• عدد المراجعات :
  • 1176
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

إيجا النفس للخدمة في طريق الحج

الحج

مسألة 74 ـ قال في العروة : ( لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج باُجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحج، ولاينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير; لأن الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج، وقطع الطريق مقدمة توصلية بأيّ وجه أتى بها كفى الى آخره) .

أقول : حيث إن الإشكال في حصول الاستطاعة بها وإجزاء حجه عن حجة الإسلام وعدم حصولها نشأ من دخول السير في الحج وكونه جزءاً من أفعاله، فإذا كان السير واجباً بالإجارة لايصح وقوعه في أفعال حجة الإسلام، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى البحث عن دخول السير في الحج وعدمه، وأنّ السير هل هو جزء من المناسك وأعمال الحج التي يجب الإتيان بها بقصد العبادة والتقرب، أو هو خارج عنه وإنما هو مقدمة له ؟

فنقول: لا ينبغي الريب في أن السير من المنزل والوطن إلى الميقات ليس من أعمال الحج، مندوباً كان أم واجباً، فإذا حصل الشخص في الميقات بأي صورة وكيفية يقع منه الحج بالإحرام من الميقات تاماً مجزياً عن حجة الإسلام، وإمكان التعبد بالسير وبالمشي ـ كمادل عليه الروايات ـ لاينافي عدم دخوله في الحج; وذلك لجواز الإتيان بمقدمة الواجب التعبدي بقصد القربة، كما يدل عليه قوله تعالى : ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولانصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً إلاّ كتب لهم به عمل صالح ).

إلاّ أنّه يقع الكلام في السير من الميقات إلى البيت، وأنه هل هو داخل في الحج أو خارج عنه ؟

فعلى الأول إن وقع ذلك منه غافلاً أو نائماً أو بقصد غير البيت ـ زاد الله تعالى في شرفه ـ كزيارة الأحبة والأرحام لا يصح منه ولا يجزي عنه وإن أتى بالمناسك كلها وعلى الثاني ـ حيث إنّ ما هو تمام الموضوع في الخروج عن التكليف وصحة الحج سواء كان واجباً أم مندوباً ليس إلاّأداء المناسك ـ فإن أحرم أحد في الميقات ونام هناك لأن يشرع في السير بعد نومه أو بعد يوم فجاء أحد فحمله على سيارته وذهب به حتى البيت يكفيه ذلك، ولايجب عليه الرجوع إلى مكانه ليسير هو بنفسه وبقصد القربة ، في المسألة وجهان بل قولان: الأول خروج السير عن أعمال الحج، والثاني عدم خروجه .

وجه القول الأول : أنّ السفر والسير إلى البيت ليس من أفعال الحج وداخلاً فيه، بل هو من مقدماته التي لا يتوقف حصولها على قصد التقرب، بل يمكن حصول ذيها بدونها، كأن اختطفه أحد أو أنامه وذهب به إلى الميقات، وهذا ما يفهمه العرف من قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) بمناسبة الحكم والموضوع، فلا موضوعية لحج البيت وما وجب إلا غيرياً ولأداء المناسك فكأنه قال: « على الناس حج البيت لأداء الحج » وحذف غاية وجوب قصد البيت والسير إليه; لوضوح ذلك لأنه يُسار إليه لأداء المناسك والحج، وإنما أوجب السير لتوقف الوصول إلى البيت وأداء المناسك عادةً وغالباً عليه لا من جهة دخل السير في تحقق الحج وحصول الواجب .

وربما يستدل على ذلك بروايات لا ظهور لها في ذلك، مثل صحيح معاوية بن عمار الذي رواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عنه قال : « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يمر مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام ؟ قال : نعم »  .

إلاّ أنّ الاستدال به لما نحن فيه ليس في محله، فإن سؤال السائل راجع إلى أنه هل يعتبر في وقوع الحج حجة الإسلام أن يكون الشخص من بلده قاصداً للحج، وإذا لم يكن قاصداً من بلده هل يجزيه ذلك عنها ؟ فأجاب (عليه السلام) بقوله : « نعم » .

وصحيحه الآخر الذي رواه الكليني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار قال : « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يخرج في تجارة إلى مكة أو يكون له إبل فيكريها ، حجته ناقصة أم تامة ؟ قال : بل حجّته تامة » .

