• عدد المراجعات :
  • 2955
  • 11/20/2007
  • تاريخ :

الحجّ الإبراهيمي والحجّ الجاهلي
مکه

 

 

لآلِ رَسُولِ الله بِالخَيْفِ مِنْ مِني
وَبِالرُّكْنِ وَالتَّعْريفِ وَالْجَمَراتِ
دِيارُ عليّ والحُسَيْنِ وَ جَعْفَر
وَحَمْزَةَ وَالسَّجاد ذِي الثّفناتِ
وَسِبْطَيْ رَسُولِ اللهِ وَابْنَي وَصِيّهِ
وَوَارِثِ عِلْمِ اللهِ وَالْحَسَناتِ

 

                                                                                                                                     دعبل بن علي الخزاعي

 

المقدمة :

إنّ أُصول الحج الإبراهيمي ، هي تلك التي شرّعها الدين المبين ، ومن الصعب الوصول عبر النصوص والوثائق الباقية باستثناء القرآن الكريم إلى شيء يمكنه رسم حقيقة تلك الأصول . ولكن في ضوء تعدد التفاسير، التي تقدمها المذاهب الاسلامية حول أداء الحجّ وفق نهج إبراهيم الخليل(عليه السلام)، وكما يدعو إليه الدين المبين ، وبالتحديد ما يتعلّق بالنواحي السياسية والاجتماعية والتولّي والتبرّي ، نجد من المناسب البحث فيما وصل إلينا عن شعائر الحج الابراهيمي ومناسكه ، خصوصاً وأنّ هذه التفاسير لم تكن بمنأى عن التأثر بتقادم الأزمنة وهيمنة الأمويين والعباسيين ، والأجواء السياسية والاجتماعية التي ترتبت على سلطة كلّ منهما، علاوة على انحياز بعض العلماء والفقهاء الذين عدوّا أنفسهم مرتبطين بجهاز الحكم إبّان العهدين الاموي والعباسي.

إنّ ما يمكنه تفصيل الحجّ الابراهيمي ، ونفخ الروح والمحتوى فيه ، هو المضامين والمناسك ، التي يجب دائماً التمسك بها واللجوء إليها، وبالحضور الديني بالحج تحقيق صدور رؤية إبراهيم الخليل(عليه السلام) و محمّد الحبيب(صلى الله عليه وآله) . وإلاّ فانّ التمسك الظاهري في إقامة المراسم والمواسم يذكّر بالحجّ السهل الذي ادّاه أبوسفيان أيضاً. لأنّ الحجّ بالمعنى العامّ لا يختصّ به الاسلام ، إنّ ما أمر به الاسلام وأصرّ عليه ، هو الحجّ الابراهيمي من بين الحجّ الجاهلي والحجّ الحنيفي والحجّ الصابئي.

- حجّ إبراهيم(عليه السلام)

«والشائع في الأخبار والروايات والعربية القديمة أنّ الحجّ ، على زمن إبراهيم(عليه السلام)، كان يعنى قَصْد كعبة مكّة والطَّواف بالبيت والتلبية وقضاء بقية المناسك ، ثم جاءت الوثنية بأصنامها وبيوتها وعباداتها فصار الحجُّ يشملها أيضاً » ،( 1 ).

(وَإذْ بَوّأْنَا لإبْرَاهيِمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَ تُشْرِكْ بي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتي لِلْطَّآئِفينَ وَالْقائِمينَ والرُّكَّعِ السُجُودِ * وَأَذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَ عَلى كُلِّ ضَامِر يأْتيِنَ مِنْ كُلِّ فَجّ عَميق) ، ( 2 ).

«أنّ إبراهيم و إسماعيل(عليهما السلام) هما اللّذان بنيا الكعبة بيت عبادة لله، وأنّ حرمة الكعبة ومنطقة مكّة وتقاليد الحجّ وطقوسه المتنوعة في هذه المنطقة من سنن إبراهيم » ، ( 3 ).

و قد أخذ الاقوام الآخرون ـ الذين عاشوا بألف سنة قبل ميلاد المسيح(عليه السلام) ـ بهذه السُّنة ، فكانوا يراعون حرمة مكة والحرم. يخمّن خبراء الكتاب المقدّس (العهد القديم والجديد) والمتخصّصون في الأديان ، أنّ إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) عاشا نحو ألفي عام قبل الميلاد ، وبذلك يكون قد مضى نحو40 قرناً على الظهور الحديث للكعبة بالبناء الإبراهيمي. وعندما تحدّث ديو دورس سيسيلي Diodorus Of Sicily الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد ، عن الأنْبَاط ، أشار إلى الكعبة بقوله : «إنّه مكان مقدّس له حرمة وشهرة بين جميع العرب ، هو مكّة » ، (4).

يعتقد بعض الباحثين ، أنّ مفردة «مَكُورابا(Macoraba)» والتي تلفظ في اليونانية «مقوروبا» والتي أراد بها اليونانيون اسم مدينة ، وتعني مكان التقرّب لله ، تعني مكة . معلوم أنّ كلمة «مَكْرُب » هي مفردة دينية قديمة استعملت قبل ألف عام من تأسيس حكومة السبأ. وقد أشار بَطْلَميوس (ptolemy) الفلكي والجغرافي الذي عاش في القرن الثاني للميلاد إلى هذه المفردة، (5) .

على هذا الأساس يمكن القول : إنّ مفردة «مكة » تمثّل صفةً ونعتاً لبيت الله ولا تعني اسماً خاصاً. لكنّها أثر الاستعمال والشهرة حلّت مكان الاسم ، مثل القدس إذ حلّت الصفة محلّ اسم العلم . وكلمة آ«بكّةآ» تعادل «مكّة» ، فحسب رأي الدكتور جواد علي أنّ الكلمتين تملثان تسميةً واحدةً ، ففي لهجات القبائل تأتي الباء بدل الميم بالقلب والابدال ، وبخاصّة في لهجات جنوب الجزيرة العربية ، ( 6 ). يرى بعض المحققين أنّ مفردة «بكّة» تعني الوادي. ( إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكّة مباركاً وهُدًى للعالمين ).

