المنهج في ولاية أهل البيت (ع)
على ضوء كتاب « الأربعون حديثاً» للإمام الخميني (قده)
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
في حديث عن الإمام الصادق (ع): «أمرنا صعبٌ مستصعب لا يتحمله إلا ملكٌ مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان» البحث عن الإمامة قد يكون من أصعب البحوث الكلامية، خاصةً إذا نظرنا إلى الإمامة من زاويتها التكوينية والوجودية والإيمانية، وبحث الإمامة عبر التاريخ أخذ نوعاً من التدرج والتطور، سواء من حيث البيان أو من حيث الإدراك، ولهذا نجد العلماء الذين تطرقوا إلى بحث الإمامة، اختلفوا في طرح حقيقة الإمامة، ولهذا وجد هناك مقامات أربعة للإمام في كلماتهم:
مقامات الإمام
المقام الأول هو المقام التشريعي: وهو أن الإمام يمتلك زمام التشريع بعد النبي الأعظم (ص) .
والمقام الثاني مقام الحاكمية والمقام السياسي: ويعني السلطة الحاكمية السياسية للإمام في الدولة الإسلامية.
المقام الثالث المقام الإرشادي: وهو الذي يعنى بشؤون الحياة:
أما المقام الرابع فهو المقام الوجودي للإمام: وهو مقام التجلي الذي يشكل الواسطة بين الله وعالم الإمكان، وفي هذا المقام الرابع، تنطوي عدة أمور:
منها الهداية التكوينية نحو الكمال ونحو الهدف الإلهي الذي جعله الله سبحانه وتعالى هدفاً لكل الكائنات، فالإمام بناءً على هذا المقام هو الذي يقود النفوس نحو لقاء الله سبحانه وتعالى بل إن هذا المقام لا ينحصر في عالم الدنيا بل هو مقام قبل الدنيا وبعدها، وبالنسبة لهذه المقامات الأربعة، نلاحظ أن الأبحاث الكلامية ، ما ركزت على المقامين الأولين ، ولهذا عُرِّفت الإمامة عند مشهور المتكلمين بأنها رياسة في الدين والدنيا، عند المحقق الطوسي وعند العلامة الحلي مثلاً:
وحتى المتأخرين ممن كتبوا في علم الكلام ساقوا الأدلة نحو إثبات هذين المقامين، ونجد أن أكثر الأدلة التي أقيمت حول إثبات الإمامة هي أدلة لإثبات المقام التشريعي.
أما المقام الثالث وهو ما يعبر عنه في كثير من الكلمات بعلم الإمام في الموضوعات فهذا المقام اختُلِفَ فيه ، فلم يكن هذا المقام مقام متسالم عليه بين جميع العلماء، حتى كثير من الفقهاء لا يجزمون بأن للإمام مقام العلم بالموضوعات.
أما المقام الرابع فلا يكاد يوجد في كلماتهم إلا عند قلة من العلماء ومنهم صاحب هذه الندوة عنيت به الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، و باعتبار أن البحث هو بحث في كتاب «الأربعون حديثاً» فلا بد أن نستفيد من قراءة هذا الكتاب حول موضوع ولاية أهل البيت (ع) لما يخص هذا الكتاب فقد دخل رضوان الله تعالى عليه على مقامات الأئمة (ع) في هذا الكتاب من بابها الوجودي، ليعطي للإمامة معنى تستغني به عن كل ما ذكر حول ماهيتها، سواء في المقام التشريعي، أو مقام الحاكمية أو حتى المقام الإرشادي، هذا المقام الرابع يمكن أن يحوي كل المقامات التي تقدمت عليه، هذا بالنسبة لمقامات الأئمة (ع) ومقامات الإمام في كلمات العلماء. أما الآلية التي استخدمها العلماء في البحث والوصول إلى هذه
المقامات فهي على أنحاء ثلاثة:
مناهج البحث في المقامات
المنهج الأول أو الآلية الأولى هي المنهج العقلي: وهو الذي اتبعه متكلموا الشيعة وفلاسفتهم الأقدمون تقريباً، حيث تركز المنهج عندهم في الأدلة العقلية لإثبات الإمامة.
