خطبة الإمام علي ( ع ) في النهروان
بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال ( عليه السلام ) :
( أيّها الناس أمّا بعد لم يكن ليفقأها ( الفتنة ) أحد غيري ، ولو لم أك بينكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان ، وأيم الله لولا أن تنكلوا وتدعوا العمل لحدّثتكم بما قضى الله على لسان نبيّكم ( صلّى الله عليه وآله ) لمن قاتلهم مبصراً لضلالتهم عارفاً للهدى الذي نحن عليه ) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) :
( سلوني قبل أن تفقدوني ، إنّي ميّت أو مقتول بل قتلاً ، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم )
، وضرب بيده إلى لحيته ،
( والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها ) .
فقام إليه رجل فقال : حدّثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء ، قال ( عليه السلام ) :
( إنّكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل ، وإذا سئل مسئول فليثبت ، ألا وإن من ورائكم أُموراً أتتكم جللاً مزوجاً ، وبلاء مكلحاً مبلحاً ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إن لو فقدتموني ونزلت كرائة الأُمور وحقائق البلاء ، لقد أطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسئولين ، وذلك إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق ، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل بيتي ، حتّى يفتح الله لبقية الأبرار ، فانصروا قوماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين ، تنصروا وتؤجروا ، ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية ) .
فقام إليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن ، قال ( عليه السلام ) :
( إنّ الفتنة إذا أقبلت شبهت ، وإذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات ، إنّ الفتن تحوم كالرياح ، يصبن بلداً ويخطئن أُخرى ، ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أُمية ، إنّها فتنة عمياء ، مظلمة مطينة ، عمت فتنتها وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي عنها ، يظهر أهل باطلها على أهل حقّها ، حتّى تملأ الأرض عدواناً وظلماً وبدعاً ، ألا وإن أوّل من يضع جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها الله ربّ العالمين .
وأيم الله لتجدن بني أُمية أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضروس ، تعضّ بفيها ، وتخبط بيديها ، وتضرب برجليها ، وتمنع درها ، لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا في مصركم إلاّ تابعاً لهم أو غير ضار ، ولا يزال بلاؤهم بكم ، حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ مثل انتصار العبد من ربّه ، إذا رآه أطاعه ، وإذا توارى عنه شتمه
.
وأيم الله لو فرّقوكم تحت كلّ حجر لجمعكم الله لشرّ يوم لهم ، ألا إنّ من بعدي جماع شتّى ، ألا إنّ قبلتكم واحدة ، وحجّكم واحد ، وعمرتكم واحدة ، والقلوب مختلفة )
، ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض .
فقام رجل إليه فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال ( عليه السلام ) :
( هذا هكذا يقتل هذا هذا ، ويقتل هذا هذا ، قطعاً جاهلية ليس فيها هدى ولا علم يرى ، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة ) .
فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان ؟ قال ( عليه السلام ) :
( انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، فلا تسبقوهم فتصرعكم البلية ) .
فقام رجل آخر فقال : ثمّ ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين ، قال ( عليه السلام ) :
( ثمّ إنّ الله تعالى يفرج الفتن برجل منّا أهل البيت كتفريج الأديم ، بأبي ابن خيرة الإماء ، يسومهم خسفاً ، ويسقيهم بكأس مصبرة ، فلا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً هرجا ، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، ودّت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها ، لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض الذي يرد عليهم ، حتّى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا ، فيغريه الله ببني أُمية فيجعلهم ( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً )) .