جاء في القاموس :«بكّةُ» تقال لمكّة ، أو لما بين جبليها ، نرى أنّ مفردة آ«بَكْآ» سامية قديمة ، وكلمة «بُقعاه» عبرية، و تعني الوادي، وقد أُطلقت على الوادي الواقع بين لبنان الساحلي ولبنان الشرقي، والذي أسماه الروم سورية المنخفضة.

«وإنّ مدينة بعلبك مشهورة ، وهي من الكلمات المركبة تركيباً مزجياً من «بعل»]إله قديم [و «بك » ]الوادي[ ومعنى بعلبك إله الوادي » ، (7) : وهو نفس الاسم الذي أُطلق على هذه المدينة تيمّناً بـآلهة الساميين المعروفة، ويُطلق اليوم على هذا الوادي اسم البقاع ، والذي يمرّ نهر الليطاني عبره.

أطلق القرآن الكريم على مكّة اسم « اُمّ القرى »،( )8 و«قرية » ، (9)، قارنها بالطائف : ( وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُل مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظيم )، وقد ذكر أغلب المفسرين أنّ المراد من القريتين هما مكّة والطائف ، (11).

وقال المسعودي في مروج الذهب : « وقد كان إبراهيم قدم إلى مكّة ولإسماعيل ثلاثون سنة حين أمره ببناء البيت »، (12).  إنّ ما يسترعي الاهتمام من الناحية التاريخية ، هو ما نقله مينغانا (Mingana)عن راهب سرياني يدعى نَرْسَيْ (Narsai)بشأن نزاع أولاد هاجر في (بيت عربايه) في الحدود الشاميه ، وهذا الخبر يمثل أوّل نقل عن شخص من أهل الكتاب ( تُوفّي في سنة 485 للميلاد) أفاد فيه بوجود قريش في شمال الجزيرة ، وهو يتطابق مع ما أورده النّسابون واْلأَخباريون العرب ، في إرجاع نسب قريش إلى إسماعيل(عليه السلام) ، (13).

جاء في الآيات (150 ـ 140) من سورة البقرة المباركة والتي استنكرت دسائس اليهود بين المسلمين بشأن تغيير القبلة من القدس إلى الكعبة ، قوله تعالى : ( وإنّ الذين أُتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما الله بغافل عمّا يعملون )، (14) . وفيه إشارة قبل كلّ شيء إلى علم اليهود بأفضلية الكعبة وأقدميتها، كقبلة ، ممّا يعني أنّهم كانوا يقرون قبل ظهور الاسلام بفضائلها وسوابقها واتصالها بابراهيم(عليه السلام) وقد حدّثوا العرب بذلك.

لم يسجّل التاريخ ما يقود إلى اليقين في الحجّ الابراهيمي الصحيح غير ما علّمه القرآن الكريم. والحجّ الحنيفي الذي يدّعي محاكاة حجّ ابراهيم(عليه السلام) فعلاوة على أنّه جُعل ليقابل حجّ المشركين وعُمل به في أجواء الشرك الجاهلي ، فهو غير واضح ، كما أنّ شبهة الشرك تكتنفه في بعض الحالات.

في عقيدتنا أنّ الحجّ الابراهيمي هو حجّ الاسلام ، إلاّ أنّ قيمة هذا الحجّ ومكانته تُدرَك عندما نتعرّف على الحجّ الجاهلي وحجّ المشركين ، ونجري مقارنة بينهما، كي لا تتحرك ـ والعياذ بالله ـ تلك الرواسب الباقية في أذهان المسلمين ، وتطرح مقابل الحجّ الابراهيمي الذي أمر به القائد الكبير للثورة ومؤسّس الجمهورية الاسلامية في إيران سماحة الامام الخميني قدّسنا الله بسره العزيز وأُقيم للمرة اْلأوُلى في هذا العصر. لم يتّفق المؤرّخون السابقون على رأي واحد بشأن دخول الشرك وانتشاره في الجزيرة العربية ، فبعضهم مثل هشام الكلبي رأى في كتاب «الأصنام » :

« أنّ إسماعيل بن إبراهيم (صلّى اللهُ عليهما) لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرةٌ حتى ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهُم بعضاً، فتفسَّحوا في البلاد لالتماس المعاش.

وكان الذي سَلَخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنّه كان لا يظعنُ من مكة ظاعنٌ إلاّ احتمل معه حَجَراً من حجارة الحرم ، تعظيماً للحرم وصبابةً لمكّة » ، (15) . وقد أدّى هذا العمل على المدى الطويل إلى نشوء صناعة الأصنام ، وعبادتها وبالتالي ساد الشرك الجزيرة. وكانوا في ديار الغربة يدورون حول هذه الأصنام ، ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة . إلاّ أنّ هشام يضيف قائلاً : «وهم بعدُ يعظمون الكعبة ومكّة ، ويحجّون ويعتمرون ، على إرث إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام)» ، (16).

وفي الأسباب الكامنة وراء الميل نحو الشرك وتغلّبه على دين إبراهيم ، رأى هشام أنّها تتمثّل في توغّلهم واهتمامهم الشديد بالأصنام ، موضّحاً أنّه رغم كلّ ذلك كانت ثمّة بقايا مناسك من عهد إبراهيم و إسماعيل(عليهما السلام) قام أهل الجاهلية بأدائها بعد أن مزجوها بتقاليد الشرك ، فبدأ الحجّ الجاهلي بمعناه الدقيق من ذلك الحين :

«وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) يتنسّكون بها : من تعظيم البيت ، والطواف به ، والحجّ ، والعمرة ، والوقوف على عرفة ومزدلفة ، وإهداء البُدن ، والإهلال بالحجّ والعمرة ، مع إدخالهم فيه ما ليس منه » ،(17).