المنهج الثاني، هو المنهج النقلي الذي تمسك به بعض متكلمين الشيعة والإخباريون من الشيعة، هذا اعتمدوا على روايات أهل البيت (ع) في إثبات الإمامة ومقامات الإمامة.
المنهج الثالث هو المنهج العرفاني الذي اعتمده عرفاء الشيعة وبعض فلاسفتهم المتأخرين منهم، طبعاً الإمام الخميني في كتاب «الأربعون حديثاً» يمزج بين هذه المناهج الثلاثة، إنه لا يركز على منهج واحد في بيان حقيقة الإمامة وحقيقة مقام أهل البيت (ع) حيث نجده في هذا الكتاب يدخل في البحث حول ولاية أهل البيت (ع) ، من خلال الروايات ولكن يدخل في الحديث كعارفٍ متسلحٍ بالعقل فهو لم يعتمد المنهج العرفاني الخالص ولم يترك العقل جانباً إنما تمسك بالعقل لإقامة الدليل والبرهان على الحقيقة التي عاشها وانكشفت إليه وأدركها ولكن من دون أن ينفصل أو ينسلخ عن ولاية أهل البيت (ع) وليس هذا من باب الإسقاطات العلمية على الروايات لأنه في كثير من الأحيان يحصل أن يسقط البعض المعاني في ذهنه على النص ولكن الإمام لا يعتمد فقط في بيان الحقيقة على المكاشفات كما هو المعتمد عند العرفاء بل هذه المكاشفة كان يحاول أن يصبغها بصبغة البرهان والدليل إما بأدلة عقلية وإما بأدلة نقلية، ولهذا نحن ألقينا نظرة على هذا الكتاب كما كنا نراه يختلف عن غيره من المؤلفات، لأنه في كثير من الأحيان نجد أن البحث يأخذ منهجاً واحداً فالعارف مثلاً يأخذ منهج العارف فقط، الفيلسوف مثلاً كمنهج عقلي يعتمد المنهج العقلي فقط بشكل تجريدي، والباحث النقلي مثلاً الذي يعتمد على الروايات نجده مثلاً يكثر النظر فقط على الأحاديث الشريفة ولكن الإمام في هذا الكتاب يمزج بين هذه المناهج الثلاثة، فمثلاً يقول عندما يتعرض للروايات التي تتحدث عن مقام الطاعة لله سبحانه وتعالى، باعتبار أن العرفاء عندما يدخلون إلى هذا المقام، فتشكل طاعة الله سبحانه وتعالى مقاماً وجودياً للإنسان وهدفاً مسلكياً يسير من خلالها الإنسان نحو لقاء الله سبحانه وتعالى، فطاعة الله إذاً في نظر العرفاء هي أسلوب للوصول إلى الكمال، فهنا يذكر الإمام الخميني مجموعة من الروايات التي تتحدث عن طاعة الله سبحانه وتعالى بنحوين:
النحو الأول: في بيان طاعة الأئمة (ع) ومقام الأئمة في مقام الطاعة، ينقل جملة من الأحاديث وجملة من الوقائع التي كان يعيشها الأئمة (ع) مع الله سبحانه وتعالى، في مقابل ذلك، نظرة الإنسان المتشيع لأهل البيت (ع) التي تحاول أن تجرد الإمام عن الطاعة، حيث كان يرتكز في أذهان بعض الناس أن مقام الإمام فوق مقام الطاعة، فهنا يركز الإمام الخميني على هذا المقام للأئمة (ع) فيعطي للإمام الطاعة كهدف ذاتي للإمام وكهدف تشريعي، هدف ذاتي باعتبار أن الإمام بذاته يسعى أن يكون من الطائعين، وهدف تشريعي باعتبار أن الإمام كقيم على هذه الأمة فيهدف تشريعاً إلى إيصال فكرة الطاعة إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الحثّ على طاعة الله من خلال الأوامر التشريعية التي يصدرها إلى شيعته.
