حقيقة الخلق في القرآن
إن الآيات المتعلقة بخلق سيدنا آدم عليه السلام مثلما تتناول هذه المسألة من ناحية القدر، تتناولها أيضاً من ناحية مراحل الخلق مرحلة فمرحلة. كما يتناول القرآن -كما ذكرنا من قبل- المراحل التي يمر فيها الجنين في رحم أمّه. أي أن القرآن الكريم يتناول المراحل التي يمر منها جنين كل إنسان -بعد آدم عليه السلام- بعد قيام نطفة الذكر بتلقيح بويضة الأنثى حتى وصوله إلى إنسان كامل وسوي. وهو يتناول أحياناً منشأ الإنسان الأوّل وخلقه بجانب شرح مراحل تطور الجنين، ويتناولهما أحياناً بالشرح كلاً على حدة. فعلى المستوى المادي كان التراب مادة الخلق الأولي في المرحلة الأولى للإنسان الأوّل وللناس الذين جاءوا من بعده، ثم من طين رخو ملتصق، ثم من سلالة مصفاة من هذا الطين (سلالة من طين) ثم من حمأ مسنون، أي من طين أسود مهيأ للتفسخ ليتحول إلى الهيكل الإنساني، والذي رُسم له طريق وهدف معين، ثم من طين مفخور يرن, أي من صلصال:
هذه المواد تومئ إلى المراحل التي تشكل فيها الإنسان. والمراحل التي يعيشها الجنين في رحم أمّه مشابهة لهذه المراحل. ولا يهم إن كان عدد هذه المراحل أربع أم ست مراحل، لأن من الممكن إرجاع بعض هذه المراحل لبعض. ولكن المهم هنا أن هذا الحساء الترابي بمواده الأوّلية شكل أساس خلق الإنسان مرحلة فمرحلة. ولا شك أن لعنصر الماء دوراً كبيراً في تحويل التراب إلى حساء للمعادن أو إلى حساء بروتيني. ويوضح القرآن هذا الحساء في قوله: ?وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ? (المؤمنون:12). وتشير الآية: ?وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ? (الأنبياء: 30) إلى أهمية الماء. والظاهر أن اتحاد الماء مع التراب يشكل مرحلة أخرى مختلفة.
ثم تأتي بعد هذا مرحلة التشكيل وإعطاء صورة خاصة للإنسان، حيث تشير الآية : ?وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ? (الحجر: 26) إلى هذا الأمر. ثم تأتي مرتبة "التسوية"، أي وضعه في توازن تام بكامل هيأته: ?فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ? (الحجر: 29).
وبهذه المرحلة الأخيرة ظهر في الكون موجود ومخلوق جديد يملك مع مادته معناه وروحه بشكل متداخل ومتمازج... مخلوق جديد يملك مع بدنه المتناسق الكامل عمقاً روحياً. وحتى وصول الإنسان إلى هذا المستوى مر من المراحل التالية (مهما كانت حقيقة المعاني الحقيقية لهذه الكلمات ومحتواها): تراب فطين، فسلالة من طين، فطين لازب، فحمأ مسنون، فصلصال، ثم شرّفه الله تعالى بأن نفخ فيه من روحه وجعله خليفة وكرّمه وجعله من أشرف المخلوقات. ودامت هذه المراحل حول هذه الخصائص الإنسانية عند الذين جاءوا من بعد الإنسان الأول. ويمكن تأمل ومشاهدة التداعي الموجود بين المبدأ والحالة المستمرة بكل متعة.
إن المغامرة الإنسانية لبني آدم في المجيء إلى الأرض وتشريفهم لها، والتي بدأت بخلق إعجازي لسيدنا آدم وأمّنا حواء (عليهما السلام)، أصبحت تبدو وكأنها أمر من الأمور العادية، وذلك لكي يكون هناك حجاب وستار للأفعال وللشؤون الالهية، وستستمر هكذا.
والغاية الأصلية من استمرار الحياة في الأرض -التي خلقها الله تعالى والتي يرغب الإنسان في استمرارها ويدعو لذلك- هي معرفة الله جل جلاله والعبودية له.
فالله تعالى هو الذي وهب له الإرادة والشعور والعقل والقلب وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وتجلت إرادته في جعل آدم محراباً. لذا كان على هذا الإنسان أن يعلم -تجاه هذه المشيئة الإلهية- أن عليه القيام بوظيفة معرفة خالقه وتعريفه للآخرين، وحبّه وتحبيبه، لكي يوفي بجزء من الشكر الواجب عليه حيال من جعله في أحسن تقويم.
الآيات المتعلقة بالخلق في القرآن
هل نحن وحدنا في الكون؟
العلم الحديث ونشاة الكون
الخلايا الحية آية على وجود الله
نشوء الكون .. حقائق ما وراء العلم البشري
اصل الکون..حقائق واسرار