مناسك الحجّ في الجاهلية :

كان الحجّ في الجاهلية يبدأ من اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة ، عندما تشارف الشمس على الغروب ، وقبله يجتمع الناس لأغراض التجارة في سوق عكاظ خلال شهر ذي القعده لمدة عشرين يوماً، يتوجّهون بعد انقضائها إلى سوق المَجنّة، حيث يمكثون فيه حتى نهاية الشهر وهم يمارسون معاملاتهم التجارية ، وإذ هلّ هلال ذي الحجّه انطلقوا إلى ذي المجاز ليواصلوا فيه البيع والشراء على مدى ثمانية أيام ، وفي اليوم التاسع ينادي المنادي فيهم : «تروّوا بالماءِ لأنّه لا ماءَ بعرفة ولا بمزدلفة ». وبهذه المناسبة سُمي هذا اليوم بيوم التروية ، وهو اليوم الذي ينتهي فيه موسم أسواق الحجّ الجاهلي،(18). في اليوم التاسع من ذي الحجّة يصل الحجاج إلى عرفة ، ويرتدون اللباس الخاصّ بالحج كما أورد الجاحظ : « كانت سيماء أهل الحَرَم إذا خرجوا إلى الحِلَّ في غير الأشهر الحرم ، أن يتقلّدوا القلائد ويُعلِّقوا عليهم العلائق ، فإذا أَوْ ذَمَ أحدهم الحجّ ، تزيّا بزيّ الحاج » ، (19). ويقومون بالتلبيد قبل ذهابهم إلى المواقف . والتلبيد عبارة عن وضع الحاجّ مزيجاً من الخطمي والآس والسدر ومادة صمغية على شعر رأسه وذلك للحيلولة دون تسريحه ودون قتل القمل ، وقد وصف امية بن أبي الصلت الحجاج الذين لتبّدوا بقوله :

شاحِينَ آباطَهُم لَمْ يَنْزِعوا تَفَثاً
ولَم يَسُلُّوا لَهُم قُمْلاً وصِئْبانا،( 20)

 

المواقف :

مکه

- الموقف الأوّل : هو عرفة كما ذكرنا إذ يصلونه في اليوم التاسع من ذي الحجة. وقد ذكروا وجوهاً مختلفة بشأن اسم «عرفة » منها :

أنّ جبرئيل كان يطوّف إبراهيم في المشاعر، ويعلّمه المواضع وهو يقول : عَرَفتُ ، ومنها أنّ آدم وحواء بعد الهبوط عرف أحدهما الآخر في هذا المكان ، ومنها أنّ الناس يتعارفون في هذا الموضع ،(21). قال ياقوت : «وقيل : بل سمّي بالصّبر على ما يكابدون في الوصول إليها، لأن العرف الصبر; ويقال : إنّ الناس يعترفون بذنوبهم في ذلك الموقف » ، (22). « و يقارن هوتسما (Houtesma) الوقوف بعرفات بوقوف اليهود على جبل سيناء ، حيث كان يتجلّى معبودهم بالبرق والرَّعد ، وإن كنّا لا ندري شيئاًعن إله عرفات ، ولربّما كان نفسه إله المزدلفة » قُزح ( إله البرق والعواصف والرّعد والغيث ) الذي عبده الأدوميون من قبل ولم يبق من ظواهر عبادته بين الجاهلين إلا إشعال نيرانه بمزدلفة» ، (23).  وكان لكلّ قبيلة موقف خاص بها في عرفة ، ولم يبق الآن إلاّ أسماء بعضها، لأنّ وحدة صفوف الحجاج في الاسلام دون تمايز، أدّت الى اندثار أسماء تلك المواقف.

من المواقف الخاصّة التي ما زالت باقية موقف نَفْعَة الخاصّ بقبيلة ربيعة والذي ورد في شعر لعمرو بن قَمِيئَة :

وَ منزلة بالحجّ أُخرى عَرَفْتُها
لها نَفْعَةٌ لا يُستطاعُبروحُها ،(24)

 

كانت قريش وكذلك أهل مكّة يرون أنفسهم أفضل من غيرهم من العرب ، فيختارون موقفهم بالقرب من مكان الأضاحي في مزدلفة في موضع اسمه نَمِرة. و كانوا يعظمون جبل آ«إلالآ» في عرفة ويقسمون به ، وقد ذكر في شعر النابغة في عدّة أماكن ، كذلك أورده طُفيل الغنوي في شعره بقوله :

 يَزُرْنَ إلالاً لا يُنَصِّبْنَ غيره
بكلِّ ملَب أشعثِ الرأس مُحرمِ،(25) 

وكانوا يطلقون على الانتقال السريع من عرفة إلى مزدلفة تسمية الإفاضة أو الإجازة ، وكان هناك أشخاص يتقدّمونهم ليهدوهم السبيل .و روى ابن هشام في سيرته « كان الغوث بن مُرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مُضر يلي الإجازة للنّاس بالحجّ من عرفة ، وولده من بعده ؛ وكان يقال له ولده صُوفَة » ،( 26). وفي وجه التسمية قالوا : إنّ أُمّة عندما ربتطه بالكعبة وضعت عليه قطعة من الصوف. و ممّا رُوي عن ابن عباس في الحجّ الإبراهيمي ، أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) منع من الحركة السريعة وأمر بالسكينة إذ قال(صلى الله عليه وآله) : « أيها الناسُ ، عليكم بالسكينة ، فإنّ البرّ ليس بالإيضاع » ،(27)، وكما نقل الأزرقي ، فإنّ أول من أشعل النار فوق جبل قُزَح ; كان قصي ابن كلاب ، حيث استمر هذا الأمر حتّى ظهور الاسلام ، ولعلّ الهدف من اضرام النيران هناك هو إرشاد الحجاج، إذ كان من الممكن أن يحلّ الظلام قبل أن يصلوا إلى المزدلفة ، (28) .