ومقتضاه تمامية حج من خرج في تجارة إلى مكة أو لكونه صاحب الإبل يكريها يلزم عليه أن يخرج معها، سواء كان سيره من الميقات إلى مكة للحج وقصد به القربة أو للتجارة وكراء الإبل، فلا دخل لكيفية وقوع سيره في الحج ولأصل سيره فيه وتمامية حجه، إلاّ أنّ الإنصاف أنه لا ظهور له معتدّ به في ذلك ، لاحتمال كون السؤال فيه من خروجه إلى مكة لا من سيره بعد الإحرام وحال كونه حاجاً .

وبرواية الفضل بن عبد الملك ـ التي عرفت حالها فيما مضى وتعبير البعض عنها بالإرسال لمكان العدة المجهولة فيها ـ قال : « وسئل ـ يعني أبا عبدالله (عليه السلام) ـ عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها ويحج وهو كراء تغني عنه حجته، أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة، أو لا تكون حتى يذهب به إلى الحج ولا ينوي غيره، أو يكون ينويهما جميعاً أيقضي ذلك حجته ؟ قال : نعم حجته تامة » .

والظاهر أن السؤال فيها أيضاً راجع إلى اعتبار الخروج من منزله للحج في الحج وعدمه، فلا ارتباط لها بسيره وهو حاج محرم .

فالعمدة في الوجه لعدم دخول السير في الحج هو عدم فهم العرف ذلك من الأدلة، بل ما يفهمه منها هو عدم دخل ذلك في الحج. هذا في وجه القول الأول .

أما وجه القول الثاني فهو: أنّ المستفاد من ظاهر الآية الكريمة وجوب السفر إلى البيت، فإن المراد من حجه هو الذهاب إليه والسعي نحوه، فهو واجب نفسي كسائر أفعال الحج ، وظاهره وإن كان يقتضي كون وجوب سير كل أحد من مكانه في أوان الحج داخلاً في أفعال الحج إلاّ أنّه خرج منه بالاتّفاق والإجماع سير ما قبل الميقات، ولأن دخوله فيه قبل الميقات ووجوب الإحرام مستلزم لدخل ما ليس من الحج ، في الحج لأنه لاريب في أن الدخول في الحج إنما يتحقق بالإحرام .

وأما مااختاره بعض أعاظم العصر من تعيين مبدأ السير من الميقات من باب القدر المتيقن لإجمال الدليل ، ففيه : أن الظاهر من الدليل هو كون مبدأ سير كل أحد في أوان الحج وعند تنجز وجوبه بحسب حاله من مكانه الذي هو فيه فيلزم عليه الخروج إلى الحج منه .

وربما يرد دلالة الآية على وجوب السعي نفسياً بتنظير ها بآية التيمم قوله تعالى : (فتيمّموا صعيداً طيباً )  لأنه لا ريب في عدم وجوب السعي إلى التراب وجوباً نفسياً .

واُجيب عنه: بأن كون الوجوب فيه غيرياً وإرشادياً معلوم من القرينة، ضرورة أن التطهير يحصل بالتراب لا بالسعي إليه، وأين ذلك مما نحن فيه؟ فإن السير والسعي إلى بيوت ذوي المقام والشرف والشأن من مظاهر التعظيم والتجليل لهم فضلاً إذا كان البيت بيت الله الذي يتقرب إلى الله بالسعي إليه ماشياً، فعلى هذا يجب أن يكون السفر من الميقات إلى مكة على وجه التقرب والتعبد .

ومع ذلك كله وإن كان الأدب وكمال الخضوع للرب وتوقير بيته ـ زيد في شرفه ـ يقتضي ذلك إلاّ أن الالتزام بوجوب ذلك ودخول السير في أعمال الحج مشكل، كأنّه خلاف ما هو المرتكز في الأذهان، ولأنه يلزم أن نقول : إنّه إذا نسي وغفل عما هو فيه ومشى مقداراً من الطريق لا بقصد التقرب يجب عليه الرجوع إلى مكانه لتجديد السير، والالتزام بمثل ذلك مشكل جداً .

فالأقوى هو عدم دخول السير والسعي والمشي في أفعال الحج غير المشي في حال الطواف والسعي . والله هو العالم بأحكامه .

