لماذا تريد الرياض العودة إلى بغداد؟
الحكومة السعودية أدركت أن العراقيين أصبحوا على مقربة من طي صفحة " داعش " في أراضيهم، لذلك تسعى للعودة من جديد إلى بغداد عن طريق استثمارات اقتصادية، وأول مؤشر على ذلك هو الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجيتها عادل الجبير، وهي بكل تأكيد تروم من وراء هذه المساعي تحقيق أهداف سياسية إقليمية.
- تقرير: علي الحيدري - الأسبوع الماضي شهدت الساحة العراقية حدثاً مفاجئاً حينما حطت طائرة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مطار بغداد الدولي، وقد التقى في هذه الزيارة برئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس المجلس الوطني سليم الجبوري.
ورغم أن وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية وصفت هذه الزيارة بالمفاجئة، ولكن قبل أكثر من شهرين أعلن أحد المواقع العربية في شبكة الإنترنيت أن ممثل منظمة الأمم المتحدة في بغداد السيد يان كوبيش يبذل جهوداً حثيثة للوساطة بين بغداد والرياض ويمهد الأرضية المناسبة لزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى العراق، وأن جهوده هذه قد أثمرت وسوف تتم الزيارة مستقبلاً. ولربما يكون هذا الخبر صحيحاً، إذ ليس من المستبعد أن تصريح هوشيار زيباري يشير إليه، حيث قال إنه بعد 26 عاماً من القطيعة الدبلوماسية بين السعودية والعراق وبعد اجتياح العراق للكويت بالتحديد، نجحت مساعي أصدقائنا الأمريكان لإعادة المياه إلى مجاريها، كما اعتبر زيباري هذه الزيارة بأنها ثمرة لجهود حكومة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وصرح بأنها قد أتت بعد القيام بمقدمات عديدة.
ولدى لقائه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعرب عادل الجبير عن استعداد بلاده للمساهمة في إعادة إعمار العراق، ولا سيما محافظة الموصل بعد تحريرها، وقد كانت لهذه الزيارة ردود أفعال وتحاليل متباينة سواء في على الصعيدين الإقليمي والدولي، وسواء في وسائل إعلام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
مكتب رئيس الوزراء العراقي أصدر بياناً حول هذه الزيارة جاء فيه أن عادل الجبير أكد لرئيس الوزراء حيدر العبادي على أن المملكة مستعدة لدعم استقرار العراق والمساهمة في إعادة إعمار المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وأشار هذا البيان أن العبادي تباحث مع الجبير حول قضية تنمية العلاقات الثنائية ومحاربة مجاميع داعش الإرهابية والانتصارات التي حققتها القوات العراقية على الأرض.
ويرى بعض المراقبين أن هذه الزيارة تأتي بعد إصدار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة أمراً للقوات الجوية باستهداف مواقع إرهابيي داعش في الأراضي السورية، لذلك لا صحة لأن يكون مخططاً لها قبل أشهر كما قال البعض.
وهناك من يرى أنها تأتي نتيجة الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية بمختلف أصنافها ضد تنظيم داعش الإرهابي ولا سيما في العمليات الجارية حالياً بمحافظة نينوى، حيث سينجم عنها تطهير العراق من دنس الإرهاب والتطرف في القريب العاجل، وبالفعل فإن هذا الأمر الذي كان حلماً للعراقيين أمسى اليوم في متناول اليد.
كما يدعي بعض المحللين أن عادل الجبير أراد من زيارته هذه إقناع حكومة بغداد بالتوسط بين الرياض وطهران بغية إعادة المياه إلى مجاريها بعد التوتر الذي شهدته العلاقات بين البلدين، وهذا الأمر ليس مستبعداً بعد التطورات التي شهدتها المنطقة مؤخراً ودعوة بعض بلدان الخليج الفارسي الجمهورية الإسلامية الإيرانية لفتح صفحة جديدة من العلاقات معها وإجراء محادثات استراتيجية، لذا قد تكون بغداد هي الممر الذي يتم تنفيذ هذا المقترح من خلاله.