وكان الجميع يجتمعون في المزدلفة الواقعة بين عرفات ومنى، حتى قريش والمكّييون كانوا ينضمّون إلى المجتمعين، وكانوا يمضون الليل بالدعاء والتلبية بانتظار طلوع الشمس ، وكان البعض لجعلته يخاطب جبل ثبير الذي تشرق الشمس من خلفه بقوله : « أشْرِقْ ثبير، كيما نُغير». وتكون الافاضة في الحجّ الابراهيمي من عرفة بعد الغروب ، ومن مزدلفة قبل طلوع الشمس ، خلافاً الحجّ المشركين. وقد أشار أبو ذُؤيب الهُذلي إلى مبيت المشركين في مزدلفة ، وانتقالهم منها إلى منى في شعر له وصف به حاجّاً مشركاً أدّى أعماله متعجّلاً ليشتري العسل، إذ قال :

فَباتَ بجمح ثم تمّ إلى منىً
فأصبح رادّاً يبتغي المزج بالسِّحل، (29)  

إنّ التاريخ لا يحدّثنا بشيء عن سبب الاسراع في العبور من مزدلفة إلى محلّ الهدي بمنى، لكنّ بالإمكان الحدس بأنّه كان للحصول على مكان مناسب ، أو للتعجيل في الهدي . وفي المزدلفة أيضاً كان الصُوفة يقومون بالإضافة ، التي كانت تتكفّلها أُسر أُخرى من القبائل أيضاً.

موقف منى :

مکه

بعد وصولهم منى ينحر المشركون الهدي ، ويستمر ذلك من الصباح حتى الغروب . وكانوا يرمون الحجارة في مكانين خاصّين هما المُحصَّب والجمار، كي لا يمكن لأهل مكة أن يزرعوا شيئاً فيهما، ومعلوم أنّ هذه الأحجار يجب أن تكون كبيرة لتجعل الأرض غير صالحة للزراعة تماماً، فهي تتفاوت مع الأحجار الصغيرة التي تستعمل في الحجّ الابراهيمي لرمي الجَمَرات.  يبدو أنّ أهل الجاهلية يخرجون من الإحرام بعد النحر والرمي في منى، وهذا المفهوم يُستفاد من شعر نقله الجاحظ في كتاب الحيوان لعبدالله بن العَجْلان. بعد النحر يتوجّه المشركون إلى الرمي ، إلاّ أنّ هذا العمل منوط بإجازة الصوفة الذين يتكفّلون أمر الافاضة من عرفة ومزدلفة ، وأُؤلئك لا يرمون حتّى تتقرب الشمس من الغروب ، (30). ثمّة شعر في كتاب المفَضّليّات عن الشنفري الشاعر الجاهلي الصعلوك ، وردت فيه كلمة الجمار:

قتلنا قتيلاً مُهْدياً بِمُلَبِّد
جمار منىً وسط الحجيج المُصَوِّت، (31) 

بعد الفراغ من الرمي ، يحبسون الحجاج في العقبة ، ولا يسمح لأحد بالحركة حتّى يعبر الصُوفة ، الذين بعبورهم يتحرّك الحجاج بعدهم. وقد بيّن مُرَّة بن خُليف الفهمي، شوق الحجاج للحركة ومنع الصوفة لهم في هذا الشعر :

إذا ما أجازت صُوفةُ النَّقبَ مِنْ مِنى
ولاحَ قتارٌ فوقَه سَفَعُ الدَّم، (32)

تبدأ مراسم الحج ، قبل الغروب من اليوم التاسع من ذي الحجة ، وبعد عرفة ومزدلفة وإشعال النار فوق جبل قزح ، ونحر الهدي ورمي الجمرات ، تنتهي عند الغروب ، أي إنّهم يكونون قد فرغوا من مراسم الحجّ في ليل العاشر من ذي الحجّة ، يبقى دخول مكة والطواف ثم يعود كلّ فرد إلى وطنه بعد أدائهما. وكانت مراسم الحلق والتقصير تتمّ بعد التلبيد، وحسبما أورد صاحب تاج العروس، فقد كان اليمنيون يضعون على شعرهم الملبد الطحين أو مسحوق الحمص والسُّكر، ثمّ يحلقون ، فيتساقط الطحين أو مسحوق الحمص فينتفع به الفقراء ، (33) . ولا بُدّ من معرفة أنّ الحلق والتقصير لا يكونان في منى وحسب، بل وكما قال هشام الكلبي: « كانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بأخذهم من عرب أهل يثرب وغيرها يحجّون ، فيقفون مع الناس المواقف كلّها، ولا يحلقون رؤوسهم . فإذا نفروا أتوه (مَناة)، فحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا ولا يرون لحجّهم ، تماماً إلاّ بذلك »،( 43).

الفوارق والامتيازات :

إذا تمعّنا في مراسم الحجّ الجاهلي من خلال التاريخ والأدب المدوّنين ، وجدنا ثمّة فوارق ناشئة عن شعور بعض القبائل بالفضل على سواها. وتتمثّل هذه الفوارق قبل كلّ شيء في طريقة أداء حجّ المشركين ، الذي فقد طابعه الديني ووحدته ، بسبب تأثير النزعة الاستعلائية للقبائل القوية.  وكان الحجاج في الجاهلية على ثلاثة أقسام :

 1ـ الحُمْس .