ثمّ إنّه بعد ما ظهر أن الأقوى خروج السير إلى مكة عن أفعال الحج وإن كان بعد الإحرام والميقات فاعلم أن غير المستطيع إن آجر نفسه للخدمة في الطريق أو لنفس طي الطريق باُجرة يصير بها مستطيعاً يجب عليه الحج، ولا يمنع من حصول الاستطاعة بها كون السير واجباً على الأجير بنفسه أو مقدمة للخدمة في الطريق لخروج السير عن المناسك وإن كان مقدمة لأداء المناسك أيضاً فلا يخرجه عن مقدميته لأداء المناسك الإتيان به لنفسه أو لغيره مثل الخدمة في الطريق; لأن المقصود من المقدمة التمكن من ذيها سواء حصلت بقصدها له أو لغيره، فالسير مقدمة للتمكن من الخدمة ومن أداء المناسك ومن غيرهما من الأفعال، سواء قصد به التمكن من جميع هذه الاُمور أو بعضها أولم يقصد شيئا منها ، فلا فرق في ذلك بين كون الإجارة للخدمة في الطريق أو لنفس السير وطي الطريق كما مر . هذا إذا لم يكن مستطيعاً وآجر نفسه للخدمة في الطريق أوطيّ الطريق .

وأما إذا كان مستطيعاً للحج فهل يجوز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق أو لطيّ الطريق، أم لا ؟ الظاهر أنه لا مانع منها أيضاً على ما اخترناه من خروج السير عن المناسك ، ولزوم السير عليه غيرياً لا يمنع من تعلق الإجارة به .

فإن قلت : يعتبر في صحة الإجارة قدرة الأجير على متعلقها، وهي متقومة بالطرفين بأن يكون الأجير قادراً على الفعل والترك، فالمستطيع الواجب عليه المشي والسير لا يقدر على تركه شرعاً، فكما أن التحريم الشرعي للفعل المقدور عليه عقلاً مانع من صحة الإجارة للحرام كذلك الإيجاب الشرعي مانع من تعلق الإجارة بالواجب، فالأول سالب لقدرته على الفعل، والثاني سالب لقدرته على الترك، فلا يكون ترك الواجب مقدوراً عليه، كما لا يكون فعل الحرام مقدوراً عليه، فإذا لم يكن الأجير قادراً فيما نحن فيه على ترك متعلق الإجارة تكون الإجارة باطلة .

قلت : لا يعتبر في صحة الإجارة أمر أزيد من القدرة على التسليم، وهي في الإجارة للفعل المحرم مفقودة لعجزه عن التسليم شرعاً، وفي الإجارة للفعل الواجب موجودة لقدرته على التسليم شرعاً وعقلاً أمّا عقلاً فواضح، وأما شرعاً فإنّ تأكيد الشرع وأمره بالتسليم لا يوجب العجز عن التسليم، وهذا كالشرط في ضمن العقد أو النذر أو العهد أو اليمين إذا تعلق بالواجب مع اعتبار القدرة في متعلقاتها .

هل يجب قبول الإجارة لتحصيل الاستطاعة، أم لا ؟

مسألة 75 ـ قال في التذكرة : ( لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب القبول; لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب. نعم، لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكاً للباقي وجب عليه الحج ) .

وقال في المستند : ( وهل يجب إجابة المستأجر وقبول الإجارة قبله القبول ( كذا) أم لا؟ المصرح في كلام الأكثر الثاني; لأنه مقدمة الواجب المشروط وتحصيلها غير واجب، والحق الأول إذا كان ما استؤجر له مما لا يشق عليه ، ويتمشى منه ، لصدق الاستطاعة، ولأنه نوع كسب في الطريق، وقد مر وجوبه في مثله ، وليس القبول مقدمة للواجب المشروط، بل للمطلق; لأن مع الفرض تحصل الاستطاعة العرفية فيصير الحج واجباً عليه ، وإن توقف إيقاعه على القبول كاشتراط عين الزاد والراحلة . والتحقيق: أنّ هذه ليست تحصيل الاستطاعة; لأنه بعد تمكنه مما استؤجر له يكون له منفعة بدنية مملوكة حاصلة له قابلة لإيقاع الحج به فيكون مستطيعاً . لا يقال : فعلى هذا يجب تحصيل مؤونة الحج على كل من قدر على الاكتساب وتحصيل الاستطاعة فيكون الحج واجباً مطلقاً. لأنا نقول : إن كان اقتداره بحيث يصدق معه الاستطاعة العرفية فليسلم الوجوب، ولا يصدق وجوب تحصيل الاستطاعة، ولا ضير فيه، وإلاّ فلا دليل على وجوب الاكتساب; لأن ما نقول بوجوبه هو ما اجتمع مع صدق الاستطاعة العرفية ) .

