تعلّم فن المحادثة
المحادثة فن قائم بذاته.. وهو في ذلك مثل فن الخطابة يحتاج المرء إلى التمرين عليه لاكتسابه.
فما دام لا يوجد فعلاً سبيل للاحتكاك بذهن انسان آخر إلاّ بالكلام، فلابدّ من تحسين هذا السبيل لكي يعطي ثماره.
ولذلك كانت المحادثة بحاجة إلى التمرين الصحيح. حتى لا يأتي النقاش جدالاً، الأمر الذي لا يؤدي إلى أية نتيجة.
إن المحادثة الجيدة بحاجة إلى اللباقة، والالتزام باحترام الرأي الآخر، وتعلم أسلوب الكرّ والفرّ، وحسن التوقيت، وبراعة قولبة الجملة. والابتعاد عن الإهانة والشتم، وعدم رفع الصوت بلا سبب وتجنب تحقير الآخرين.
كما أنها بحاجة إلى معرفة نقاط الاتفاق للانطلاق منها إلى حل نقاط الخلاف.
وفي الحقيقة فإن القدرة على كسب الآخرين أمر مهم جداً. وإن نحن لجأنا إلى أساليب ذوي الإقناع، لاستطعنا شقّ حياتنا اليومية بمقدار أوفر من النجاح.
وفي ما يأتي عرض لبعض الطرق التي تعيننا على أن نكون أكثر إقناعاً في المواقف اليومية:
أولاً ـ إمنح نفسك خير مظهر:
إذا كنت تجمع تواقيع على عريضة، فهل من الضروري أن ترتدي ثياباً أنيقة، أم أن هذا ثانوي لأن الناس يهمها ما تقول أكثر مما تلبس؟
يقول أحدهم في البلدة الصغيرة حيث كنت أعيش اعتاد رسام أن يرتاد دار البلدية لإبداء آرائه في مختلف المسائل المحلية. وكان يدخل القاعة في ثياب رثة تخللتها الألوان هنا وهناك، معلناً ازدراءه للمواطنين المتأنقين. وطالما قال: إن الناس لو كانت لهم عقول راجحة لاكتشفوا قوة حجته بصرف النظر عما يلبس من ثياب. إلاّ أن الناس صمّوا آذانهم عنه سنة بعد سنة، مما حداه على الظن أنهم مغفلون.
نحن ننزع إلى الظن أننا نتأثر بما يقوله الآخر أكثر من تأثرنا بمظهره. غير أن التجارب تدحض هذا الاعتقاد. ومن هذا القبيل اختبار أجراه عالم النفس "شيلي شايكن" على 68 متطوعاً في جامعة مساتشوستس في آمهرست، فتبين أن الأكثر أناقة وجاذبية بينهم هم الأشد إقناعاً.
ثانياً ـ تعاطف مع المستمع:
تصور أنك تحاول بث الحماسة في مجموعة من الأحداث في حملة نظافة محلية. فما هي الطريقة لإثارة اهتمامهم ببرنامجك؟
لقد وجد الباحثون أننا، في محاولة تعديل أذواق الآخرين ومواقفهم، لابدّ لنا من التعاطف وإياهم قبل طرح آرائنا عليهم. وبعض التفسير آتٍ من نزعة طبيعية لدى الناس إلى تصديق ما يقوله "واحد منهم".
ولذلك فإن أكثر البائعين نجاحاً هم الذين "يقلدون صوت الزبون وحركاته ووقفته وحالته النفسية، وربما شهقوا وزفروا مثله من غير قصد". وهذا من شأنه إحداث الأثر الأكبر في الزبون.
ثالثاً ـ اعكس تجارب المستمع:
إذا كنت تريد زيارة الزوجين اللذين انتقلا حديثاً إلى جيرتك بغية كسب دعمهما لأحد المشاريع المحلية، فما أفضل الطرق لإثارة اهتمامهما؟
إن غير المتمرس يقفز تواً إلى موضوعه الرئيسي. أما صاحب الخبرة فيحرص بادئ الأمر على إشاعة جو من الثقة بينه وبين الآخر. فإذا عبّر المستمع عن قلقه حيال أمر ما، فإنه يحاول إقناعه أن يعطي جواباً كالآتي: "إني أفهم ما الذي يبعث لديك هذا القلق. ولو كنت مكانك لراودني الشعور نفسه". إن جواباً كهذا يكشف عن احترامنا لمشكلة الآخر، ولابد من أن يخلق جواً من الثقة في ما بيننا.
كما أن صاحب الإقناع يتفهم اعتراضات المستمع على آرائه بدل أن يدحضها. ويجدر به أن يعيد صياغة هذه الاعتراضات بوضوح واظهار حسناتها قبل الانتقال إلى الدفاع عن آرائه هو واظهار تفوقها. ويروى عن وكيل شركة تأمين أنه أقر رأي زبون يقول إن التأمين على الحياة ليس استثماراً حكيماً، فقال: "الحق معك يا صديقي. إنه استثمار لا يمتّ بأي صلة إلى الحكمة". ومضى يقول إن للتأمين على الحياة أهدافاً غير الاستثمار. فهو يحمي المرء في وجه الكوارث والأحداث المحتملة والممكنة. وكانت النتيجة أن الزبون قبل شراء قسيمة التأمين على الحياة.
والواقع أن دراسات عدة أُجريت حول هذا الجانب من عملية الإقناع وبيّنت أن الإصغاء الحسن إلى رأي المستمع يجب أن يتم قبل عرض آرائنا عليه.
رابعاً ـ إلجأ إلى ذكر الأمثلة واذكر قصص الآخرين وتجاربهم:
يقول القرآن الكريم: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) يوسف/ 111.
وفي بعض الأحيان يكون ذكر الخبرة الشخصية مؤثر جداً..
ذلك إن اللجوء إلى الخبرة الشخصية من شأنه إحداث أثر أقوى لدى المستمع. ومن هذا القبيل أن طبيبي نصحني مرة بأخذ عقار معين لمعالجة علّة بسيطة. وحين سألته هل لذلك الدواء آثار سلبية، حدثني قليلاً عن تركيب الدواء ثم أضاف أنه هو نفسه يتناوله، وكان ذلك كافياً لإقناعي.