2 ـ الحِلِّة .

 3 ـ الطُلْس.

 

1 ـ الحُمْس : كان القرشيون يرون لأنفسهم الأفضلية على سائر العرب ، ولمجاورتهم مكّة كانوا يقولون : « نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ، ولا نعظّم غيرها كما نعظّمها، نحن الحُمْس » ، (35).  يتبيّن من هذا المقطع أن امتياز الحُمْس كان مختصّاً بسكّان الحرم من قريش ، فقد جاء في كتاب المحَبَّر أنّ الحُمْس يطلق على « قريش كلّها، وخزاعة لنزولها مكّة ، ومجاورتها قريشاً »، (36). وقد ذُكر وجهان في المعنى اللغوي لكلمة الحُمْس ، إذ ورد أنّ : « الحُمْس جَمع أحْمَس وحَمِس ، مِن حَمِسَ : أي ، اشتد وصَلُبَ في الدين والقتال، وقيل : إنّهم لقبوا بذلك; لالتجائهم بالحَمْسَاء ، وهي الكعبة ، لأنّ حَجَرَها أبيض إلى السواد » ،(37). و ما أوجده الحُمْس في الحجّ هو ترك الوقوف في عرفة والإفاضة منها إلى المزدلفة ، فهم في الوقت الذي يقرّون فيه بهذه المناسك ، يقولون : نحن أهل الحرم لا ينبغي لنا الخروج من الحرم و تعظيم غيره ،وعندما يقف الحجاج في عرفة ، يقفون هم عند أطراف الحرم ثمّ يذهبون ليلاً إلى المزدلفة . وقد ظلّ هذا الأمر حتّى ظهور الاسلام ، إذ ألغته الآية ( ثم أَفيضُوا من حَيْثُ أفاضَ النّاسُ )، (38) .

ومن جملة الأعمال التي كان على قريش القيام بها رعاية للحُمْس هو أنهم : «لم يطبخوا إقطاً، ولم يدّخروا لبناً، ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى يعافه ، ولم يحركوا شعراً ولا ظفراً، ولا يبتنون في حجّهم شعراً ولا وبراً ولا صوفاً ولا قطناً، ولا يأكلون لحماً، ولا يمسّون دُهناً، ولا يلبسون إلاّ جديداً، ولا يطوفون بالبيت إلاّ في حذائهم وثيابهم ، ولا يمسّون المسجد بأقدامهم تعظيماً لبقعته ، ولا يدخلون البيوت من أبوابها » ، (39) . و قد أشار القرآن إلى هذا الأمر، ونهى عنه في الآية ( ليس البرّ بأن تأتُوا البيوت من ظهورها ولكن البرّ من اتّقى ، وأتوا البيوت من أبوابها )، (40) . و من تقاليد الحُمْس الأُخرى قولهم ، إنّه لا يليق بغير أهل الحرم أن يتناولوا طعام غير الحرم في الحرم ، بل عليهم إذا جاءوا للحج أو العمرة أن يأكلوا من طعام أهل الحرم إمّا من خلال الضيافة أو الشراء، (41). كذلك كان من الواجب على كلّ من أراد الطواف للمرة الأُولى ، أن يطوف بلباس أهل الحرم ، أي الحُمْس ، وإن لم يجد ذلك طاف عريان، ( 42). كذلك إذا تزوّج رجل من نسائهم فإنّ أولاده يكونون من الحُمْس ، ولهذا الأمر بواعث سياسية واقتصادية أيضاً، وقد تفاخر بعض شعراء الجاهلية بذلك.

2 ـ الحلّة : وهم قبائل سكنوا خارج الحرم ، أي في الحلّ ، وعرفوا بالحلة ، وكان الفرق بين أهل الحل وأهل الحرم في أنّ أهل الحل كانوا في أيام الحج يذيبون السمن ، ويأكلون الإقط واللحم ، ويضعون الزيت على أجسامهم ، ويلبسون من الصوف والشعر، ويقيمون في الخيام ، ويؤدّون المناسك بثيابهم ، وبعد الفراغ وعندما يدخلون الكعبة يتصدّقون بنعلهم وثيابهم ، ويستأجرون للطواف الثياب من أهل الحُمْس ، (43) .

3 ـ الطُلْس : قيل إنّهم اليمنيون من أهل حضرموت وعكّ وعجيب وإياد بن نزار، والوجه في تسميتهم هو مجيئهم من مناطق بعيدة، وبالتالي طوافهم بالبيت، وقد غطاهم الغبار44. وكان هؤلاء يماثلون الحلة في الإحرام ، والحُمْس في ارتداء الثياب ودخول البيت ، (45).

العُمْرة :

يأتي أهل الجاهلية من الحُمْس والحلة والطُلْس إلى الكعبة لغير الحجّ أيضاً وذلك لأداء العمرة ، وكانوا يمتنعون عن التلبيد ويحلقون سلفاً خلافاً لما كانوا يفعلونه في الحجّ ، ويعدون أداء العمرة في أشهر الحجّ، ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، من الذنوب التي لا تغتفر، فهم يقولون : «إذا برأ الدبُر وعفا الوَبَر، ودَخَل صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر» ، (46). ولا فرق بين العمرة والحج من حيث الاحرام والطواف ، بيد أنها لا تتضمّن الوقوف في عرفة والمزدلفة ومنى ، ورمي الجمرات.