هنا يوجد عندنا مجموعة من الأحاديث التي يرى الإمام بأنها تحمل التنافي فيما بينها كأحاديث الغلو ، فنجد بأن الأئمة (ع) لم يتعرضوا لمقامهم بشكل بدوي ، إنما الناس هم الذين تقولوا عليه، وكان موقف الإمام مقابل هذه الأقاويل هو الرد، فبعض الناس كان يرى بأن للإمام مقاماً فوق مقام الطاعة، فكان الأئمة يردون عن ذلك بالعكس تماماً، بأن الإمام حقيقته كإمام، هو أن يكون في مقام الطاعة، طبعاً في هذه الروايات نرى بأن الإمام أولاً يبرز مقام الأئمة كمقام وجودي بحيث أن مقام الطاعة للإمام هو حالة وجودية لهذا الإمام وليس هي حالة وجودية لشخصه كإنسان كامل فقط، بل هذه الحالة الوجودية تشكل صلة الوصل ما بين طاعة العبد وبين طاعة الله سبحانه وتعالى على أساس أن مقام الإمامة يشكل الواسطة في كل المجالات في مقام الطاعة ، وفي مقام التشريع ، وفي مقام السير نحو الله، في مقام بلوغ الكمال، فالإمامة بشخص الإمام هي الواسطة حيث أن الإمام، يقود الناس وافعالهم وأفكارهم ، إلى الهدف طبعاً فهنا كما يعبر القرآن الكريم «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا» هذا مقام الهداية التكويني، وليس هداية تشريعية ، فوجود الإمام بين ظاهري الناس هو الذي يخولهم أن يصلوا إلى كمالهم.
هنا عندما يطرح الإمام هذه الفكرة يحاول أن يستدل عليها فانه باستدلاله كما قلنا لا يدخل في هذه الروايات دخول العارف فقط، بل يدخل إليها كعالم كأصولي كفقيه وكمتكلم وكفيلسوف، يعتقد الإمام إنه إذا أمكن تأويل هذه الأخبار، بصورة لا تتضارب مع الأحاديث الصريحة القطعية، التي تعتبر من ضروريات الدين، إذا أخذنا بالتأويل يعني أن نفسر هذه الأحاديث التي على خلاف ما نعتقد به من مقام الإمام وأن الإمام هو في مقام الطاعة لله سبحانه وتعالى فما يأتي من أحاديث على خلاف ذلك فإذا استطعنا أن نأوِّل هذه الأحاديث نأخذ بهذا التأويل بحيث ينسجم مع ما نعتقد به، أو إذا أمكن الجمع بين هاتين الطائفتين على أساس الجمع العرفي أي أن نجمع هذه الرواية إلى الرواية الأخرى ،وان هذه رواية مفسرة لتلك . وهذه رواية تتحدث عن مقام غير هذا المقام، فعند ذلك إن أمكن الجمع بين الروايات بحيث ينتفي التنافي والتعارض بينها عند ذلك نأخذ بهذا الجمع، وإن لم يمكن التأويل ولا الجمع العرفي، نكون أرجعنا علمها إلى قائلها.
الإمام(قده) وقراءة النص
إذاً هناك أمور ثلاثة يعتمدها الإمام في قراءة النص، إما التأويل، وإما الجمع وإما رد علمها إلى أهلها، طبعاً هذا النص فيه عدة أمور، منه ما هو عقلي ومنه ما هو نقلي، فعندما يقول الأحاديث الصريحة القطعية يمكن أن يكون هذا القطع لأن ما نقطع به من خلال عقل قد يشكل حداً لأي نص شرعي آخر، ولهذا تعتبر الأحكام العقلية البديهية حدود للنص الشرعي، فلا يمكن للنص الشرعي أن يتجاوز الأحكام العقلية البديهية، فالقطعي قد يكون عقلياً .