ويستفاد من تمام كلامه اختلافه مع المشهور في بيان معنى الاستطاعة المالية، وأنها حاصلة إذا كان له الاقتدار والتمكن بالسهولة على تحصيل الزاد والراحلة ولو ببيع أمواله أو إجارتها أو إجارة نفسه، فالتاجر الذي تحصل له الفائدة بحضوره المعتاد والمتعارف في السوق مستطيع يستقر عليه الحج إن جلس في بيته وترك ما كان مستمراً عليه ملتزماً له بحسب العادة .

ومثله من كان شغله شراء الأمتعة وبيعها نقداً ونسيئةً وأمكن له أن يشتري متاعاً بألف نسيئة ويبيعه بألفين فهو مقدم على ذلك عادة وتركه خلاف العرف والعادة، فإن كان مثل هذا البيع والشراء وافياً لمصارف الحج يعد في العرف مستطيعاً بنفس حصول إمكان ذلك له يجب عليه، كما يجب بيع ماله المملوك لصرفه في الحج .

وأيضاً ما الفرق بين وجوب إجارة ما لِه وعبده ودابته وبين وجوب إجارة نفسه؟ فإن كان في الأول مستطيعاً فليكن في الثاني أيضاً كذلك، وكيف لا يكون من كان له حرفة وصنعة يملك ببذلها بالسهولة أضعاف مايفي للحج مستطيعاً عندالعرف ؟ فالأقوى القول بالتفصيل وإحالة الأمر في حصول الاستطاعة إلى العرف .

ويمكن أن يقال : إن الاستطاعة المشروط بها وجوب الحج ليست عرفيةً ولا عقلية، بل هي استطاعة خاصة مستفادة من الأدلة، وهي أن يكون الشخص واجداً لما يحج به عيناً كالزاد والراحلة، أو بدلا كأن كان له من النقود ما يمكن له شراء الزاد والراحلة به، أو من العروض ما يمكن له مبادلته بعين الزاد والراحلة، أو بنقد يشتريهما به . فإن كنا نحن والآية الكريمة فيجوز لنا أن نحملها على الاستطاعة العرفية ، ولكن بعد ما فسرت الآية ـ من الذين لهم (عليهم السلام)دون غيرهم كان من كان ـ بمن كان له زاد وراحلة، أو من كان له مال، أو ما يحج به، أو القدرة في المال، أو اليسار في، المال أو عرض المال له فالاستطاعة المالية والبذلية لا تشتمل على من لم يكن عنده المال بالفعل وإن كان قادراً على تحصيله بالكسب والصنعة وإجارة نفسه للخدمة .

وأمّا ما قيل من أن منافع الأبدان كمنافع الأعيان فكما يكون الشخص مالكاً لمنافع عقاراته وسياراته وغيرها يكون مالكاً لمنافع بدنه فيؤجره ويتصرف فيه كما يؤجر داره ويتصرف فيها، فكما إذا كان له مال لا يمكن له تبديل عينه ببيعه بما يفي للحج، ولكن يمكن إجارته بما يفيه يكون مستطيعاً يجب عليه الحج ويجب عليه إجارة ذلك المال كذلك يجب عليه إجارة نفسه لسلطانه عليها كسلطانه على إجارة ماله .

فيمكن أن يجاب عنه : بأنّ سلطان الشخص على نفسه وكونها تحت اختياره لا يعنى به مالكيته لها كمالكيته لداره ودابته، وليس ملكيتها له ملكية اعتبارية تتبعها ملكية منافعها، كذلك فليس له بيعها كما يكون له بيع داره ودابته، فهذه الملكية والسلطنة ليست كملكية الدار والدابة، وليس صاحبها مالكاً وواجداً لشيء خارجي عند العرف كواجد المال الذي يفي بالحج .