السقاية والرفادة :

لوقوع مكة في واد غير ذي زرع ، ولشحّة المياه فيها، فإن سعي القرشيين الرئيس في أيام الحج كان منصباً على توفير الماء للحجيج ، وقد سمي هذا العمل بالسقاية . وقيل إنّ أول من سقى الحجيج هو قصي. و المشكلة الثانية في هذه الأيام بعد إيصال الماء هي الإطعام ، وقد سمّي هذا العمل بالرفادة . وقيل إنّ أول من قام به هو قصي أيضا ، (47) . وقد بقي هذا العمل لأولاد قصي ، إذ تكفّل به من بعده هاشم بن عبد مناف ، ثمّ ابنه عبدالمطلب، ثمّ أبوطالب الذي عصر ظهور الاسلام. وقد شارك في هذا العمل أشخاص آخرون من غير هذه الأسرة ، مثل عدي بن نوفل الذي عاصر عبدالمطلب، وكان يسقي الحجيج في الصفا والمروة لبناً وعسلاً ،(48).

الطواف و التلبية :

مکه

إنّ ما يسترعي الاهتمام وتتّضح فيه هوية الحجّ الجاهلي الحقيقية ، هو محتوى التلبيات وارتباطها بالاصنام ، إذ لم يكن من حجهم بكل مظاهره غير حركات عابثة وأفعال لا معنى لها. فأعمال الحج في واقعها رموز إلهية بروح توحيدية جاءت من الخليل محطم الأصنام ، وأدت الغفلة عنها، والغربة عن أسرارها ورموزها، وعدم فراغ القلب من سوى المطلوب ، والدوران دون حضور القلب ، إلى الخسران. والأهم من كلّ ذلك هو الربط بين تلك الرموز والشعائر، في تلك المواقف والمناسك ، وبين العالم الخارجي الذي سيواجهه الحاج في الحج الابراهيمي ، العالم الذي يحب أن يحياه ديناً وقلباً ودنياً وفق نهج إبراهيم(عليه السلام) ومحمّد(صلى الله عليه وآله) أي وفق الاسلام، وبالجمع بين هذه الثلاثة يكون قد سلك النهج الذي أطلقه الخليل(عليه السلام) والحبيب(صلى الله عليه وآله).

كان حج المشركين حجاً جاهلياً، إذ كانوا يتوجهون بعد وصولهم مكة إلى الأصنام يظهرون لها خضوعهم ، وفي عرفة والمزدلفة ومنى كانوا دائماً بذكرها أو بجوارها، ففي منى وضعت سبعة أصنام بالقرب من الجمرات الثلاث ليعظمها الحجيج بعدها، وكان مكان الأضاحي (الهدي) في منى مليئاً بالأنصاب، إذ كان المشركون يمسحونها بدماء الأضاحي. جاء في سيرة ابن هشام نقلاً عن معاوية بن زهير :

فأُقسم بالذي قد كان رَبِّي
وأنصاب لدى الجمرات مُغرِ(49)

 و بعد انتهاء الحج كانوا ينشرون لباس الاحرام حول الأصنام. إنّ ما يتحصّل من الأشعار والآثار الجاهلية والباقية ، هو أن أداء المناسك كان يترافق مع التلبية بصوت عال ، وتجدر الاشارة إلى أنّه لم يكن ثمّة وجود للتلبية المختصة بحج إبراهيم(عليه السلام) والتي مفادها : لبيك اللّهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك ، بل إنّهم غيروا التلبية لتتوافق مع عقيدة الشرك لديهم ، إذ كانت كالآتي : لبيك اللهم لبيك ! لبيك لا شريك لك ! إلاّ شريكُ هو لك ! تملكُهُ وما مَلَكْ! ، (50) .

و يظهر في هذه التلبية الاعتقاد بالشريك ، وقد كشف القرآن الكريم عن عقيدتهم المشركة في قوله تعالى: ( وَ مَا يُؤْمِنُ اَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) ، (51). وقد اعتبر ابن الكلبي أنّ هذه التلبية مختصة بنزار، بينما رأى ابن اسحاق وابن حبيب أنّها مختصة بقريش ، وقال الأزرقي : إنّها متعلقة بكلّ المشركين ، وممّا لا شكّ فيه أنّ التلبية التي يؤديها أهل الحرم يمكن أداؤها من قبل أهل الحل.

ونقل اليعقوبي والأزرقي ، أنّ كل قبيلة كانت أثناء الحج تهلل حول صنمها حتى تصل مكّة ، «ذلك أنّ عبّاد كلّ صنم كانوا إذا أرادوا الحج ، اِنطلقوا إليه ، وأهّلوا عنده ، ورفعوا أصواتهم» ، (52)، وكذلك : «إذا أرادت حجّ البيت وقفت كلّ قبيلة عند صنمها، وصلّوا عنده» ،(53).

وكان لعبّاد كل صنم من القبائل المختلفة تلبيات خاصة ، ومن بين هذه الأصنام كان لكلّ من اللاّت، والعُزّى، ومناة، وهُبَل، وذو خَلَصَة، وذو كفين، وجهار، وذُرَيح، وذولبّا، وسعيدة، وشَمُس، ومُحرِّق، ومَرْحِب، ونَسْر، ويعوق، ووَدّ، ويغوث تلبية خاصة به ، وهي مذكورة في المصادر التاريخية ، وقد أحجمنا عن إيرادها مراعاة للاختصار. وعدا هذه الأصنام ، كان لقبائل كنانة، وثقيف، وهُذيل، وبجيلة، وجُذام، وعكّ، وأشعر، وربيعة، وقيس، وعيلان، وبني أسد، وتميم، ومذحج، وهَمْدان، وبكر بن وائل، وبني معدّ، وبني نَمر أصنامهم ، ولها تلبيات خاصة أيضاً. وكانوا يصفقون ويصفّرون لدى ترديدهم التلبية.