إذاً فهنا الإمام يعتمد على المنهج العقلي في تقييم الأحاديث وفي بيان مقامات أهل البيت (ع) ، وهناك أمرٌ آخر أمر شرعي وهو الإرجاع إلى قائلها وهذا طبعاً أخذه الإمام من الروايات التي تقول إذا لم يستطع الإنسان أن يصل إلى مفهوم الروايات، فيردها إلى أهلها، والإمام إذاً اعتمد على النقل في هذا المنهج في الأخذ بالأحاديث عندما تكون هذه الأحاديث تتكلم عن مقامات يعتبرها العارف هي مقامات عرفانية للإنسان، ثم يقول رضوان الله تعالى عليه بعد عرض عدة روايات حول مقامات الأئمة (ع) : وطاعته من كون طاعة الله هدفاً ذاتياً وتشريعياً . هذه بعض الأحاديث الشريفة الصريحة، فإن هذه الرغبات الكاذبة وهي الرغبات الموجودة عند الإنسان التي قد تكون عند بعض الناس حيث للإمام مقام فوق مقام الطاعة، أو أن مثلاً الأئمة في مقامات قد يشتبه التعبير عنها في كثير من الأحيان، مع العبارات التي تتناسب مع الباري سبحانه وتعالى فالإمام يعبر عن هذه الكلمات بأنها رغبات كاذبة موجودة عند الإنسان موجودة فينا نحن أهل الدنيا وأهل المعصية اتجاه هذه الحياة ، أي أنها خاصة الغلاة ، الغلاة كان يختلج في صدورهم وفي أنفسهم بعض الأمور والقضايا حيث حاولوا إسقاط هذه القضايا على الأئمة (ع) . طبعاً لكي يستفيدون منها في حياتهم الدنيا.
يقول: فهذه الرغبات الكاذبة هي فاسدة وباطلة، وتعبر من الأهواء الشيطانية ومخالفة للعقل والنقل .كذلك هنا يحكِّم الإمام الخميني العقل والنقل في تقييم أي فكرة أو أي قضية يؤمن بها اتجاه أهل البيت (ع) فإذا كانت مخالفة للعقل ستكون فاسدة وباطلة، وإذا كانت مخالفة للنقل الذي يمكن أن يعتمد عليه فتكون فاسدة وباطلة كذلك ، إذاً من خلال ذلك، نستفيد أن في هذه الكلمات وهذه النصوص من كتابه عندما يبين مقامات أهل البيت (ع) ، لا يبين هذه المقامات كعارف فقط، بل كعارف يتسلح بالعقل عندما يخوض غمار الأحاديث الشريفة.
ويقول: إذا لم يكن الجمع مقبولاً في مكان آخر ولا يمكن التأويل فلا نستطيع فلا تستطيع هذه الروايات من مقاومة تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة المؤيدة بظاهر القرآن ونصوص الفرقان والعقل السليم والضرورة البديهية للمسلمين على أن الأساس هو العمل الصالح والورع. طبعاً هذا نص واضح الاعتماد على العقل والنقل، ولكن يتجلى المنهج العرفاني الخالص في كتاب الأربعين عندما يتحدث عن حقيقة الإيمان الروحانية والوجودية، يقول: «اعلم أنه لا يمكن معرفة روحانية ومقام خاتم الأنبياء خاصةً والأنبياء العظام والأولياء المعصومين عامةً مع التفكر والتدبر وسير الأفاق والأنفس» يعني لا يمكن الوصول إلى مقام النبي الأعظم ومقام الأئمة (ع) من خلال التفكر والتدبر، العقلية لأن هؤلاء الأجلاء من الأنوار الغيبية الإلهية والمظاهر التامة للجلال والجمال وآياتهما الباهرة، وقد بلغوا في سيرهم المعنوي وسفرهم إلى الله الغاية القصوى والفناء في الذات ومنتهى العروج قاب قوسين أو أدنى رغم أن صاحب المقام بالأصالة هو النبي الخاتم وأن الأنبياء الآخرين السالكين لتاريخ العروج يتبعون الذات المقدسة للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.
