علم البحار والبرزخ .. بين البحر العذب والمالح
قال الله تعالى: (وهو الذي مَرَجَ البحرين هذا عذبٌ وهذا مِلحٌ أُجاجٌ وجعل بينهما برزخاً وحِجراً مَحجوراً) ، (الفرقان/ 53).
مرج البحرين .. فسّرها ابن عباس، فقال: خلع أحدهما على الآخر .. على اعتبار أن مرج من معانيها خلع وخلط .. وقد ذهب إلى هذا المعنى جمهور من المفسرين منهم القرطبي والآلوسي والشوكاني.
(مَرَجَ البحرين يلتقيان) ،( الرحمن/ 19): أي يلتقي بعضهما مع بعض ويختلطان.
وقد تأتي مرج بمعنى: مجيء وذهاب واضطراب وقلق .. ومنها مرج الخاتم في الاصبع.
(هذا عذبٌ فُراتٌ وهذا مِلحٌ أُجاجٌ)، البحر العذب الفرات: يقصد به النهر .. وعذب فرات تعني شديد العذوبة .. والبحر الملح الأجاج: يقصد به البحر .. وملح أجاج تعني شديد الملوحة ..
وقال بعض المفسرين: المعنى أنه أرسلهما في مجاريهما فلا يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب ولا العذب بالملح .. بدليل أن الله تعالى قال في عقبها: (وجعل بينهما برزخاً) .. والبرزخ: هو الحاجز من الأرض .. فلا يمكن أن يكون المقصود من مرج عملية الاختلاط والتقاء الماء الملح بالماء العذب ..
ومثل هذا التأويل لا يمكن أن يكون دقيقاً لأننا نرى مياه الأنهار تصب وتختلط بالبحار والمحيطات، كما أننا نرى اختلاط مياه البحار والمحيطات .. وعلى هذا يكون معنى: الخلط هو الأدق والذي تطمئن إليه النفس في ضوء ما نشاهده من علاقة الأنهار والبحار والمحيطات.
ويأتي علم البحار ليؤكد حقيقة مهمة وهي أنه ينجم عن التقاء الماء العذب والماء المالح تكون منطقة فاصلة تختلف خصائصها وأبعادها تبعاً لمد البحر وجزره وفيضان النهر وجفافه .. وفي هذه المنطقة تزداد الملوحة كلما اقتربنا من البحر وتزداد درجة العذوبة كلما دلفنا إلى النهر .. وهذه المنطقة يطلق عليها البرزخ، وهي تحيط بمنطقة المصب، ولها سماتها المميزة، حتى لو كان النهر يصب في البحر من مكان مرتفع في صورة شلال .. ولا يسمح هذا البرزخ بأن يطغى الماء العذب على الماء المالح، أو أن يطغى الماء المالح على العذب .. وقد تأكد العلماء من ذلك من خلال دراسة عينات المياه وتتبع درجات الملوحة والعذوبة وقياس درجات الحرارة ومقادير الكثافة، فضلاً عن دراسة الكائنات الحية التي تتواجد بمنطقة البرزخ.
وتأمل معي قوله تعالى: (وحِجراً مَحجوراً) وهي كلمة يقولها المتعوذ، وهي هنا على سبيل المجاز .. وكأن البحرين، أو البحر والنهر، كل منهما يقول لصاحبه: حجراً محجورا: أي لا يمكن أن يحدث بيننا امتزاج تام أو أن يفقد أحدنا هوية صاحبه.
وكلمة (حجر) و (الحجر) ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى:
(وقالوا هذه أنعامٌ وحرثٌ حِجرٌ لا يطعمها إلا مَن نشاء) ، (الأنعام/ 138).
(ولقد كذّب أصحاب الحِجرِ المرسلين) ، (الحجر/ 80).
(هل في ذلك قَسَمٌ لِذِي حِجرٍ) ، (الفجر/ 5).
على أن بعض علماء البحار يقولون في معنى حجراً محجوراً:
ان منطقة البرزخ منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في النهر والبحر، لأن هذه الكلمات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي ودرجة عذوبة أو ملوحة المياه.
ليس هذا فحسب ..
فالمتأمل لكتاب الله عزوجلّ سوف يتبين أنه سبحانه قد وضح في سورة الفرقان خصائص اللقاء بين الأنهار والبحار المالحة، وكيف أن منطقة البرزخ تعتبر منطقة حجر للكائنات الحية الخاصة بها، محجورة على الكائنات الحية الخاصة بالبحار والمحيطات .. أي أن البرزخ حجر على ما فيه، محجور على ما بخارجه .. والأمر مختلف تماماً عندما تلتقي البحار المالحة ببعضها، فعلى الرغم من وجود البرزخ، إلا أنه ليس حجراً على انتقال الكائنات الحية بين البحرين، لأن الاختلاف في درجة الملوحة لا يكون شديداً، وبالتالي لا يمنع انتقال الكائنات البحرية من بيئة إلى أخرى .. وتأمل معي قوله سبحانه: (مَرَجَ البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذِّبان * يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) ، (الرحمن/ 19-22)..
واللؤلؤ والمرجان يتكوّنان في المناطق البحرية النقية ولا يتكوّنان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحار .. من هنا جاءت آيات سورة الرّحمن بدون (الحجر المحجور).
مَن الذي أنبأ وأمد رسول الله بكل هذه المعلومات الدقيقة، وهو الذي لم يركب البحر في حياته!
مَن الذي علمه، وهو الذي عاش طيلة حياته في بيئة صحراوية، بلا نهر ولا مصب!
مَن الذي علمه، والعلم التجريبي لم يعرف البرزخ إلا منذ وقت قريب!
ثم هل كان رسول الله (ص) يمتلك أجهزة حساسة بامكانها قياس ملوحة وعذوبة المياه وكثافتها!
هل كان في حوزة رسول الله (ص) أقماراً اصطناعية تجوب الفضاء وتستشعر اليابسة والمياه، وترسم خرائط ملونة لتبيان نوعيات المياه!
في الحقيقة لا أمتلك إلا أن أقول: سبحان الله
ماء زمزم لا توجد به جرثومه واحده !!!
و ما تحت الثرى معجزة علمية
البحر المسجور
فلا اقسم بالشفق
و جعلنا سراجا وهاجا