يمكن القول : إنّ الحج الجاهلي كان مزيجاً من الشرك والتفاخر القبلي ، والأغراض التجارية والأهداف السياسية والقومية ، لذلك سعت كلّ قبيلة أثناء الطواف لاستعراض مظاهر هذا المزيج غير المتجانس من خلال رفع الأصوات. و قد عبّر القرآن الكريم عن حركة المشركين هذه لدى الطواف بقوله تعالى : ( و َمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلاّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً )، ( 54) . وبعد منى كان المشركون يتوجّهون إلى مكة إذ يبقون فيها ثلاثة أيام ، تسمى بأيام التشريق ، وقد ذكروا أقوالاً في وجه تسميتها: منها طبخ لحم الأضاحي بأشعة الشمس ، ومنها نحر الأضاحي عند طلوع الشمس ، وكانوا يهتمّون بهذه الأيام، لكنها لم تكن من أركان الحج الأساسية.

كان على غير أهل الحُمْس ، أثناء الطواف إما أن يرتدوا ثياباً استعاروها أو استأجروها، وإما أن يطوفوا عراة ، وهذا يتعلق بمن يأتي إلى الحج للمرّة الاُولى. و كان أهل الحلّ يتركون ثيابهم بعد الطواف في محل قرب مكة ، ولا يحق لهم ارتداؤها مرّة أُخرى ، وتسمى هذه الثياب لَقّى (55)، إذ لا يمكن الاستفادة منها بسبب تعرضها لأشعة الشمس وتغيرات الجو ورثاثتها.  كان الطواف حول البيت، دون ثياب أمراً دارجاً وكان يطال حتّى النساء.

فقد نقل أنّ امرأة جميلة لم تجد ثياباً فاضطرت إلى الطواف عارية ، ممّا دفع جمعاً كثيراً إلى الاحتشاد لمشاهدتها. ونقل أيضاً أنّ بعض المشركين كانوا ينتهزون هذه الأيام ، فيتحلقون حول الكعبة لرؤية هكذا مشاهد، وكان خُفاف بن نُدبة يسعى لرؤية عشيقته ، وكما قال فإنه استطاع أن يراها عارية في هذه الأيام ، إذ جاء عنه :

وأبدى شهور الحج منها محاسناً
ووجها متى يحلل له الطبيب يُشرق، (56)

و يجب البحث عن جذور هذا الطواف في مصالح الحُمْس الذين سعوا عبر إيجار الثياب ولمرة واحدة ، أن يضمنوا لأنفسهم مصدراً مالياً، وكان أهل الحل في بعض الأحيان لا يستجيبون لهذا الأمر، إذ كانوا فقراء معدمين من جهة ، وكانوا يرفضون الخضوع لامتياز قريش وقراراتها الاستعلائية من جهة ثانية ، ولمّا كان الغرض من الحج ترسيخ التقاليد القبلية والجاهلية ، فقد كانوا مستعدين لأن تطوف حتى نساؤهم عاريات. وحسبما نقل ابن كثير فإنّ الآية نزلت للحيلولة دون هذا العمل (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، (57) . و وضعوا إساف ونائلة قرب الكعبة ، الأولى بجوارها، واْلأُخرى عند زمزم ، وعلى الحاج أن يبدأ طوافه أوّلاً من إساف وبعد أن يستلم الحجر الأسود ويختم طوافه ، يستلم الحجر الأسود مرة ثانية ، وبعد ذلك ينتهي طوافه باستلام نائلة. وحسب تقاليد المشركين لم يكن طواف الحج والعمرة تعبّدياً دائماً، إنّما كان أحياناً للتعبير عن الغضب والشرّ وإشهاد البيت على ظلم الأعداء.

« نقل أنّ أبا جُندب بن مُرّة القِرْديّ كان له جار من خُزاعة اسمه خاطم ، فقتله زهير اللحياني وقتلوا امرأته ، فلمّا برأ أبو جندب من مرضه خرج من أهله حتّى قدم مكّة ، فاستلم الركن وكشف عن إسته وطاف ، فعرف النّاس أنّه يريد شرّاً » ،(58). كان السعي بين الصفا والمروة جزءاً من الطواف عند الحُمْس وربما عند غيرهم ، ولكن لم يؤده جميع المشركين.  وكان السعي بين الصفا والمروة من شعائر الخليل(عليه السلام) إلاّ أنّه ترك ومسخ ، وبعد ظهور الاسلام وفتح مكّة أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأدائه إذ قال تعالى:

(إنّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بهمَا)، (59).

---------------------------------------------

الهوامش :

1 ـ الوثنية في الأدبَ الجاهل ، الدكتور عبد الغني زيتوني : 273.

2 ـ الحج : 2627.

3 ـ تاريخ العرب قبل العروبة الصّريحة في جزيرة العرب ، محمّد عزة دروزة : 115116.

Booth. the historical library of diodorus the sicilian P.105- 4

5 ـ تاريخ العرب في الاسلام : 45 47.

6 ـ نفس المصدر : 47 48.

7 ـ تاريخ الجاهلية ، الدكتور عمر فرّوخ : 109.

8 ـ الشورى : 7.

9 ـ محمّد : 13.

10 ـ الزخرف : 31.

Encyclopaedia of religion and ethics. by Hasting Vol.8,p. 115 - 11

12 ـ مروج الذهب 2 : 164.

13 ـ تاريخ العرب في الاسلام : 48 49.

14 ـ القبرة : 144.

15 ـ كتاب الأصنام ، ابو منذر هشام بن محمّد الكلبي : 6.

16 ـ نفس المصدر.

17 ـ نفس المصدر.

18 ـ الوثنية في الأدب الجاهلي : 282 284 واسواق العرب في الجاهلية والاسلام ، سعيد الافغاني : 249 250.