وأمّا التوقع الأكثر قرباً للحقيقة حول خفايا هذه الزيارة المفاجئة فهو أن الرياض بعد أن استقرأت الأوضاع التي تعصف بالمنطقة بدأت تبذل مساعي للمساهمة في الأزمة العراقية كطرف فاعل بهدف امتلاك موطئ قدم على الساحة السياسية في هذا البلد، إذ إن العراق باعتباره أحد البلدان العربية الهامة قد خرج من نطاق سلطة الرياض طوال ثلاثة عقود من الزمن وبالأخص بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين وتصدي حكومة شعبية ديمقراطية لمقاليد الحكم في بغداد، حيث توطدت علاقاته بشكل كبير مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبر أهم ند للحكومة السعودية في المنطقة.
حينما عينت الرياض ثامر السبهان سفيراً لها في العراق كان هدفها تحسين العلاقات مع العراق حسب ما هو معلن، ولكن هذا الرجل الذي له تأريخ عسكري أمني في المملكة تصرف بشكل أهوج وتدخل بشكل سافر في الشؤون العراقية، لذلك تم استدعاؤه. ونظراً لمواقفه المعادية والحاقدة على قوات الحشد الشعبي العراقية وتصريحاته الاستفزازية التي تنم عن تدخل سافر في الشأن العراقي، اضطر لمغادرة العراق بطلب من وزارة الخارجية العراقية، لذلك عين عادل الجبير في زيارته الأخيرة سفيراً جديداً نيابة عنه.
من المؤكد أن تعيين الرياض سفيراً جديداً لها في بغداد يعد دليلاً بارزاً على رغبة المملكة في أن يكون لها حضور فاعل على الساحة العراقية، وقد أعلن عادل الجبير لدى لقائه رئيس الوزراء حيدر العبادي عن استعداد بلاده للمساهمة في إعادة إعمار المناطق المتضررة جراء الحرب ضد تنظيم داعش، وليس من المستبعد أن يكون هذا الموضوع هو الهدف الأساسي لتواجد السعودية مجدداً على الساحة العراقية.
هناك مناطق شاسعة ولا سيما في المناطق الشمالية الغربية والغربية من العراق قد تضررت بشكل كبير جراء عمليات التخريب التي قام بها إرهابيو تنظيم داعش وإثر الحروب التي اندلعت فيها بين إرهابيي هذا التنظيم والقوات العراقية المحررة، وهذا الضرر طال محافظات صلاح الدين ونينوى والأنباء وبعض نواحي محافظة ديالى، وكما هو معلوم فإن سكنة هذه المناطق لديهم تقارب ثقافي وعقائدي مع السعوديين خلافاً للمواطنين العراقيين القاطنين في سائر المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية؛ لذا فإن حكومة الرياض تعير أهمية بالغة لهذا الموضوع ومن هذا المنطلق تسعى إلى إجراء استثمارات اقتصادية في هذه المناطق التي يرجح أن تعرب عن تأييدها للمشاريع السياسية التي قد تقترحها الحكومة السعودية مستقبلاً.
الحكومة العراقية تواجه مشاكل اقتصادية كبيرة جراء تدمير مناطق شاسعة من المحافظات التي أشرنا إليها، لذا من المحتمل أن ترحب بهذه الاستثمارات الاقتصادية لكنها طبعاً ستشترط على الرياض عدم التدخل في القضايا السياسية.
إذن، الحكومة السعودية قررت في نهاية المطاف إلى تغيير نهجها في مرحلة ما بعد تنظيم داعش في العراق، إذ قد يجتث هذا التنظيم الإرهابي من هذا البلد بالكامل خلال الأسابيع المقبلة، وأول خطوة اتخذتها الرياض على هذا الصعيد تتمثل في القيام باستثمارات اقتصادية، إذ تروم من هذا الموقف تحقيق أهداف سياسية لكونها تعيد جسور الثقة مع بلد عربي قوي له علاقات وطيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكما ذكرنا آنفاً فإن ساسة البيت الأبيض لديهم رغبة في توطيد علاقات الرياض مع بغداد وحكومة باراك أوباما بذلت مساعي على هذا الصعيد، لذلك ربما سنشاهد مستقبلاً تواجداً سعودياً فاعلاً على الساحة العراقية، ولكن هذا التواجد حتى وإن تحققت منه نتائج إيجابية إلا أنه يستبطن مخاطر أيضاً.
وکالة تسنيم للأنباء