دور الدليل المرشد في ضمان سعادة الانسان
العواطف والمشاعر
ومع أننا سنتطرق بالتفصيل إلى البحث عن العواطف وقيمة المشاعر في المراحل التربوية وجميع شوون الحياة في البحوث القادمة، لكننا هنا نذيل بحثنا عن العقل ببعض الجمل عن العاطفة وأهميتها بصورة موجزة.
دور العقل والعاطفة
والمجتمع يحتاج في تحديد حقوق الأفراد، وتعيينها إلى العدل، ولكن بالعاطفة والاحسان يروي ظمأ المجتمع من الحب والحنان. إن غذاء العقل هو العلم، وغذاء العواطف هو الأخلاق والفضيلة، ومما لاشك فيه أن العقل هو أساس السعادة الانسانية، ولكن الانسان يبحث عن محبوب آخر يمنحه الطاقة الحرارية ويسبب له الحيوية والنشاط والرفاه، ذلك هو العاطفة. إن جميع التضحيات، ومظاهر الايثار، الحب والحنان، الشفقة والمساعدة، الحب والوفاء... كل ذلك ينبع من المشاعر العاطفية.
"لايوجد أحد يضحي بنفسه في سبيل الحقيقة العلمية تماماً. إن الجدران المرتفعة على أساس الجهل والتماهل والكسل لا تتحطم بالمنطق أبداً. إن ما يدفع الانسان إلى العمل هو العقيدة لا المنطق. إن العقل لايستطيع أن يمنحنا قوة الحياة طبقاً لطبيعة الأشياء، إنه يرشدنا إلى الطريق فقط ولا يدفعنا إلى الأمام أبداً. نحن لا نقدر على التغلب على العوائق التي في طريقنا ما لم تنبعث من أعماقنا موجة من العواطف، والحب فقط هو الذي يستطيع تهديم الحواجز العالية الضخمة التي تخفي خلفها إثرتنا وأنانيتنا، ويشعل فينا لهيب الشوق والعشق ويجرنا بأسارير مفتحة إلى طريق التضحية المولم. إن مطالعة كتاب في الحقوق لايبعث فينا الشوق والرغبة"١.
تزكية النفس
"عن علي عليه السلام أنه قال: لو كنا لا نرجو جنة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطالب بمكارم الأخلاق، فانها مما تدل على سبيل النجاح"٢.
إن شطراً مهماً من سعادة المجتمع مرتبط بالفضائل الخلقية، كما أن شطراً مهماً من شقاء المجتمع وفساده له ارتباط وثيق بالانحطاط الخلقي والصفات البذيئة.
يقول الامام علي عليه السلام: "رب عزيز أذله خلقه، وذليل أعزه خلقه"٣.
وعن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: "حسن الخلق يزيد في الرزق"٤ وعن الامام علي عليه السلام: "في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق".
وعنه أيضاً: "حسن الخلق خير رفيق".
إن من أهم الخصائص الكبرى التي يمتاز بها الأنبياء، والتي كانت السبب المباشر في تأثيرهم في المجتمع ونفوذهم الى عقول الأفراد وأفكارهم هي ملكاتهم الطاهرة وسجاياهم العظيمة: "إن الله خص الأنبياء عليهم السلام بمكارم الأخلاق"٥. وبهذا الصدد جاء الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ذاكرا الهدف الأسمى من بعثته وظهوره بين ظهراني المجتمع الجاهلي آنذاك قائلا: "بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"٦.
"إن الخطيئة الاجتماعية الكبيرة في عصرنا الحالي هي الاعراض عن اتباع قانون التكامل الروحي. وحصر الروح بصورة إستبدادية عنيفة بالقوى العقلانية، وتربية القوى الفكرية فقط. ذلك أن الفكر يستطيع بمساعدة العلم أن يضمن السيطرة على جميع الأشياء لكنه تناسى النشاطات الروحية الأخرى. إن الانسان المعاصر لم يفهم بعد خطر الخروج على قانون التكامل الروحي، ويظن أن التنمية الفكرية تعادل التربية الروحية، ولم يعلم بعد أن إلى جانب العقل توجد النشاطات المعنوية اللازمة للسير الصحيح في الحياة. إن السيطرة التدريجية للفساد وقلة الأدب والانحراف والادمان على الخمرة والكسل والحسد والحقد والتزوير والكذب والخيانة تحصل عندما يسحق قانون التكامل الروحي"٧.
"إنه خطأ فظيع ارتكبه دعاة التمدن والتجدد في إهمالهم للتكامل الروحي. إن العمر الروحي للأغلبية العظمى من الناس لا يتجاوز الـ 12 أو 13 عاماً"٨.
