لابد أن تفرح!
إن المتأمل ليعجب من الطريقة التي يسيّـر بها ديننا الإسلامي الحنيف حياتنا وسلوكياتنا وعلاقتنا وجميع أمور حياتنا، فالأمس كان صياما إلزاميا لا يمكن الإفطار به إلا بعذرٍ شرعي، واليوم إفطار إلزامي يحرم فيه الصيام! عجيب فعلاً هذا النظام الصارم الذي لا يقبل الاجتهاد، وفي الوقت نفسه يعطي فسحة لمن لا يستطيع الصيام أن يعوضه بيومٍ آخر، أما يوم العيد فلا مجال فيه للمساومة والاجتهاد والأمور واضحة.
ولكن لمَ لا نفكر في الأسباب الداعية إلى ذلك؟ ولماذا كان الأمس نقيض اليوم من حيث التشريع؟ ولماذا يختلف عنه؟ ربما لو سألت فناناً تشكيلياً أو مصمماً لقال لك: ضع هذه اللون هنا ولا تضع نفس اللون في المكان المجاور له؛ لأن اللون سوف يفقد قيمته ويضيع، ولابد من وجود ألوان أخرى يبرز بعضها بعضاً ويحدث بينها تمازج فتعطي المكان شكلاً مختلفاً ورونقاً جميلاً.
وهذا ما سيلاحظه من يتأمل في يوم العيد؛ فهو أشبه ما يكون بحرف أو حافة أو بروز وسط مكان مطلي بلون واحد، وحين تطلي ذاك البروز بلون آخر يعطيك منظراً خلاباً يسبي الألباب، ويظهر بين اللونين تمازجٌ فريد، ويساعد كلٌ منهما الآخر في البروز. ولو ألغيت أحد اللونين، أو طليت المكان باللون نفسه لافتقد المكان جماله.
وهذا بالضبط ما سيحدث لو صمنا يوم العيد، حيث ستختفي قيمة اللوحة الرمضانية المجملة بنقش العيد الذي يعطيها جاذبية وقيمة فنية عالية، تشعر من يشاهدها بمهارة وإبداع من رسمها وأبرزها في هذه الصورة. ولو صمنا هذا اليوم لكان ذلك سبباً في فقدان هذا اليوم قيمته؛ لأنه امتزج بما قبله ولم يختلف عنه ليعطي المشاهد فكرة واضحة عن الأبعاد الحقيقية للصورة وحدودها الفعلية التي تنتهي إليها.
والفكرة هنا لا تقتصر على الإمساك عن الصيام، بل تتعداه إلى ما هو أعمق وأكبر وأوسع من المعاني العظيمة التي لا يمكن حصرها، وعلى رأسها بالطبع إظهار الفرح والأنس، وأنه أحد جوانب هذا الدين العظيم، وكأن الشارع يقول لنا: لابد أن تفرحوا بعد إتمامكم لشهر الصوم وإحيائكم ليله بالقيام، وحرصكم على اغتنام ما فيه من فرص، خاصة ليلة القدر التي ستشهد لكم وقد أوجبت عليكم أن تفرحوا؛ لأني أعددت لكم من الأجر والمثوبة التي لو علمتم قدرها لما أهمكم أمرٌ بعدها، وما هذا اليوم إلا رمزا بسيطا للفرح الأبدي ـ بإذن الله - فأنتم حرمتم أنفسكم وهجرتم ما تحبون من أجلي، فها هي رحماتي تتنزل عليكم وأمنعكم في هذا اليوم من أن تحرموا أنفسكم من أي شيء أبحته لكم.
وحتى وسط ما نحن فيه من ذلٍ وانكسار وهوان وحروب وصراعات، إلا أنه يحق لنا أن نفرح ونسر بهذا اليوم الذي شرعه لنا ربنا رحمة بنا وكناية عن رضاه عنا، وإننا والله لو عشنا هذا اليوم واستشعرنا عظمته لكان ذلك كافياً لأن يخرجنا مما نحس به من غم وحزن وقنوط على أحوال أمتنا، فمن صير حالنا من صيام إلى إفطار، قادر بحوله وقوته على تبديل حالنا من ضعف إلى قوة ومن ذلٍ إلى عزة.
ولكن كما أننا حين أقبل الشهر الفضيل استعدينا له بالجملة، واستعددنا لكل يوم فيه وتهيأنا لكل عبادة قمنا بها وبعد ذلك سألنا الله المعونة. فالعزة والقوة واستعادة السيادة تحتاج كلها لأشخاص يفكرون بهذه الطريقة، ويعلمون أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإن نحن أخذنا بأسباب النصر والتمكين أقسم أن الله لن يخذلنا، وإني على يقين أني لن أحنث في قسمي!
وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.
كيف نفرح بالعيد؟
معاني العيـد أسرار وأسرار
خطبه اميرالمومنين على بن ابى طالب عليه السلام يوم الفطر
صلاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) لعيد الفطر
كيف ييأس منك الشيطان؟