والحاصل: أن قياس منافع الأبدان بمنافع الأموال المملوكة وترتيب حكم الثانية على الاُولى قياس مع الفارق، وإلا فلا ينحصر حصول الاستطاعة بأن يستأجره أحد للخدمة، بل هي تحصل للقادر على الخدمة مطلقا، ويجب عليه عرض نفسه للإجارة على الأشخاص، كما يجب عليه عرض ماله للبيع لتحصيل ما ينفقه في الحج.

وعلى كل ذلك فالأقوى ما هو مختار المشهور، وإن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض موارده، كما إذا كان الشخص شغله خدمة المسافرين في الأسفار فطلب منه الخدمة في سفر الحج فإنه لا ينبغي له رده، وقبول ذلك من الآخرين للسفر إلى صقع آخر سيما إذا كان ما يعطى للخدمة في طريق الحج أكثر وكانت الخدمة عليه أسهل .

إيجار النفس للنيابة عن الغير في الحج باُجرة تفي للحج

مسألة 76 ـ يجوز لغير المستطيع إيجار نفسه للنيابة عن الغير باُجرة تفي للحج غير أنه لا يصير بها مستطيعاً لحجة الإسلام .

وذلك لعدم إمكان حصول الاستطاعة بها; لأنها متوقفة على صحة الإجارة، وصحة الإجارة متوقفة على عدم وجوب الحج عليه، وهو متوقف على عدم حصول الاستطاعة، فحصول الاستطاعة متوقف على عدمه، وهو محال .

نعم، لو كانت الإجارة مطلقةً غير مقيدة بهذه السنة تحصل له الاستطاعة، ولا يجوز له تأخيرالحج ، وأما حكم العام القابل في الصورة التي يجب عليها الحج النيابي فظاهر; لأنه يدور مدار بقاء الاستطاعة أو تجددها له .

من حج متسكِّعاً

مسألة 77 ـ لا ريب في عدم إجزاء حج المتسكِّع عن حجة إسلامه .

لأنّ إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل وهو مفقود، مضافاً إلى أن الادلة الدالة على وجوب الحج بالاستطاعة المالية أو البذلية تدل بإطلاقها على وجوب حجة الإسلام عند حصولها، سواء حج متسكعاً أم لا .

والظاهر أنهم لم يختلفوا في عدم إجزاء حج النائب أيضاً عن حجة اسلام نفسه، إلاّ أن الأخبار قد اختلفت بظاهرها في ذلك، فإنها على طائفتين :

الاُولى: ما دلت على عدم الإجزاء الذي هو مقتضى القاعدة أيضاً:

فمنها: ما رواه الشيخ: بإسناده، عن موسى بن القاسم، عن محمد بن سهل، عن آدم بن علي ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : « من حج عن إنسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله ما يحج به ويجب عليه الحج ». وظاهره عدم الإجزاء ووجوب الحج عند الاستطاعة .

ومنها: ما رواه الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « لو أن رجلاً معسراً أحجّه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج »(5). بناءً على أنّ المراد من الإحجاج فيه النيابة لا البذل، وهو خلاف الظاهر .

فالعمدة في ذلك هو خبر آدم بن علي، وسنده مطعون فيه بآدم بن علي فإنه مجهول، وبمحمد بن سهل لأنه لم يوثق ولم يرد فيه مدح، وإن ذكره البهبهاني (قدس سره)بالوثاقة وورود المدح فيه لعدم إثبات ذلك .

وفيه : أن ضعف سنده منجبر بعمل الأصحاب، مضافاً إلى أن محمد بن سهل هذا هو محمد بن سهل بن اليسع بن عبدالله بن سعد الأشعري القمي، أبوه ممدوح بأنه ثقة ثقة، وهو من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، بل له الرواية عن أبي عبدالله (عليه السلام)،ومحمد بن سهل هذا ابنه من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وله مسائل عنه، وله كتاب، وهو من رواة النصّ على أبي جعفر (عليه السلام)، وفي شيوخه طائفة من الأعاظم، كأبيه، وإبراهيم بن أبي البلاد الثقة من أصحاب الأئمة: الصادق و الكاظم و الرضا (عليهم السلام)وله أصل يرويه عنه محمد بن سهل هذا ومن شيوخه زكريا بن آدم بن عبدالله بن سعد الأشعري القمي الموصوف بجلالة القدر وعظم المنزلة، وهو ابن عم سهل والد محمد، ومن شيوخه عبدالله بن بكير الذي هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، ومن شيوخه الحسن بن سري من شيوخ الحسن بن محبوب وغيرهم، ومن تلامذته وممّن أخذ الحديث منه أحمد بن محمد بن عيسى شيخ القميين ووجههم، و... ومحمد بن علي بن المحبوب أيضاً شيخ القميين، و. . . وموسى بن القاسم البجلي الثقة من أصحاب الرضا (عليه السلام) وغيرهم، وكل ذلك مدح له والوجه لصحة الاعتماد على حديثه، فلا ينبغي رد حديث مثله أو التردد في اعتباره .