تنمية العقل والعاطفة
حيث توجد الأخلاق والعواطف ولا يوجد علم فلا تكامل هناك ولا تقدم، ينعدم الادراك لحقائق الحياة هناك، الانسان يكون محروماً من الانتصارات العلمية الباهرة في تلك الصورة.
وحيث يوجد العلم ولا يوجد إيمان ولا فضائل، وحيث يوجد العلم ولا يوجد شرف ولا تقوى، وحيث يوجد العلم ولا يوجد أثر للفضائل الخلقية والانسانية... هناك تظهر الأنانية والاثرة، وهناك يسيطر الجشع والحرص على الناس، هناك يقع الأفراد في شرك الفساد والخيانة، هناك تجد الاعتداء والتجاوز على حقوق الآخرين، يعكر جو الصفاء والأمن...
إن المهندس الفني في صنع السيارة يراعي الموازنة بين قوة المحرك وقوة جهاز الإيقاف (البريك). فكلما يزداد المحرك إلى الجانب الايجابي أي الحركة، يزيد على قدرة الايقاف وهو الجانب السلبي وذلك لكي يحمي السيارة ومسافريها في اللحظة الحرجة وعند الاشراف على السقوط ويسيطر عليها فيوقفها.
والتقدم العلمي في العالم المعاصر بمنزلة التكامل المتزايد لقوة المحرك الاجتماعي. أما الفضائل الخلقية فانها بمنزلة (البريك) الذي يحفظ الناس في ساعة الخطر من الموت والسقوط. والانسان يكون سعيداً عندما يرفع من المستوى الايماني والأخلاقي في الوقت الذي يلاحظ فيه الترقيات العلمية في العالم. وذلك ليستخدم العلم في الطريق المفيد فقط. ومن الموسف أن البشرية سالكة في الاتجاه المخالف لهذا الطريق منذ مدة... وكأنه كلما تتقدم العلوم، يأخذ الايمان والتقوى في التناقص والتقلص.
إن العالم اليوم أصبح بضعف الجانب الايماني والأخلاقي فيه أشبه بسيارة بلا (بريك) تستمر في سيرها بصورة قلقة، والناس يقضون حياة مليئة بالاضطراب والقلق وهم خائفون من أن تصل بهم الحياة إلى رأس منزلق يودي بهم إلى الهاوية، فيأمر الروساء بإشغال النار وحينذاك يستغل التقدم العلمي للتخبط في النار والدم والقضاء على الكرة الأرضية في بضع ساعات.
"إذا بقي الذكاء حراً غير تابع للادراك المعقول أو الالهام بالقيم الأخلاقية فذلك أمر خطر جداً. فالذكاء ليس يجرنا إلى الماديات فحسب، بل يجرنا إلى البهمية , هذه الأسطر كتبت قبل إطلاع العالم على اختراع القنبلة الذرية بفترة وجيزة، وهذا الاختراع يظهر معاني هذه الكلمات بصورة واضحة. فقد انتبه الناس فجأة إلى أن انتصاراً عملياً عجيباً يهدد السلام العالمي بصورة فظيعة وفجأة رأت الدول التي نسميها بالمتمدنة أن اتحاداً أخلاقياً فقط هو القادر على حمايتهم تجاه هذا الخطر. الوقت ضيق إلى درجة أنه يمكن الحصول على النجاة المحتمل بواسطة المعاهدات المكتوبة فقط، ولكن الكل يعلم أن الاعتماد والاطمئنان إلى هذه المعاهدات لا يتجاوز اعتبار الشخص الموقع عليها إذا لم يكن هذا الشخص أمينا ومخلصاً. أو لم يكن ممثل أمة تكسب كلامه وشرفه رصيداً متيناً، فلا يبقى معنى لتلك الاتفاقيات. انه لأول مرة في التاريخ البشري نرى أن الصراع بين الذكاء والقيم الأخلاقية صار موضوعاً حيوياً يتوقف عليه الحياة أو الموت. نحن نأمل أن نستفيد من هذه العظمة، ولكن الموسف أننا نشك في ذلك..."٩.
شبکة المعارف الاسلامية
المصادر:
١- راه ورسم زندكى ص:113.
٢- اداب النفس للسيد محمد العيناثي ج 1ص26.
٣- سفينة البحار للمحدث القمي مادة خلق- ص:411.
٤- المصدر نفسه.
٥- المصدر السابق ص:410.
٦- المصدر السابق.
٧- راه ورسم زندكى ص:67.
٨- المصدر السابق 62.
٩- سرنوشت ص:180.
أثر التربية في الحيوان
قابلية الائتمار والانتهاء
أوجه الفرق بين العقل والغريزة!