الشيعة عبر القرون
لا نريد في هذا المقال أن نثبت أفضلية الشيعة ، أو فضلهم بكثرة عددهم وانتشارهم في البلدان وأكثريتهم في بعضها ، لأن الكثرة لا تكشف عن الحق ، والقِلَّة لا تدل على الضلال ، وقديماً قيل : ( إن الكِرَام قليل ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي يدور الحق معه كيفما دار : ( لا تزيدني كثرة الناس حولي عِزَّة ، ولا تَفَرُّقُهُم عنِّي وَحشة ) ، ولو كانت الكثرة تغني عن الحق شيئاً لكانت الطوائف غير الإسلامية أفضل ديناً ، وأصح عقيدة من المسلمين .
وإنما الغرض الأول أن نثبت أن الشيعة كسائر الفرق والطوائف التي لها كيانها وتأثيرها ، فإن الذين يتجاهلون وجود الشيعة وينظرون إليها كفئة قليلة يمكن استئصالها ، هم في الحقيقة بعيدون عن الواقع كل البعد ، ولا يعبرون إلا عن رغباتهم وأحلامهم . لإن القضاء على الشيعة لن يكون إلا بالقضاء على جميع المسلمين ، ولن يكون ذلك حتى لا يبقى على وجه الأرض ديار .
لمحة تاريخية :
كانت الدول فيما مضى - شرقية كانت أم غربية - تقوم على أساس الدين ، فتخوِّل لنفسها حق التدخل في شؤون الإنسان الداخلية والخارجية ، لأنها نائبة عن الله ، ومن هنا كانت تعامل الناس على أساس أديانهم ومعتقداتهم ، لا على المؤهلات العلمية والخلقية .
فتحب أبناء دينها ، وتضطهد الآخرين ، أو تتجاهل وجودهم كرعايا ومواطنين ، ومن هنا كان التفاوت في عدد الشيعة والسنة قلة وكثرة حسب الدول القائمة الحاكمة ديناً ومذهباً .
ففي عهد الأمويين والعباسيين كان السنة أكثر عدداً من الشيعة ، وفي عهد البويهيين والفاطميين كانت الكثرة في جانب الشيعة ، وفي عهد السلجوقيين والأيوبيين والعثمانيين ازداد عدد السنة حتى أصبحوا على تعاقب الأجيال والقرون أضعاف عدد الشيعة .
والغريب حقاً أن يكون للشيعة هذا العدد بعد أن ظلوا هدفاً لاضطهاد الحكومات مئات السنين ، وتعرضوا لموجات من تعصب السنة في كثير من البلدان والأزمان ، ومن أراد التوسع في هذا المجال فعليه مراجعة كتاب ( الشيعة والحاكمون ) لمؤلفه الشيخ محمد جواد مَغنِيَّة .
من بلدان الشيعة :
الأولى : العراق : ونسبة الشيعة فيها إلى مجموع السكان أكثر من 65% ، ينتشرون في وسط وجنوب البلاد .
الثانية : إيران : ونسبة الشيعة فيها 91% ، أي أن معظم السكان هم من الشيعة .
الثالثة : آذربايجان : وهي بلد تقع في قارة آسيا ، وعاصمتها ( باكو ) ، ونسبة الشيعة فيها أكثر من 70% .
الرابعة : أندنوسيا : وهي بلد تقع في جنوب شرق قارة أسيا ، وفيها أكثر من مليون شيعي .
الخامسة : البرازيل : وهي بلد تقع في وسط قارة أمريكا الجنوبية ، ونسبة الشيعة فيها أكثر من 40% من نسبة المسلمين في البلاد ، ففيها أكثر من مليون شيعي .
السادسة : باكستان : وهي بلد تقع في قارة أسيا ، وفيها من الشيعة ما يعادل ربع سكان البلاد البالغ عددهم ( 150 ) مليون نسمة ، أي أن فيها أكثر من ( 35 ) مليون شيعي ، وينتشرون في شمال البلاد .
السابعة : تنزانيا : وهي بلد تقع في جنوب شرق أفريقيا ، ونسبة الشيعة فيها أكثر من 10% من نسبة المسلمين في البلاد ، أما نفوس البلاد فقد بلغ أكثر من ( 30 ) مليون نسمة .
الثامنة : زائير : وهي بلد تقع في وسط قارة أفريقيا ، وتقدَّر نسبة الشيعة فيها بـ20% من نسبة المسلمين في البلاد ، أما نفوس البلاد فهي ( 50 ) مليون نسمة .
التاسعة : غانا : وهي بلد تقع في غرب قارة أفريقيا ، وفيها حوالي مليون شيعي ، أما نفوس البلاد فهي ( 20 ) مليون نسمة .
العاشرة : غينيا : وهي بلد تقع في قارة أفريقيا ، ونسبة الشيعة فيها 5% من نسبة السكان ، أما نفوس البلاد فهي ( 10 ) ملايين نسمة .
الحادية عشرة : اليمن : وهي بلد تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ، ونفوس سكان البلاد هي ( 19 ) مليون نسمة ، ونسبة الشيعة فيها هي : الشيعة الزيدية 28% من السكان ، والشيعة الإسماعيلية 5% من السكان ، والشيعة الإمامية 2% من السكان ، وينتشرون في مدينتي ( عدن ) و ( صنعاء ) .
وهناك بلدان أخرى لا تتوفر لدينا إحصائيات دقيقة عنها ، مثل : أفغانستان ، أوغندا ، بنغلادش ، ساحل العاج ، تونس ، البحرين ، السعودية ، الكويت ، قطر ، الإمارات ، لبنان ، سوريا ، عمان ، الصين ، روسيا ، الهند ، ليبيا ، وغيرها من البلدان التي فيها أعداد هائلة من الشيعة .
وأخيراً :
نختم كلامنا بما ذكره الشيخ أبو زهرة – وهو أحد علماء السنة المعاصرين – في آخر كتابه ( الإمام الصادق ) بعنوان : ( نمو المذهب الجعفري ومرونته ) ، حيث قال : لقد نما هذا المذهب وانتشر لأسباب :
الأول : إن باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة ، وهذا يفتح باب الدراسة لكل المشاكل الاجتماعية ، والاقتصادية ، والنفسية .
الثاني : كثرة الأقوال في المذهب - أي في المسائل الفقهية النظرية - ، واتِّسَاع الصدر للاختلاف ما دام كل مجتهد يلتزم المنهاج المسنون ، ويطلب الغاية التي يتغياها من يريد مَحص الشرع الإسلامي خالطاً غير مشوب بأية شائبة من هوى .
الثالث : إن المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات ، حيث أوروبا وما حولها ، وتفريق الأقاليم التي تتباين عاداتهم وتفكيرهم وبيئاتهم الطبيعية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والنفسية .
إن هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الأرضين المختلفة الألوان ، يحمل في سيره ألوانها واشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته .
الشيعة بين الجَبر و الاختيار
الشيعة وإحياؤهم ليوم عاشوراء