نعم، يبقى في السند آدم بن علي، ويكفي في جواز الاعتماد عليه رواية محمد بن سهل عنه، ورواية موسى بن القاسم عن محمد روايته الظاهرة في أنهما كانا يعرفانه فاعتمدا على روايته، مضافاً إلى أنّ ضعف السند به منجبر بعمل الأصحاب .

هذا بعض الكلام في الطائفة الاُولى.

وأما الطائفة الثانية أي ما ورد في إجزاء الحج النيابي عن حجة الإسلام :

فمنها: صحيحتا معاوية بنعمار ، إحداهما عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « حج الصرورة يجزي عنه وعمن حج عنه »  .

و ثانيتهما: أيضاً عنه (عليه السلام) قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام ؟ قال : نعم »  . ومنها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام): « في رجل ليس له مال حج عن رجل، أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج ؟ فقال : يجزي عنهما جميعاً »  .

ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب قال : روى أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ ، قال : حدثني القاسم بن محمد بن الحسين الجعفي، قال : حدثنا عبدالله بن جبلة، قال : حدثنا عمرو بن إلياس، قال:« حج بي أبي وأنا صرورة وماتت اُمي وهي صرورة ، فقلت لأبي : إني أجعل حجتي عن اُمي، قال : كيف تكون هذا وأنت صرورة واُمك صرورة ؟ قال : فدخل أبي على أبي عبدالله (عليه السلام) وأنا معه فقال : أصلحك الله، إني حججت بابني هذا وهو صرورة وماتت اُمه وهي صرورة فزعم أنه يجعل حجته عن اُمّه فقال : أحسن ، هي عن اُمه فضل وهي له حجة » .

أقول : الذي ينبغي أن يقال في هذه الروايات: منع صراحتها على الإجزاء وإن صرح بعض الأعلام بصراحة صحيحتي عمار على الإجزاء، وإليك تفصيل ذلك :

أما صحيحة عمار الاُولى فيمكن أن يكون المراد منها: أن الصرورة إذا حج عن نفسه يجزيه، وإذا حج عن غيره أيضاً يجزي عن ذلك الغير، وكانّ هذا لدفع كراهة نيابة الصرورة، أو عدم إجزاء حجه عن المنوب عنه، أو يكون أنه يكتب له ويثاب عليه، أو يجزي عن الحج المندوب الثابت عليه إذا تركه وأتى به للغير، لا أنه يجزي عن حجه الواجب الثابت عليه إذا تركه وأتى به للغير، وظاهر الإجزاء هو الإجزاء عما ثبت عليه لا ما يثبت عليه في المستقبل، ولذا يحمل على المندوب .

وأما صحيحته الثانية فلا دافع; لاحتمال أن يكون المراد من الضمير في «يجزي عنه» الغير المذكور قبله وراجعاً إليه مضافاً، إلى أنه لو أخذنا باحتمال دلالتها على إجزائه عن حجة إسلام النائب يلزم أن نقول به ولو كان عليه حجة الإسلام بالفعل ولم يقل به أحد .

وعلى هذا لا يقال : إنّ مقتضى الجمع بينهما وبين خبر آدم بن علي حمل خبر آدم على الاستحباب وحمل الصحيحتين على الإجزاء; لمنع صراحتهما بما ذكر .

