سعدي الشيرازي ... شاعر الانسانية
تعددت وكثرت الصلات بين الأدبين العربي و الفارسي بل وأمتزجا ليكونا معا تراثا ضاريا جمع في طياته شتى أنواع الأدب وأجناسه المختلفة فمن المسلم به هو أن الفرس قد أخذوا عن العرب فن الشعر بل وإن الشعر الفارسي قد نشأ في أحضان الشعر العربي الذي كان ديوان لهم ثم قام الفرس بتطويره وتحريره من قيوده التي وضعها العرب له فلذلك لاعجب من أن شاعرا مثل الفردوسي وهو واحد من أهم شعراء الملاحم في التاريخ الانساني ينظم ملحمته الشهيرة «الشاهنامه» في بضع وستين ألف بيت على شكل لمثنوي، يقال عنه في العربية المزدوج، وهو أن يتفق شطري البيت الواحد في القافية دون البيت الذي يليه فهو الأخر يتفق شطريه
وهذا ما افسح المجال لذلك الشاعر العظيم وغيره لتنظيم هذا العدد من الأبيات وما أكثر الشعراء الفرس الذين تعددت قصائدهم وأعمالهم عن ألاف الأبيات مثل حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي والرودكي و... من أهم سمات المزج بين الأدبين العربي والفارسي هو أن كثير من الأدباء كانوا على دراية تامة باللغتين العربية والفارسية بل وإن كثير منهم كانوا مقيمين في البلاد العربية، ولو تم النظر إلى البيئة وحدها لعد من العرب كل العلماء الذين نشأتهم الكوفة والبصرة وبغداد والبلاد العربية كلها وعد سيبوية البصري تلميذا لخليل بن أحمد من العرب ولو تم النظر إلى النسب وحده لعد للعرب كثير من أبنائهم الذين نشأتهم البلاد الفارسية مثل الفجر الرازي ومحمد عوني. إذن هي العلاقات المتشابكة بين الجنسين العربي والفارسي وإن كان الدكتور عبد الوهاب عزام قد أوضح الحقيقة نقض ما قاله ابن خلدون في انقاص حق العرب الظاهر في تلك الحضارة التي أسست على أيديهم وهي الحقيقة التي انكرها ابن خلدون ولكن في بداية تكوين هذه الحضارة لم يكن هناك فرق بين عربي او اعجمي وعجمي هنا فارسي او رومي او حبشي فكلهم مسلمون ولذلك بدء التناقل والامتزاج بين الشعوب وثقافتهم وأدابهم وتلك هي حكمة الأسلام في إحتوائه للجميع.
التعريف بالأدب المقارن:
هناك تعريفان للأدب المقارن وهما التعريف الأمريكي حيث يقول أصحاب المدرسة الأمريكية «أنه البحث والمقارنة بين أصحاب العلاقات المتشابهة بين الأداب المختلفة بعضها والبعض الأخر وبين الأداب وبقية انماط الفكر الأنساني من فنون وعلوم إذ يعتبرون التفكير البشري كلا متكاملا ومتداخلا «بينما يرى أصحاب المدرسة الفرنسية» بأنه العلم الذي يبحث ويقارن بين العلاقات المتشابهة بين الأداب المختلفة في لغات مختلفة «ويعتمد علم الأدب المقارن على دعامتين أساسيتين هما:
1-اختلاف اللغة: فأنه إذا تم عقد موازنة بين شعر أبى العلاء المعري وشعر ابا العتاهية فان هذه الموازنه لن تفيد إلا اللغة العربية فقط او حدثت موازنه بين أدب شكسبير تشارلز ديكنز فهذا لايفيد إلا اللغة والأدب الأنجليزي فقط، ويعارض الأمريكيين هذا الأساس ودليلهم على ذلك هو اختلاف الأدب الأمريكي عن الأدب الأنجليزي مع كونهما كتبوا باللغة الأنجليزية وكذلك الأدب الهندي وبهذا يتضح إن الأمريكان يتحدثون عن ذلك العلم لاظهار أدابهم لتكون لهم استقلالية تامة بعيدة عن الأدب الأنجليزي.
2-الصلات التاريخية: اصحاب المدرسة الفرنسية يعنون عناية بالغة باثبات أن الموضوعات التي تقارن قد قامت بينها صلات تاريخية ونشا عنها نوع من التأثير والتأثر وكذلك إثبات أن الأدبين اللذين يقارن بين إنتجاهما الأدبي قد أتصل أحدهم بالأخر وهذا ما يلقى على عاتق الباحث ضرورة مراعاة الألمام بكافة الظروف التاريجية للعصور التي يتعرض لدراستها.
التعريف بالشاعر:
همه قبله من عالمان دين بودند
مرا علم عشق تو شاعرى أموخت
«لقد كانت قبيلتي كلها من علماء الدين، وانما علمني معلم عشقك قرض الشعر الرصين»
- اختلف الباحثون والدارسون حول تاريخ حياة الشاعر بل حتى في اسمه ويقترن هذا الغموض بعدم تحديد سعدي نفسه عن عمره الحقيقي خلال اشعاره فهو يذكر في الكلستان والبوستان بيتين يتحدث في الأول عن الوصول إلى الخمسين من العمر وفى الأخر عمن وصل إلى السبعين من العمر ومن المعروف إنه قد نظم كلستان ونشره عام 656ه وانه قد سبقه بعام بنشر كتابه بو ستان ويقول في البوستان:
«ألا ايكه عمرت بهفتاد رفت
مكر خفته بودي كه برباد رفت
«يامن بلغت السبعين من عمرك، لعلك كنت نائما، فان العمر ولى بك»
ويقول في الكلستان:
«أيكه ينجاه رفت ودر خوابي
مكر ابن بنج روزه دريابي»
«يامن بلغت الخمسين، ولازلت في نوم، لعلك تدرك هذه الخمسة الباقية من الايام»
وبهذين البيتين يدور الخلاف حول ميلاد الشاعر ولكن البعض يجنح إلى الكلستان لانه نظمه بعض البوستان فمن الممكن ان يكون هو الارجح ويرى الدكتورإبراهيم محمد انه عند نظم الكلستان عام ۶۵۶ه وكان عمره خمسين عاما فمن الممكن أن يكون ولد عام ۶۰۶ ه ويوكد الدكتور محمد موسى هنداوي على ذلك في كتابه سعدي الشيرازي مؤكد على مقولة «ينجاه رفت» أي أن الخمسين قد مضت ويؤكد ميله.
إن الشاعر ولد مابين۵۸۵ ه - ۶۰۶ه اصح الفروض. ويستمر الخلاف في كل ما يدور حول الشاعر من أسمه أهو «مشرف الدين» أم «مصلح الدين» وكذلك حول تخلصه وإلى أي شخص يعود هذا التخلص هل يعود إلى «سعدبن زنكي» أم إلى «سعد بن أبي بكر» وكذلك حول رحلاته والقصص التي رواها في «كلستان» هل هي واقعية أم ماذا وقبل الدخول في هذه الخلافات سنتحدث عن سعدي من خلال ما قاله هو عن نفسه وابيه وامه.
المصدر:الوفاق