الحوار والمرونة والثنائية
الرسالة الاسلامية كانت من ضمن السلسلة المتعاقبة على بنو الانسان، رسائل ربانية غطت مراحلها الضرورية الى ان وصلت شأواً يمكن لبنو البشر ان يعو خواتمها كرسالة بلغت شأنها واكتمل فيها النسغ الفكري والتربوي فجاء الاسلام خاتما للاديان.
وكل تلك الاديان لم تكن تهدف لوجه محدد من العالم بل انها رسائل لكل بني الانسان وان كانت وليدة منطقة محددة الا ان المنطقة بذاتها لا تملك الامتياز الا بواسطة الايمان نفسه الذي يعد القياس الاول والاخير.
فلا يمتاز عربي على اعجمي الا بالتقوى، والتقوى ليس في شئ ان لم تكن سلوكا وعملا صالحا يتعاطاه المرء بين الناس.
ووراء هذا الكلام فان الرسالة الاسلامية التي هي امتداد للرسائل الربانية ورسالة عالمية وسيلتها الحوار والمرونة ومنبعها الصدق والمحبة، والا يحرم احدا من البشر من نور الاسلام.
وطالما يكون هذا هو الشعور هو المحرض للفعل إضافة الى كونه واجبا شرعيا من ضمن واجبات المسلم الحق فاننا قبل ذلك يجب ان نفهم انفسنا ايضا وماهي المعايير التي نستند عليها في الحوار مع الآخر المختلف؟.
الإمام الشيرازي (قده) يعول على الحوار، ويحض على نظرية اللاعنف كوسيلة هي من ذات المفهوم الاسلامي، وهو لا يشذ بذلك عن العلماء الآخرين ممن ينطقون بالاصالة الاسلامية وحقيقة روحها استنادا للقرآن والسنة المطهرة ومن سار بهديها والراسخون بعلمها، فان اصل الاسلام هو السلم وان الغلضة والعنف والقسوة والارهاب ليس من الروح الاسلامية في الأحوال العادية، فكيف لو كان الامر يتعلق بالآخر الذي نرغب ان يشرب معنا من النبع النوري والزلال الرباني وان يتمتع بالنور والمعرفة وحب الانسان لاخيه الانسان؟.
فما هي المعرفيات التي تبرز امامنا ونحن نحاول المسعى الخير في هداية الآخر؟.
لعل الثنائية هي من الأمور المباشرة التي تواجه المسلمين رغم انها ثنائية لا اساس لها في الاصالة الاسلامية وهي كانت نتاج ظروف سياسية واجتماعية وخصوصا في علاقة الدولة في العهد العباسي الرابع بما يحيطها من قوى دولية وحاجتها الى تعبئة الراي لكي تكون في مستوى المواجهة فان تحديد العالم بمعسكرين دار الاسلام ودار الكفر او بما يعرف بدار الحرب لا نجد لها ما يدعمها في الفكر الاسلامي الاصيل رغم اننا نجدها في الفكر الاسلامي المعاصر كحصيلة فكرية من كتابة الظروف وليس من كتابة واقع الفكر الحقيقي للاسلام كرسالة وكسنّة.
هذه المتعارضة غير المرنة وغير الواقعية في الفكر المعاصر الاسلامي والتي كانت ميراث لظروف غير طبيعية او لنقل لظروف خاصة احاقت بالدولة العباسية وهذا الميراث تم تداوله في ظل الدول الحاملة للعنوان الاسلامي فيما بعد تلك المرحلة، إضافة الى تجدد ظروف الصراع والتخندق المستمر لسلطات كلا الطرفين كمعسكر غربي يقاد من قبل السلاطين وكمعسكر اسلامي ايضا يقاد من قبل سلاطين، ورغم انها في الاغلب معارك للملك والسيطرة وتزاحم سلاطين، الا انها دائما في عباءة الدين الاسلامي او المسيحي وهو المسوغ الممتد للقوى السلطوية وتماهيها مع الدين، ولكي تجعل من حروبها حروبا مقدسة ظلت في تعبئتها في معيار المعسكرين لدفع المزيد من المسافة الفاصلة في حقيقة الامر بالنسبة لنشر الرسالة الربانية وابلاغها حيث حل الكسب السلطوي كخارطة جغرافية او نصر جيش محل هذا النشر رغم انه يمثل الهدف النهائي وطويل المدى ليعم الناس اينما كانوا.
وهنا يكون الحوار بلا معنى وهو وان كان افتراضيا فانه حوار الطرف الواحد المتصلب والحدي وذا الحكم المسبق، فليست هناك مرونة ولا حوار ولا مداراة كل هذا تحت ظل الثنائية التي تقسم العالم الى معسكرين هذا في المربع الاسلامي، اما في المربع السلطوي الغربي فان الاستعمار والهيمنة وتقسيم العالم الى الشمال والجنوب في اطار مفاهيم العولمة هو بالواقع خلق نفس الستراتيجية التي يدعو لها الشرقي الاسلامي ويعتمد نفس مكاسبها على حساب المسيحية هناك وعلى حساب الاسلامية هنا، وهو الامر المؤدي الى تحطيم الجسور وخلق كراهية وبغض وتنافر بحيث يلغي جسور التواصل الانساني بين اطراف بشرية مدعوة شرعا الى التعاون والتشارك والسلوك بما يرضي الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا الوفق فان التازم في العلاقة بين الاطراف يؤدي الى اختلال الموازين.
كذلك انتقاص الآخر واصطناع الخصومة والعداوة احد مظاهرها المعبرة عن آلية دفاعية تحركها المخاوف والاوهام كما ان الشعور المتضخم بمركزية الذات من شأنهان يثير نزعة الاستعلاء ويغدو الآخر في ظلها مهمشا لا معنى له.
والاسلام في محصلته النهائية هو رسالة مجالها العالم وهو خطاب اتصالي رسالي تمارسه الجماعات والافراد والدول على مر العصور وهو سلوك فطري ايضا وحاجة حيوية تقتضيها ضرورات العيش والوجود فضلا عن كون الاتصال اسلوبا يمكن من خلاله ترجمة روحية التعاطف وابداء الرغبة بالتعاون مع الآخرين.
والاتصال الخارجي الاسلامي يعبر عن رسالة وضرورة تنطوي على عدد من الوظائف اهمها الوظيفة الدعوية والانقاذية والتعاونية والحضارية.
وهنا يكون الميدان فارغا فقط للمرونة ان تلعب الدور الفعال في الحوار المرن مع الآخر فليس العالم منقسم الى عالمين كما يرغب به السلاطين وليس العالم يتبادل العداء والضغينة والكراهية وانما هم جميعا خلق الله سبحانه وتعالى لا فضل لبعضهم على بعضهم الا بالتقوى والسلوك الحسن ومنفعة الناس وتاج كل هذه الافعال هي محبة الله وعبادته.
فالناس كما يقول حكيم الاسلام الإمام علي عليه السلام: اما ان يكون اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق.
واذا كان لا بد من ان نعترف بهذه الثنائية فان العالم منقسم الى اخيار وثلة اشرار يمتلكون القوة والهيمنة للتلاعب بمصير العباد واشاعة الظلم كيفما كانت جنسياتهم ولون وجوههم والسنتهم.
.......................................................
المصدر:نظرية اللاعنف للإمام الشيرازي
المرونة في الاتصال بالآخرين
الخطاب الديني عبر الأثيـــر
تعلّم فن المحادثة
اعرف شخصية من تتعامل معهم