وأما خبر جميل فاشتماله على اضطراب متنه يمنع عن الإحتجاج به، فإن السؤال راجع إلى إجزاء حج الرجل عن الآخر عن حج نفسه، وهوـ أي السائل ـ يعلم إجزاءه عن الآخر، وإلى كفاية حج من أحجه غيره ليحج لنفسه من الحج ثانياً، وبعد حصول الاستطاعة فهل قوله : « يجزي عنهما جميعاً » يكون جواباً عن كلا الشقين ، أي إجزاء حج من حج عن غيره عن حج نفسه، وحج من أحجه غيره لنفسه عن الحج ثانياً؟ فقوله : « يجزي عنهما جميعاً » لا يكون جواباً عن كليهما ، وإن كان جواباً عن أحد الشقين يبقى الجواب عن الآخر بحاله ، لأنه إن كان جواباً عن حج من حج لغيره يبقى الشق الآخر وهو السؤال عن الإحجاج بلا جواب، ولو كان الجواب بدل قوله : « يجزي عنهما جميعاً » « لا » أو « ليس عليه الحج » كان تاماً وعن تمام السؤال .

وعلى كلّ حال فالظاهر أن الراوي نقل السؤال والجواب بالنقل بالمضمون وأجمل في نقل السؤال، ولعله لم ينقل أيضاً كلام الإمام (عليه السلام)بلفظه فصار الحديث مضطرب المتن .

وأما حديث عمرو بن إلياس فمضافاً إلى ضعف سنده فلا يدل على إجزائه عن حجة الإسلام، مضافاً إلى أنه معارض بصحيح ابن مهزيار  ومكاتبة بكر بن صالح  ومكاتبة إبراهيم بن عقبة  .

هذا، وقد ظهر من جميع ما ذكر عدم وجود حديث ظاهر الدلالة على الإجزاء دلالةً يخرج بها عن القاعدة وإطلاق ما دل على وجوب حجة الإسلام لنفسه على المستطيع، فضلا عن أن يكون صريحاً في ذلك ، فالحكم ما عليه المشهور أو المجمع عليه أخذاً بالإطلاق المذكور وبخبر آدم بن علي . والله هو العالم .

أما إذا اخترنا أن في وقوع الحج حجة الإسلام لا يعتبر أمر إلاّ وقوعه من المستطيع وعدم قصده نية آخر ، و وقوعه مندوباً أيضاً إذا صدر من غير المستطيع لا يحتاج إلى أزيد من قصد القربة فعلى هذا استنابة الغير لأداء الحج نيابةً عن المنوب عنه يصح، ويجب على النائب إتمامه وعلى المنوب عنه اُجرة المسمى فلا تنفسخ الإجارة وإن لم يشرع الأجير بعد في العمل ، لأنه استنيب للحج النيابي الذي أتى أو يأتي هو به .

الفرع الرابع : الظاهر اختصاص الدليل على وجوب الاستنابة بالعذر الطارئ ، فمن كان معذوراً خلقة إذا حصلت له استطاعة الاستنابة لا يجب عليه ، فلا وجه للقول بوجوبه وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .

الفرع الخامس : إذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة لفقد النائب، أو لعدم رضاه إلاّ بمال كثير لا يقدر عليه المستنيب، أو كان أداؤه إجحافاً وحرجاً عليه أو ضرراً أكثر مما يقتضيه طبع الاستنابة فهل يجب عليه الاستنابة بعد ذلك إذا وجد النائب ولو زالت استطاعته ؟ وكذلك هل يجب الاستنابة من ماله إن مات في سنته هذه أو قبل وجود النائب، أم لا يجب مطلقاً سواء استقر عليه الحج أم لم يستقر، أو يجب عليه إذا كان الحج مستقراً عليه ؟

أما إذا لم يجد النائب في سنة استطاعته فمات بعد ذلك أو زالت استطاعته قبل وجود النائب فلا يجب الاستنابة من ماله بعد موته، كما لا يجب عليه ذلك بعد سقوطه من الاستطاعة; لأنه لا وجه لوجوب الاستنابة عليه في صورة عدم الاستقرار، كما لا يجب عليه الحج المباشري إن زالت استطاعته قبل التمكن من الحج، ولا يجب الاستنابة له إن مات في سنة استطاعته .

الفرع السادس : إذا استناب مع رجاء الزوال ثم حصل اليأس منه بعد عمل النائب فهل يكتفي بذلك، أم يجب عليه إعادة الاستنابة ؟

يمكن أن يقال : إن ما هو المعتبر في وجوب الاستنابة هو حيلولة المرض بينه وبين الحج واقعاً ، واليأس من زوال المرض طريق إليه لا دخل له فيما هو الموضوع لوجوب الاستنابة ، ومقتضى ذلك إجزاء عمل النائب عن المنوب عنه لتحقق ما هو موضوع الواجب ووجوبه واقعاً، وتحقق الواجب وإن لم يعلم المكلف بتحققه واقعاً وأتى به برجاء تحققه .