من الواضح في هذا النص أن الإمام هنا قد خرج عن النقل والعقل وتحدث عن مقام الأنبياء والمعصومين كعارفٍ ، عندما يصل هذا العارف يتحدث عن مقام الولاية فإن هذا مقام الولاية الذي هو تجلي من تجليات الله سبحانه وتعالى كما يعتقد العرفاء فيعتبر الإمام بأن هذا التجلي بصورته الواضحة هو عند النبي وباعتبار أن النبي والأئمة في صف واحد فعندما يكون باقي الأنبياء يتبعون النبي الخاتم في عروجهم وسلوكهم فهم كذلك يتبعون في عروجهم وسلوكهم الأئمة (ع) ، ينقل هذا الحديث، طبعاً هذا نوع من البحث العرفاني المجرد، عن العقل والنقل ولكن ليست لغة الكتاب هي اللغة العرفانية الخالصة ، أما باقي النصوص التي تتحدث عن أهل البيت وعن مقام الأولياء المعصومين فهي دائماً في هذا الكتاب ممزوجة بالعقل والنقل، إلا هذا النص . وهكذا الأخبار المنقولة في فضائلهم أخبار كثيرة، تبعث على تحير العقول ولم يقف أحد على حقائقهم وأسرارهم إلا أنفسهم، طبعاً هذا النص واضح أنه يعتمد على النقل بشكل واضح جداً . فان الذي يمكنه إدراك هذا المقام هم أهله يعني أهل البيت (ع) ، طبعاً هذا المقام الذي لا يدرك ولا تكشف حقيقته إلا عند أهل البيت، لم يبقَ هذا المقام غائباً غياباً كلياً عنا يعني عن البشر، حيث انكشف بشكل إجمالي ولهذا الإمام عندما يتعرض لهذه المقامات، يتكلم عن مقامات الأئمة (ع) بشكل كأنه فوق مستوى الإدراك البشري ولكنه بالنهاية يتكلم عن مقام يمكن أن يوصف ويدرك بهذا النحو ولكن لا يدرك بشكل تفصيلي بكل أجزائه وبكل تفصيلاته وهذا نوعٌ من أنواع الإدراك يعني ليس الإدراك دائماً هو إدراك بكل التفاصيل والجزئيات حتى الإدراك بشكل إجمالي هو نوعٌ من الإدراك. الإمام هنا كأنه يفصل بين مقامين في عملية إدراك مقام أهل البيت (ع) ولهذا يقول إن للأنبياء والأوصياء مقاماً شامخاً من الروحانية يدعى بروح القدس ومن خلاله يتمتعون بالإحاطة العلمية القيومية لجميع الكائنات حتى ذراتها الصغيرة جداً .
واضح أن هذا المقام الشامخ المحيط ليس فقط إحاطة علمية في كلماتهم بل هو إحاطة قيومية حيث القيمومة على هذا العالم بكل جزئياته حتى ذراتها الصغيرة . طبعاً هذا المقام الروحاني كما هو للأئمة (ع) أو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المقام لا يمكن للإنسان أن يدركه بكل تفصيلاته فقط بهذا الشكل الإجمالي طبعاً الإمام هنا في مقام بيان هذا المقام يذكر في كتابه أن روح القدس هو مقام وجودي جعله الله سبحانه وتعالى فقط عند أهل البيت عند الأئمة (ع) ، وهذا المقام الوجودي واسطة ما بين الله وبين الخلق الموجود بالأئمة (ع) ، هو أعظم بكثير من كل الملائكة كميكائيل وجبرائيل وإسرافيل الذين يعتبرون في النص الشرعي من أهم الكائنات الوجودية بين الله وبين خلقه هذا روح القدس أعظم منهم جميعاً ،هذا روح القدس موجود عند أهل البيت (ع) يعني هو قوة دعم لأهل البيت (ع) في قيموميتهم على هذا العالم.