19 ـ البيان والتبيين ، الجاحظ 3 : 95.

20 ـ ديوان أمية بن أبي الصلت : الدكتور عبد الحفيظ السطلي : 518.

21 ـ في طريق الميثيولوجيا عند العرب ، محمّد سليم الحوت : 150.

22 ـ معجم البلدان 4: 117.

Encyc lopaedia of islam vol 3.P.32 - 23

24 ـ الوثنية في الادب العربي : 287.

25 ـ نفس المصدر : 289.

26 ـ السيرة النبوية لابن هشام 1 : 119.

27 ـ صحيح البخاري 4 : 201.

28 ـ أخبار مكة 2: 154.

29 ـ الوثنية في الادب الجاهلي : 293.

30 ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 120.

31 ـ المفضليات ، الضّبي : 111.

32 ـ معجم الشعراء ، المرزباني : 294.

33 ـ تاريخ العروس 3: 486.

34 ـ كتاب الاصنام : 14.

35 ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 199.

36 ـ المحبّر، ابن حبيب : 178.

37 ـ القاموس المحيط ، مادة حمس.

38 ـ البقرة : 199.

39 ـ المحبّر : 180 والسيرة النبوية لابن هشام 1: 202.

40 ـ البقرة : 189.

41 ـ الوثنية في الأدب الجاهلي : 304 305.

42 ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 202.

43 ـ المحبّر : 180.

44 ـ الوثنية في الأدب الجاهلي : 308.

45 ـ المحبّر : 181.

46 ـ صحيح البخاري 2: 170 175.

47 ـ الوثنية في الادب الجاهلي : 313، نقلاً عن أخبار مكة.

48 ـ نفس المصدر : 315.

49 ـ نفس المصدر : 319 وthe life of muhammad, A. H. SIDDIGHI p.31

50 ـ كتاب الاصنام : 7.

51 ـ يوسف : 106.

52 ـ أخبار مكة ، الأزرقي 1: 75.

53 ـ تاريخ اليعقوبي 1: 296.

54 ـ الانفال : 35.

55 ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 202.

56 ـ الوثنية في الأدب العربي 239 ـ 240.

57 ـ الاعراف : 30.

58 ـ خزانة الأدب ، البغدادي 1: 292.

59 ـ البقرة : 158.

المصادر

أخبار مكّة ، الأزرقي (مكّة مكرّمة ، الماجدية ، 1352).

أسواق العرب في الجاهلية والإسلام ، سعيد الأفغاني (دمشق ، 1927) .

البيان والتّبيين، ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، تحقيق وشرح عبد السّلام محمد هارون (بيروت ، دار الفكر، 1410) .

تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد بن مرتضى الزّبيدي (بيروت ، دار مكتبة الحياة ، بدون تاريخ) .

تاريخ الجاهليّة ، الدكتور عمر فرّوخ (بيروت ، دار العلم للملايين ، 1984) .

تاريخ العرب في الإسلام ، الدكتور جواد عليّ (بيروت ، دار الحداثة ، 1984) .

تاريخ العرب قبل العروبة الصّريحة في جزيرة العرب ، محمّد عَزّة دَرْوَزَة (صيدا، المكتبة العصرية للطّباعة والنّشر، 1376) .

تاريخ اليعقوبي ، ابن واضح اليعقوبي (بيروت ، دار العراق ، 1900) ..

خزانة الأدب ولُبّ لُباب لسان العرب ، عبد القادر بن عمر البغدادي ، تحقيق وشرح ، عبدالسّلام محمد هارون (القاهرة ، مكتبة الخانجي ، 1409) .

ديوان أمية بن أبي الصلّت ، جمع وتحقيق ودراسة ، الدكتور عبد الحفيظ السطلي (دمشق ، مكتبة أطلس ، 1977) .

السّيرة النّبوية ، لإبن هشام ، تحيق ، مصطفى السقا ، ابراهيم الأبياري ، عبد الحفيظ شلبي ( القاهرة ، البابي الحلبي ، 1955) .

صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل (القاهرة ، مطابع دار الشعب ، 1378) .

في طريق الميثولوجيا عند العرب ، محمود سليم الحوت (بيروت ، دار النّهار للنشر، 1983) .

القاموس المحيط ، الفيروز آبادي (بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1406) .

كتاب الأصنام ، أبو منذر هشام بن محمّد الكلبي ، تحقيق ، أحمد زكي باشا (القاهرة ، دار الكتب المصرية ، 1924)

المُحَبَّر، أبو جعفر محمّد بن حبيب ، تصحيح ، الدكتورة إيلزه ليختن شتيتر (بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، بدون تاريخ )

مُروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي ، تحقيق وتصحيح ، شارل پلاّ (بيروت ، منشورات الجامعة اللبنانية ، 1965)

معجم البلدان ، ياقوت الحَموي ، تحقيق فريد عبد العزيز الجُندي (بيروت دار الكتب العلمية ، 1410) .

معجم الشّعراء ، المرزباني ، أبو عبيدالله محمّد بن عمران ، تحقيق ، عبد الستار أحمد فراج (دمشق ، مكتبة النوري ، بدون تاريخ ) .

المفضّليّات ، المفضّل الضّبّي ، تحقيق وشرح ، أحمد محمد شاكر، عبد السلام هارون (القاهرة ، دار المعارف ، 1976) .

الوثنية في الأدب العربي ، الدكتور عبد الغني زيتوني (دمشق ، وزارة الثقافة 1987) .

Encyclopaedia of Islam (Leiden E.j.Brill,1986)

Encyclopaediaof neligion and ethics by James Hasting

(Edinburgh, T.&T.cIark, 1980)

The life of Muhammad, Abdulhamid Seddiqui

(Islamic Publication Limited Pakistan, 1981).

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)