• عدد المراجعات :
  • 1572
  • 2/8/2009
  • تاريخ :

ليس في البكاء على الحسين(عليه السلام) بدعة
کربلاء

 

جبل الإنسان على المحبة والعاطفة، وقد شوهد النبي صلى الله عليه وآله،  يبكي كلما يرق قلبه لحال يعرض له ولم يرى ارفق منه وارق منه،  وبكى يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، وامتدح الله البكائيين الأواهين من الأنبياء والصالحين، وان الذي لا يملك العاطفة اتجاه من يحب، تتجلى بدمعة يسكبها في مظلوميته او في عاديات الدهر عليه او لتواتر الأحزان عليه، انما هو جلف  صلف قد قلبه من صخر، كما يصفه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ، لأنه في الحقيقة  فاقد لمقوم أساس من مقومات إنسانيته، فهو منحرف عن الفطرة السليمة التي هي أساس الدين، بل هل هي الدين ذاته.. يقول الله تعالى:

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون)[1] .

ان الحسين عليه السلام بالنسبة لدين الفطرة؛ الإسلام، هو بالإجماع: سبط الرسول صلى الله عليه وآله، وريحانته، وحبيبه، وسيد شباب أهل الجنة في المسلمين والمطهر من الرجس بنص الكتاب، والمطلوب مودته بنص القران، وخامس أصحاب الكساء، والإمام المفترض الطاعة بنص الكتاب[2] أيضا وهو من الآل الذين لا تصح الصلاة الا بالصلاة عليهم… وكثير مما لا يحصى وهو من المسلمات عند جمهور المسلمين في فضل الحسين وتميزه بالمحبة.

فكيف نجد إنسانا يحب الحسين عليه السلام وهو بهذه الميزات، وتفيض عينه بحب الحسين عليه السلام، طاعة لله وللرسول، وحسب وصايا الرسول والكتاب الحكيم ونقول عنه انه مبدع، وان عمله لا يرضي الله ورسوله!!

انه منتهى الجهل، بل هي نعرة إبليس وغواية الشيطان، باتهام الإنسان بما حباه الله تعالى من فضل، فلعنة الله على إبليس والشياطين وحزبهم.

والأقرب من هذا ان هذا النوع من الحرص على الدين، هو البدعة، ، وتحت عنوان هذا الحرص ، يمارس كل البدع التي حذر منها الرسول الأعظم دون ان يرعوي، وهو يعلم ان الرسول صلى الله عليه وآله، حذر منها، بل ليخدع نفسه صنفها من البدع المقبولة، وهذا من البلية الشر التي تضحك!

والأغرب الغريب من كل هذا ان الذي يرى في البكاء على الحسين عليه السلام، من محبي الحسين عليه السلام بدعة، قد يساوي بين الحسين عليه السلام والذي لعنه الله ورسوله، ويترضى عليهم!!

 وفي ذلك معيار لصحة الاعتقاد لا يعدمه أولي الألباب، لكن الذين في قلوبهم زيغ، يرون أن الله يأمر بطاعة الظالمين إذا كانوا أمراء!أو متسلطين من خلال دست الحكم!

فقوله تعالى:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).

هو من المحكم؛ فالله جل شأنه وتعالى اسمه، معروف ليس نكرة، والرسول(ص) كذلك مشخّص ومعروف وليس نكرة أيضا، فهل ضمن هذا السياق، يصح أن يكون أولو الأمر نكرات مجهولين؟؟

إن الله تعالى لا يأمر بطاعة مجهولين نكرات؛ ولا يجعل طاعة مجهولين نكرات، قرينة لطاعته جل وعلا، لأنه سبحانه لا يأمر بالفحشاء، وقد كتب على نفسه الرحمة، ولا يكون سبحانه سبباً في ظلم أحد، فلا يظلم ربك أحداً، فهو سبحانه يأمر بالقسط.

الامام حسين عليه السلام

قال تعالى:

(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)

وقال تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

وقال تعالى:

(إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)

ولو أن أحداً يقول بطاعة أولي الأمر على كل حال؛ أي لابد من وجوب طاعة البر والفاجر! فإنما هذا أفّاك ومفتري على الله جل شأنه، بل وينسب القبح إليه وهو المحسن المطلق، ولا شك أن هذا القائل منحرف في عقيدته، لأنه يقول بخلاف النصوص التي تؤكد الصفات الحسنى لله تعالى، والتي لا يختلف فيها مؤمنان، وقوله هذا لا يعدو أن يكون؛ ترويجاً لنهج الوضّاعين الكذابين على الله ورسوله (ص(.

