الإمام الخامنئي: الحكام السعوديون صدّوا عن سبيل الله وعلى المسلمين أن يفكروا بإدارة الحرمين الشريفين
وجه قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي نداء الى حجاج بيت الله الحرام في هذا العام أكد فيه ان الحكام السعوديين هم متلاعبون سياسيون لا يعرفون الله وعديمو الدين و الضمير و يمدون يد الصداقة نحو الكيان الصهيوني المحتل، وعلى المسلمين أن يفكروا جديّا بإدارة الحرمين الشريفين.
وفيما يلي نص نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام في العام الهجري 1437
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطيبين، و صحبه المنتجبين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة و الأخوات المسلمون في كل العالم.
موسم الحج موسم فخر و عظمة للمسلمين في أعين الخلائق، و موسم نورانية القلوب و الخشوع و الابتهال أمام الخالق. الحج فريضة قدسية و دنيوية و إلهية و جماهيرية، فالأمران الإلهيان: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبائكمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا» (1)، و «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ» (2) من ناحية، و الخطاب الإلهي القائل: «الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» (3) من ناحية أخرى، تنير كلها الأبعاد المتنوِّعة و اللامتناهية للحج.
في هذه الفريضة المنقطعة النظير، ينيرُ أمنُ الزمانِ و المكانِ قلوبَ الناس كعلامة بيّنة و نجم لامع، و يُخرِج الحاجَّ من حصار عوامل اللاأمن التي يهدِّد بها الظالمون المهيمنون جميعَ البشرية دائماً، و يذيقه لذةَ الأمان لفترة معينة.
الحج الإبراهيمي الذي أهداه الإسلام للمسلمين هو مظهر العزة و المعنوية و الوحدة و العظمة، و يستعرض عظمة الأمة الإسلامية و اتكالها على القدرة الإلهية الأبدية أمام أنظار الأعداء و ذوي الطويّة السيئة، و يُبرِّز المسافة الفاصلة بين المسلمين و بين مستنقع الفساد و الحقارة و الاستضعاف الذي يفرضه العتاة و المتغطرسون الدوليون على المجتمعات البشرية.
الحج الإسلامي و التوحيدي مظهر «أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» (4). إنه موطن البراءة من المشركين، و الألفة و الوحدة مع المومنين. الذين يهبطون بالحجّ إلى سفرة زيارية - سياحية، و يخفون عداءهم و حقدهم على الشعب الإيراني المومن الثوري وراء عنوان «تسييس الحج»، هم شياطين صغار حقراء ترتعد فرائصهم من تعرض مطامع الشيطان الأكبر - أمريكا - للخطر.الحكام السعوديون الذين صدّوا هذه السنة عن سبيل الله و المسجد الحرام، و سدّوا طريق الحجاج الإيرانيين الغيارى المومنين عن بيت الحبيب، هم ضالون مخزيّون يعتبرون بقاءهم على عرش السلطة الظالمة رهناً بالدفاع عن مستكبري العالم، و التحالف مع الصهيونية و أمريكا، و السعي لتحقيق مطالبهم، و لا يتورّعون في هذا السبيل عن أية خيانة.
تمضي اليوم قرابة السنة على أحداث منى المدهشة، التي قضى فيها عدة آلاف نحبهم مظلومين في يوم العيد، و بثياب الإحرام، تحت الشمس، و بشفاه ظامئة. و قبل ذلك بفترة وجيزة تضرّج عددٌ من الناس في المسجد الحرام بدمائهم و هم في حال عبادة و طواف و صلاة. الحكام السعوديون مقصّرون في كلا الحادثتين، و هذا شيء أجمع عليه كل الحاضرين و المراقبين و المحللين التقنيين. و قد طرحتْ ظنونٌ من قبل بعض المختصين حول عمدية الحادث. و من الموكد و القطعي وجود تعلل و تقصير في إنقاذ أرواح الجرحى الذين ترافقت أرواحهم العاشقة و قلوبهم المشتاقة في يوم عيد الأضحى مع ألسنتهم الذاكرة لله و المترنّمة بالآيات الإلهية. لقد زجّهم الرجال السعوديون المجرمون القساة القلوب مع الموتى في كانتينرات مغلقة، و قتلوهم شهداءً بدل معالجتهم و مساعدتهم أو حتى إيصال الماء لشفاههم الظامئة. فقدتْ عدةُ آلاف من العوائل من بلدان مختلفة أحباءها، و فُجعت شعوبها. و قد كان هناك قرابة الخمسمائة شخص من الجمهورية الإسلامية بين هولاء الشهداء. و لا تزال قلوب العوائل جريحة مكتوية، و لا يزال الشعب حزيناً غاضباً.
