تدعوه للدعوة إلى ما يعتقد به، علاوة على ذلك العقيدة التي رسخها في النفوس أتباعه بقول النبي (ص):«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
فالعقل والنفس الروح توجب على المسلمين دعوة غيرهم إلى الإسلام ودعوة بعضهم إلى التمسك به والالتزام بتعاليمه بدافع الحب للآخرين والخوف من الضعف والعزلة ورجاءً في الثواب من الله سبحانه وتعالى ورغبة في إسعاد البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور
الهوامش:
(1) سورة هود: 42- 45.
(2) سورة الأحقاف: 17.
معنى التبليغ
حكم التبليغ
الفرق بين الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأدلة النقلية على وجوب الدعوة