• عدد المراجعات :
  • 5961
  • 6/27/2007
  • تاريخ :

تفاءل.. لكن بشروط

تفاءل

لن يستطيع أي إنسان مهما كانت قدراته ومهاراته أن يحقق طموحاته دون أن يكون متفائلاً تفاؤلاً جاداً قويماً يخلصه من الأفكار السوداء، ويوجهه نحو العمل الإيجابي المثير والتطلع الأفضل لغد مشرق.

فالتفاؤل لا يكون سليماً ولا مجدياً إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون صاحبه عارفاً أتم المعرفة بنفسه وإمكاناته، واعياً أدق الوعي لموقفه العام، وجاء في الحديث النبوي: "تفاءلوا بالخير تجدوه" والتفاؤل بالخير يقضي إذا اتبع بالعمل والنضال والكفاح من أجل تحقيق الغايات المرجوة.

عليك إذن – أخي القارئ – أن تكون متفائلاً طالما اتخذت الطموح طريقاً والتميز وسيلة، وهو واجب يجب أن تؤديه بنفسك نحو نفسك، ولا يمكن أن يؤديه أحد بالنيابة عنك، ولتكن مصغياً لقول رسول الله(ص): "بشّروا ولا تنفّروا".

والتفاؤل أنواع: فهناك التفاؤل الغافل اللاهي الذي يكون إلى الخيال أقرب منه للواقع، وهناك التفاؤل الجاد القويم الذي يحمل صاحبه على النظرة الجادة الواقعية، وهو ليس عاطفة بدائية أو حالة نفسية أو أوتيها بعض المحظوظين، وإنما هو موقف عقلي يختاره الانسان بإرادته وهو يتمثل أول ما يتمثل في فحص المشاكل التي تقع أو تعرض وتدميرها من جميع وجوهها واستقرائها بكل هدوء وتجرد.

فكن ذلك المتفائل الجاد الذي يزن كل شيء بدقة ويلاحظ الضرر كما يلاحظ النفع، ويبصر الحسنة كما يبصر السيئة، ويستخلص – دوماً – أفضل فائدة وأجملها من المواقف التي تضعه الظروف فيها، حتى إذ رسم خط سلوكه، ثبت فيه دون تردد أو تخاذل، وسار عليه والابتسامة فوق شفتيه.

كن يا صديقي، ذلك المتفائل الواعي الذي لا يخرج عن كونه انساناً بين الناس، ويمر في هذه الدنيا بالصدمات القاسية، والأزمات الشديدية في العمل من سوء معاملة ودسائس ويكاد يقع في حبالها ولم يحسب لها حساب، وعداوات وخيانات وصراعات.

وتذكر – دائماً – أنه لا يوجد انسان لم يتعرض لذلك وعاش حياة كلها راحة وهدوء، وكن لاعباً ماهراً بأفضل الأوراق لديك، بكل هدوء، معالجاً ما يمكن علاجه، متواصلاً من خلالها إلى تعديل موقفك، وتمكينك من كل فرصة ممكنة، متحملاً كل ما يواجهك بالصبر والأمل في غد أفضل.

وأثبت علماء النفس التحليلي تخلي الإنسان عن التفاؤل والوقوع في براثن التشاؤم، كثيراً ما يعود إلى الغلو في الحساسية أو المبالغة غير المعقولة من الوقائع والأحداث، ويجعل للحوادث التافهة البسيطة أهمية لا تستحقها، ويكون صداها في نفس الانسان الحساس أضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية.

كما ان ضعف الإرادة سبب أصيل من أسباب التشاؤم، فالانسان المتشائم كائن خسر إرادته، وليست مظاهر الفقر، وهو أكبر عامل اجتماعي يساعد على نشر التشاؤم إلا تعبيراً عن ضعف الإرادة، والجهل بوسائل الإنتاج وقصور في استخدام الوسائل التي ترفع المستوى الاقتنصادي، والإنسياق مع الخمول والكآبة والأوهام السائدة لدى المتشائمين.

وما دام النجاح هدفنا، والتميز طريقنا، فإن الذي نستهدفه لا يقتصر على بعث التفاؤل في النفس بمقدار ما نريد من مقاومة التشاؤم الذي هو نتاج لذهن متشتت، وإرادة خائرة، وهو ما لا يصح السكوت عليه بأي حال من الأحوال، أو بأي شكل من الأشكال لأنه يئول بصاحبه إلى تثبيط الهمم والتخاذل وقت الطموح والنجاح.

والحياة ليست بستان زهور خالصة، بل إن الشوك فيها إلى جانب الزهر والمر فيها إلى جانب الحلو.

والمتفائل الجاد لا يبتسم ابستامة نيرة عذبة دوماً عن فرح، وإنما يفرضها على نفسه ويصعد بها إلى شفتيه تصعيداً في الساعات الحرجة بمحض إرادته وقوة جلده، فتنير قسماته هذه علامة استعلاء في روحه وثقة منه بالخير الذي يحققه الجهد والاجتهاد والمثابرة في العمل إلى أن يصل إلى تحقيق نجاحه المرجو والمنشود.

فكن أخي الكريم، ذلك المتفائل الجاد.. والتفاؤل الذي ننشده وندعوك إليه يا صديقي، ليس هبة من هبات النفس البشرية، وإنما هو كالزهرة العطرة اللذيذة يأتي عقب غرس في الذهن والقلب والروح وتعهد مستمر دائب، ورعاية منهجية دائمة، وعناية متواصلة، وهو بكل المقاييس نتاج الجد والاجتهاد والتعب في سبييل اصلاح النفس وتنوير العقل وبناء الشخصية.

ومَن أراد تحصيل ذلك التفاؤل، وجب عليه أن يبذل الجهود التي يتطلبها التعود على ذلك التفاؤل، وأن يمتللك الإرادة التي تقاوم الانطباعات والانفعالات العاطفية وتفرض على صاحبها الحزن والشدة وامتلاك الأعصاب، والمثابرة على العمل والجلد في مقاومة الصعاب، والابتسام الهادئ الرصين في معالجة المشاكل.. إنها سمات المتفائل الجاد حتى من أشد المواقف وأصعبها.

والتفاؤل - حقاً - طريقك للنجاح والتميز، لأن المتفائل الجاد الواعي لا يعرف الرأس الدفين، ويحتفظ دائماً وأبداً بالصحو في نفسيته والصفاء في ذهنه، لذا تجده حراً في إشغال ملكاته العقلية وتمرينها، فلا يعوقه عن توثبه وانطلاقه عائق أخلاقي أو معنوي، فتراه – دائماً – على أتم الاستعداد لإحراز النجاح تلو النجاح.

بالإضافة إلى أهم ميزة يحققها التفاؤل للانسان، وهي التمتع الدائم بصحة جيدة، لأنه يقاوم حالات الإحباط النفسي والتشاؤم، مما يعني – أيضاً – مقاومة للتراخي الصحي وخمول الجسم.

فما أكثر فوائد التفاؤل، فكن متفائلاً واعياً.. وتفاءل دائماً بالخير تجده.

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)