فما عن المدارك من القول بعدم الإجزاء لعدم وجود اليأس حين الاستنابةإنما يتم لو كان ما هو الموضوع للوجوب اليأس من زوال العذر حتى لا يكون الوجوب إذا لم يكن اليأس، وقد عرفت عدم دخل اليأس في وجوب الاستنابة، كما لم يذكر في الروايات أيضاً .

الفرع السابع : إذا كان المريض العاجز عن المباشرة فاقداً لمال

يحتاج إليه في الذهاب إلى الحج ولكن كان واجداً لما يكفي للاستنابة فهل يجب عليه الاستنابة، أم لا ؟

الظاهر أن الاستطاعة المالية المعتبرة في وجوب الحج هي الاستطاعة للحج المباشري، ووجوب الاستنابة حكم المستطيع العاجز عن الحج بالمباشرة لا المريض الغير مستطيع ، فلا يجب عليه الاستنابة وإن كان متمكناً منها ، كما أنه يسقط عنه الحج إذا كان ماله وافياً للحج المباشري دون النيابي، وهذا ممّا يستفاد من الأدلة بمناسبة الحكم و الموضوع، ولذا إن كان إطلاق يشمله بظاهره يكون منصرفاً عنه .

الفرع الثامن : هل الحكم الجاري في حجة الإسلام في مسألتنا يجري في سائر أقسام الحج الواجب كالحج الواجب بالإفساد أو النذر، أم لا ؟

أما الحج الواجب بالإفساد فإن كان هو الحج الواجب بالأصل فلا شك في أن حكمه وجوب الاستنابة إذا عجز عن المباشرة . وأما إذا كان عقوبة على ما ارتكبه من المحظورات فالظاهر أنه لا يشمله هذا الحكم، فلا يجب عليه الاستنابة إذا كان عاجزاً عن الحج بالمباشرة .

نعم ، إذا تمكن بعد ذلك يجب عليه، ومثل قوله (عليه السلام) : « عليه الحج من قابل » ، لا يدل على أكثر من وجوب الإتيان به فوراً.

وهكذا النذر إن كان موقتاً بسنة معينة وعجز عنه بالمرض فإن مقتضى القاعدة بطلانه ، لعدم القدرة على الإتيان بالمنذور، ولا وجه لوجوب الاستنابة .

وهكذا إذا كان غير موقّت وعجز عنه ويئس عن زوال عذره ، فإنه إذا عجز عنه قبل وقت يفي بإتيانه يكشف أيضاً عن بطلانه، وإذا عجز عنه بعد ذلك وتنجز عليه النذر بتركه عصياناً أو اختياراً حتى عجز عنه فالظاهر أيضاً عدم وجوب الاستنابة، وهذا حكم النذر سواء كان متعلقاً بالحج أو غيره .

نعم ، في الصوم إذا نذرـ مثلاـ صوم يوم الخميس فصادف يوم العيد أو السفر، الحكم هو القضاء للنص، وهو أيضاً لا يرتبط بالاستنابة . والله هو العالم .

الفرع التاسع : الظاهر كفاية الاستنابة من الميقات; لإطلاق الروايات مثل قوله (عليه السلام)في صحيح الحلبي : « فإنّ عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له  » . والإحجاج كما يصدق إذا كان من البلد يصدق إذا كان من الميقات. وقوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان و معاوية بن عمار : « أن يجهز رجلا يحج عنه » أيضاً صادق على التجهيز من البلد ومن الميقات .

وأما قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم : « فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه» ، فلا دلالة فيه على لزوم كون البعث والإرسال من بلد خاص، فهو أيضاً مطلق في ذلك .

الفرع العاشر : قال السيد (رحمه الله) في العروة : ( والظاهر كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة ـ إلى أن قال (:ـ الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضاً). يشير إلى أن القدر المتيقن من أخبار الإستنابة عدم كفاية حج المتبرع عنه.

أقول : إن كان المراد من التبرع إتيان النائب العمل مجّاناً بإذن المنوب وباستنابته فلاريب في كفايته ، وإن كان المراد التبرع بالعمل من دون أن يأمره من عليه الاستنابة ففيه وجهان، والأقوى عدم الإجزاء .

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)