ولو تأول البعض الأمر بطاعة أولي الأمر مهما كانوا وبما كانوا وعلى ما كانوا، من غير المعصومين؛ فإنها ردة في الدين وانحراف عن الفطرة، ومخالفة للنصوص الربانية، ومجانبة للعقل، وطعن في الدين...

كيف؟

فهي ردة في الدين؛ لتعارض طاعة الظالم الخطاء المطيع لهواه، مع العدل في حكمه وملكه جل وعلا، فكيف يقرن الحكيم طاعته بطاعة الضال الطاغي، ويشترطها بدءً لقبوله؟!

إن القول بطاعة الحكام؛ انقلاب على المعنى الجوهري للدين. فالدين له مهمة كبرى وأساسية؛ هي تحقيق العدل الإلهي على الأرض، بتحريم الظلم أيا كان مصدره.

وهي انحراف عن الفطرة؛ لأن الفطرة الإنسانية تنفر من القبح ومن كل ظلم، فكيف تقبل بطاعة الظالم وتواليه وتطيع له الأمر؟!.

وهي مخالفة للنصوص؛ في معنى الدين ذاته؛ فكيف ينسجم أمر الله تعالى بالعدل والإحسان، والقسط، وعدم الركون إلى الظالمين كما في قوله تعالى:

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ).

 فكيف ينسجم هذا الأمر، مع إمكان قبول تحكيم الظالم وغير العادل؟!.

وهي مجانبة للعقل؛ فإنما يعرف العقل بإصابته للحق وإقامته للعدل، ويعرف الحمق بالخطل والقبح، وإتيان الباطل، فكيف يطلب الحكيم المطلق - جل وعلا- والحكم العدل، من عبادهِ إطاعة الضال الظالم؟!.

وهو طعن بالدين؛ لأنه يدخل في الدين ما ليس فيه، وما ليس منه. بل يدخل ما ينافيه، لذا فهو قطعا؛ اعتقاد روّج له بأمر من الطغاة من الحكام الظالمين لبقاء حكمهم.

إن أولي الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم واشترطها بدءً لطاعته جل وعلا؛ هم المعصومون العدول، الذين لا يأتي منهم القبيح، أو الذين التزموا العواصم التي أمر الرسول (ص) بالتزامها وهما الكتاب والعترة المعصومة، وهم أعلام الإسلام؛ أهل الذكر، والراسخون في العلم، أمناء الرحمن، وسلالة النبيين وموضع الرسالة: الذين أمر الله تعالى بمودتهم، فقال:

(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور).

وأذهب عنهم الرجس بإرادته وطهرهم تطهيرا؛ حيث قال سبحانه وتعالى:

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

ولذا فإن القول بطاعة الفاجر، وجعلها قرينة لطاعة الله تعالى، يلغي الحكمة التي تترتب أصلا من أمر الله تعالى جملة وتفصيلا، وتجعل الدين ككورة دبابير بدل أن يكون كخلية نحل.

فأولي الأمر في الآية المحكمة هم؛ قطعاً معنى لوجود المعصوم الذي لا تخلو الأرض منه في زمانها ومكانها، المختار من قبل الله تعالى المنصوص عليه والدال إليه، فهو النذير وهو الهادي وهو الحجة البشرية لله على البشر.

قال الله تعالى:

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً).

 والمعصوم؛ هو الخليفة الذي صرح به الله تعالى في خطابه لداود عليه السلام:

(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)

 

الهوامش:

[1] ) الروم- 30.

[2] ) وفي القرآن الكريم، حيث يأمر الله تعالى بطاعة أولي الأمر، ويقرن طاعتهم بطاعته، فإنه- جل وعلا- يقصد بهم، المعصومين دون غيرهم.


فضل البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام )

بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أبيه الحسين ( عليه السلام )

البكاء على الحسين حرب على الطغاة

البكاء على الحسين(عليه السلام) وسيلة للتوحيد الخالص

البكاء على الحسين(عليه السلام) محض توحيد لله تعالى

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)