ثم يقول أن مقام هؤلاء الأولياء أسمى وأرفع من أن تنال أمال أهل المعرفة أطراف كبرياء جلالهم وجمالهم، طبعاً يعني أهل المعرفة الذين هم في الدرجة العليا من المعرفة، حتى آمال هؤلاء لا يمكن أن تنال أطراف كبرياء جلال مقام الأولياء، يعني زاوية منه لا يمكن أن تنال من قبل آمال أهل المعرفة فضلاً عن معرفته، وأن تبلغ خطوات معرفة أهل القلوب ذروة كمالهم كذلك لا يمكن لمن سلكوا المسالك القلبية والعرفانية بأنفسهم وقلوبهم أن يصلوا إلى ذروة كمال هؤلاء أنه دائماً هم في درجة أدنى منهم، ثم يتابع وفي الحديث النبوي الشريف يعني هذا كتطبيق أقوى مصداق لما يذكره وفي الحديث النبوي الشريف عليٌ الإمام علي (ع) : عليٌ مبثوث في ذات الله تعالى يعني هكذا يذكر الإمام طبعاً هذا المعنى اللامُدرَك للأئمة (ع) مستفاد من الروايات الشريفة حيث ذكر رضوان الله تعالى عليه بعض الروايات استفاد هذا المعنى والمقام للأولياء الذي هو فوق مقام الأولياء عند العرفاء، لأن العرفاء عندما يثبتون مقاماً للأولياء يثبتون مقاماً بمستوى معين يعني حتى بعض العرفاء يدّعي لنفسه أنه قد وصل إلى هذا المقام يعني ابن العربي مثلاً يدّعي لنفسه أنه وصل إلى مقام الولاية .
الإمام الخميني هنا في هذا الكتاب يقول إن مقام أهل البيت (ع) هو فوق الآمال وفوق ما يمكن أن يحلم به الإنسان، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العرفانية عند الإمام غير معهودة إلا عند من عاش بروحه مع كلمات أهل البيت وهذا ما يمتاز به عرفان الإمام الخميني عن غيره بأنه عرفان اعتمد على الشريعة المقدسة وعلى كلمات أهل البيت (ع) فجاء بعرفانية ليست كعرفانية العرفاء الباقين ولهذا لم يدعي لنفسه مقاماً كما ادعى غيره من العرفاء بل كان دائماً يجعل نفسه أمام مقام الأئمة (ع) أمام مقام الولاية كالتلميذ الأكثر من ذلك يرى لنفسه أنه لا مقام له ولا وجود له أمام مقام الإمام (ع) . طبعاً وفي هذا نقطة مهمة عندما يجعل الإمام مقام الأولياء فوق مستوى الإدراك هناك نقطة أن عدم إدراك مقام المتبوع بشكل مفصل بل بشكل إجمالي تجعل التابع يشد السير أكثر للوصول إلى المتبوع وكشف مكنونه فالواضح أن كل محجوب مرغوب ، فإذا بقي هذا المقام في عالم الغيب ليس بشكل مطلق إنما في جهة إدراك وفي جهة الغيب هنا النفس الإنسانية تنشد أكثر إلى هذا المقام ولهذا يتكامل الإنسان بشكل أسرع وأكثر ، أما إذا أصبح المقام مقاماً معروفاً ومدركاً فقد تضعف قوة الإنسان عن السير نحو هذا الهدف . طبعاً هذا بشرط أن لا يكون مجهولا مطلقاً، طبعاً هنا من يقرأ كتاب الإمام الخميني هذا يجد بأنه يعتمد على أحاديث ضعاف هنا قد يقول قائل أن مسلك الإمام في هذا الكتاب يخالف مسلكه في الأصول لأنه يرى في الأصول بأن الحجية ليست للخبر الضعيف بل لخبر الثقة، إذاً كيف نوفّق بين مسلكه كأصولي وبين مسلكه كعارف، خاصة نحن وأن الإمام عندما يدخل في ميدان البحث في الأحاديث لا يميز بين عارفٍ وفيلسوف ومتكلم وأصولي أو كفقيه يتسلح بكل هذه العلوم لكي يخوض غمار الأحاديث الشريفة ، في الجواب الإمام الخميني أشار في كلماته، أن الإمام العارف لم يخالف الإمام الأصولي والفقيه لأن ذكره لهذه الروايات الضعاف ليس من باب أنها حجة بنفسها بل من باب أنها واحدة من مجموعة روايات تصل إلى حد التواتر ويركز الإمام كثيراً في كلماته أن الروايات التي تتحدث عن مقامات أهل البيت تبلغ حد التواتر إذا فيكون كالأخذ بالحجة القطعية وليس بالرواية الضعيفة.