و بدل أن يعتذر حكام السعودية و يبدوا ندمهم و يلاحقوا المقصّرين المباشرين في هذه الحادثة المهولة قضائياً، تملّصوا بمنتهى الوقاحة و عدم الخجل حتى من تشكيل هيئة تقصّي حقائق دولية إسلامية. و بدل الوقوف في موضع المتهم وقفوا في موضع المدّعي، و أعلنوا بخبث و استهتار أكبر عن عدائهم القديم للجمهورية الإسلامية و لكل راية إسلامية مرفوعة ضد الكفر و الاستكبار.
أبواقهم الإعلامية، سواء الساسة الذين تعدّ تصرفاتهم حيال الصهاينة و أمريكا عاراً على العالم الإسلامي، أو مفتوهم غير الورعين و آكلو الحرام الذي يفتون علانية بخلاف الكتاب و السنة، إلى مرتزقتهم الصحافيين الذين لا يمنعهم حتى الضمير المهني من الكذب و صناعة الأكاذيب، تسعى عبثاً إلى اتهام الجمهورية الإسلامية بحرمان الحجاج الإيرانيين من حجّ هذه السنة. الحكام المثيرون للفتن الذين ورّطوا العالم الإسلامي في حروب داخلية و قتل و جرح للأبرياء عن طريق تأسيس و تجهيز الجماعات التكفيرية الشريرة، و راحوا يغرقون اليمن و العراق و الشام و ليبيا و بلدان أخرى في الدماء، هم متلاعبون سياسيون لا يعرفون الله، و يمدون يد الصداقة نحو الكيان الصهيوني المحتل، مغمضين أعينهم عن آلام الفلسطينيين و مصائبهم المهلكة، و ينشرون مديات ظلمهم و خيانتهم إلى مدن البحرين و قراها. الحكام عديمو الدين و الضمير الذين خلقوا فاجعة منى الكبرى، و انتهكوا، باسم خدمة الحرمين، حرمة الحرم الإلهي الآمن، و قتلوا ضيوف الله الرحمن في يوم العيد في منى، و في المسجد الحرام قبل ذلك، يتشدّقون الآن بعدم تسييس الحج، و يتهمون الآخرين بالذنوب الكبرى التي ارتكبوها هم، أو تسببوا بها.
إنهم مصداق تامّ للبيان القرآني الكريم الساطع بالأنوار: «وَإِذا تَوَلّى? سَعى? فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» (5)، «وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ» (6). و في هذه السنة أيضاً تفيد التقارير أنه فضلاً عن صدّ الحجاج الإيرانيين و حجاج بعض الشعوب الأخرى، وضعوا حجاجَ باقي البلدان ضمن نطاق سيطرات و مراقبات غير معهودة بمساعدة الأجهزة التجسسية الأمريكية و الصهيونية، و جعلوا بيت الله الآمن غير آمن على الجميع.
على العالم الإسلامي، سواء الحكومات أو الشعوب المسلمة، أن يعرف حكام السعودية، و يدرك بنحو صحيح حقيقتهم الهتّاكة غير المومنة التابعة المادية. على المسلمين أن لا يتركوا تلابيب الحكام السعوديين على ما تسبّبوا به من جرائم في كل العالم الإسلامي. و عليهم أن يفكروا تفكيراً جاداً بحلّ لإدارة الحرمين الشريفين و قضية الحج بسبب سلوكهم الظالم ضد ضيوف الرحمن. التقصير في هذا الواجب سيعرض الأمة الإسلامية مستقبلاً لمشكلات أكبر.
أيها الإخوة و الأخوات المسلمون، مكان الحجاج الإيرانيين المشتاقين المخلصين خالٍ هذه السنة في مراسم الحج، لكنهم حاضرون بقلوبهم، و هم إلى جانب الحجاج من كل أرجاء العالم، و قلقون على حالهم، و يدعون أن لا تستطيع الشجرة الملعونة للطواغيت أن تنالهم بسوء. إذكروا إخوتكم و أخواتكم الإيرانيين في أدعيتكم و عباداتكم و مناجاتكم، و ادعوا لرفع المعضلات عن المجتمعات الإسلامية و تقصير أيدي المستكبرين و الصهاينة و عملائهم عن الأمة الإسلامية.
إنني أحيّي ذكرى شهداء منى و المسجد الحرام في العام الماضي، و شهداء مكة في سنة 66 [1987 م]، و أسأل الله عزّ و جلّ لهم المغفرة و الرحمة و علوّ الدرجات، و أبعث السلام لسيدنا بقية الله الأعظم روحي له الفداء، سائلاً دعاءه المستجاب لرفعة الأمة الإسلامية و نجاة المسلمين من الفتنة و شرور الأعداء.
و بالله التوفيق و عليه التكلان
آخر ذي القعدة 1437
المصدر: وكالة تسنيم الدولية