وثانياً: أن الإمام كعارف يدرك الحقيقة بشكل بين فلهذا يكون الحديث مصداقاً لهذه الحقيقة بحيث يؤمن بالحديث عن طريق غير الطريق التعبدي وإنما عن طريق وجداني ويقطع بهذا الحديث أنه صادر عن أهل البيت (ع) فإذا كان حتى لو كان هذا الحديث حديثاً غير متواتر كان واحداً لكن حصل الاطمئنان بصدوره هذا يكفي في إثبات الحجية له حتى لو كان واحداً وحتى لو كان ضعيفاً من ناحية رجال سنده.
وثالثاً: هناك كبرى تبحث عادة في علم الأصول أنه هل يكفي الظن في الاعتقاديات؟ أم أنه لا بد من القطع هناك بحث مفصل اختلف فيه علماء الأصول فهل يكفي الظن سواء كان هذا الظن معتبراً أم غير معتبر، والظن الذي يشمل الأحاديث غير المتواترة يعني رواية أو روايتين أو ثلاث روايات، أو غير ذلك حتى لو كان الحديث صحيحاً فإذا قلنا في باب الاعتقاديات لا يعتمد على الظن حتى لو كان الحديث صحيحاً لا يمكن الاعتماد عليه، والبعض يرى أن في فروع الاعتقاديات يمكن الاعتماد على الأخبار إذا كانت صحيحة على كل حال هذا خلاف أصولي موجود عند علماء الأصول حول الأخذ بالأحاديث في الاعتقاديات إذا كانت الأحاديث لم تبلغ حد التواتر، طبعاً من خلال ذكر هذه المقامات وأن الإمام هو مقام الواسطة بين الله وبين عالم الإمكان وكما يعبر عنه الإمام بأنه هو الفيض الأقدس وبين ما يعبر عنه الإمام بأنه المقام الشامخ، الذي لا يمكن أن يدرك نستفيد أن الإمام يفرق بين مقامين مقام التصور ومقام التصديق أو مقام الثبوت ومقام الإثبات فيمكن أن تصدق بمقامهم من خلال الرواية من خلال الدليل سواء كان الدليل عقلياً أو كان الدليل عرفانياً مثل المكاشفة أو حقيقة وصل إليها الإنسان وعاشها، إذا فيمكن أن تصدق بهذا المقام بما تعرفه وتعلمه ومن خلال الدليل وبين ويمكن أن تتصور ذلك حيث أنه في كثير من الأحيان هناك كثير من القضايا، تصدق بها ولكن لا يمكن أن تتصورها ومنها هذا، هذا المقام للأئمة (ع) كما يطرحه الإمام ، فالإمام يصدق به ولكن لا يمكن تصوره لانه فوق تصور الإدراك البشري ولكن ومع ذلك فقد حاول الإمام في هذا الكتاب أن يبرز دور العارف الذي تنكشف له الحقيقة وأن يمزج هذه الحقيقة مع الدليل حتى النقلي منه يعني هو على مستوى الكشف كشف الحقيقة يعيش هذا المقام وهذا الواقع ولكنه لا يستطيع أن يتصور هذا المقام بشكل دليل أو بشكل برهان
إذاً هو يعيش هذا المقام باعتبار أن هناك علم إجمالي لهذا المقام ولكنه لا يجد علم تفصيلي لكل جزيئاته إذاً فهو كعارف يمكن أن يدرك هذا المقام بصورته الإجمالية، ولكن لا يمكن أن يدرك هذا المقام أو يتصوره كفيلسوف أو كمتكلم أو كفقيه وهنا يبرز دوره كعارف رضوان الله تعالى عليه أنه استطاع أن يتصور ما صدّق به كعارف ومع عدم تصوره لهذا المقام بشكل عقلي حاول أن يستدل عليه ولكن لا من خلال العقل لأن هذا المقام باب مسدود الوصول إليه فالتجئ إلى الأحاديث وإلى الروايات، طبعاً بعد عرض مجموعة من هذه الكلمات لمقام أهل البيت (ع) يصل الإمام إلى أن ولاية أهل البيت هي شرط في قبول الأعمال وليس شرط في صحتها كما يقول لأن هناك خلاف بين العلماء هل ولاية أهل البيت شرط في صحة الأعمال أم هي شرط في قبولها؟ إذا كانت شرطاً في صحة الأعمال فكل أعمل غير الشيعي باطلة أما إذا كانت شرطاً في قبولها فتكون الأعمال صحيحة بحيث لا يجب عليه القضاء مثلاً لو تشيع أو استبصر ولكن لا تكون مقبولة، هنا مقام الإمام لأنه هو الواسطة ما بين الله وبين العبد في مقام السلوك والسير نحو الكمال فلا يمكن للإنسان أن يسير بشكل صحيح إلا من خلال هذا الطريق فلكي ترفع أعماله لتصل به إلى هذا المقام، لا بد أن تسلك طريق أهل البيت (ع) من خلال معرفتهم ومن خلال الإقتداء بهم ومن خلال إتباع منهجهم وكلماتهم، ولهذا كانت شرطاً في قبول الأعمال وليست شرطاً في صحتها لأن صحة العمل قد تكون هي فقط في مقام أن يكون هذا العمل وفق المذهب أو وفق الدليل الشرعي الخاص ولكن هذا لا يعني أن هذا العمل قد يصل إلى الهدف.
فالإمام يريد أن يركز على أن مقام أهل البيت (ع) وولاية أهل البيت هي شرط في أن ترفع هذه الأعمال إلى ساحة رب العزة سبحانه وتعالى ولهذا كان شرطاً في قبولها عند ذلك أنه يتكلم هنا كعارف وليس كفقيه فلا يهمه كثيراً أن تكون الأعمال صحيحة أو ليست بصحيحة ولهذا الذي تكون كل أعماله صحيحة ولكن لا يستفيد من هذه الأعمال، في السير والوصول إلى الكمال للقاء الله سبحانه وتعالى (هذا في نظر العرفاء) فان صفقته خاسرة . إذاً من يسلك ويصل عبر عمله عن طريق أهل البيت (ع) هو الذي يصل يعني هذا الذي يكون عند العرفاء سيره وسلوكه صحيحاً . طبعاً هناك نص أخير يصور فيه الإمام مقام الأئمة (ع) ويربط هذا المقام بالحب الذاتي للإمام فلأنهم عاشوا الحب لله سبحانه وتعالى كان لهم هذا المقام وهو نص طويل قليلاً ويحاول الإمام أن يربط هذا المقام لكي يستدل على هذا المقام ويستفيده من الروايات. من أراد المطالعة فليراجع الكتاب صفحة 660 .
السيد علي حجازي
المنهج القويم في إصلاح الإنسان