العقل بدل الغريزة
1- يقول الامام علي عليه السلام: "كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيك من رشدك"1.
أي أنه يكفي في قيمة العقل وعظمته أنه يميز للانسان طريق الضلال والشقاء عن طريق النجاة والسعادة. فبينما نجد في عالم الحيوانات أن المرشد لها إلى طريق سعادتها وكمالها هو الغريزة، يكون المرشد عند الانسان هو العقل.
2- قيل له عليه السلام: "صف لنا العاقل" قال: "هو الذي يضع الشيء مواضعه"2. إن الحيوانات تضع كل شيء يرتبط بحياتها في موضعه دون أن تخطىء. ولكنها تقوم بذلك بدافع الهداية الفطرية، أما الانسان فيقوم بهذ العمل بهداية العقل.
3- عن النبي صلّى الله عليه وآله: "لكل شيء مطية، ومطية المرء: العقل"3. والمراد من المطية هو المركب الذي يصل به الراكب إلى اهدافه. فالحيوانات تطوي طريق سعادتها بمركب القدرة الغريزية وتصل إلى غايتها أي كمالها اللائق بها، أما الانسان فانه يطوي طريق سعادته بواسطة مركب العقل.
4- قال النبي صلّى الله عليه وآله: "قوام المرء عقله". إن نظام حياة الانسان قائم على العقل. بينما نجد نظام الحيوانات قائما على الغرائز.
المقارنة بين العقل والغريزة
الغريزة وإدراكها للواقع
لما كانت الغريزة عبارة عن الهداية الفطرية التي أودعها الله العالم الحكيم في الأحياء فانها لا تخطىء أبداً، بل تعمل بعين البصيرة النافذة. أما العقل فانه يجب أن يستعين بالمقدمات لاستخراج النتائج، فقد يخطئ في المقدمات وقد يخطئ في كيفية الاستنتاج منها. وهناك العشرات من الموثرات التي تترك أثارها على العقل، مثل: الغضب والشهوة والعادات الاجتماعية والتقاليد العائلية... وهذه تنحرف بالعقل عن طريقه المستقيم فيحرم من إدراك الواقع والحقيقة في النهاية.
فما أكثر السيئات الحقيقية التي تضر بالسعادة الانسانية ومع ذلك فهي محبذة ومحبوبة لدى بعض الأمم. وعلى العكس فما أكثر الحسنات التي تعين الانسان في وصوله إلى السعادة والكمال ومع ذلك فهي مذمومة ومهجورة عند بعض الأمم. وإذا كان العقل وحده كافياً في معرفة الحقائق واراءة طريق السعادة والشقاء لما كانت هناك حاجة لارسال الأنبياء لهداية البشر وتكليف الناس بإطاعتهم.
يقول الامام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام بن الحكم ضمن حديث طويل: "يا هشام، إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول..."4.
إختلاف البشر
إن عدم نضج العقل البشري طوال القرون المتمادية هو الذي سبب اختلاف الناس في كيفية تعيين مناهج حياتهم ومعرفة طريق سعادتهم. وقد تودي هذه الاختلافات إلى مطاحنات ومشاحنات عظيمة، ومفاسد لا تجبر.
والعالم المتحضر بالرغم من النجاحات العلمية والعملية الباهرة التي أحرزها لم يكن بعيداً عن هذا البوس، فهو لا يزال يحترق في نار الاختلافات العقيدية وبذلك يعرض السلام العالمي والأمن العام إلى أعظم الأخطار في كل آن. ومن أبسط الأمثلة على ذلك أننا نرى اليوم أن الشيوعية قد صارت سبباً في أعظم وأخطر الانشقاقات الفكرية، فهناك الملايين من العقلاء والمثقفين والجامعيين يعتقدون بأن طريق السعادة الانسانية منحصر في تطبيق النظام الشيوعي، وأنه إذا قدر لهذا النظام أن يسود العالم يوماً وتطبقه جميع الأمم والقوميات في العالم فان البشرية ستصل إلى أوج عظمتها، وستضمن لها سعادتها وكمالها اللائق بها. وللوصول إلى هذا الهدف يجب السعي بكل جهد لازالة الموانع الواحدة بعد الأخرى وكذلك يجب العمل لبث الفكرة بمختلف وسائل الدعاية والاعلان، فلربما يشمل هذا الفيض العظيم العالم كله، وتكون النتيجة تطبيق السعادة على الناس كلهم في أرجاء المعمورة!!.
... وفي قبال هولاء يوجد ملايين العقلاء والعلماء والمثقفين والجامعيين يعتقدون بأن الشقاء والبوس والانحطاط يتمثل في النظام الشيوعي، والنسبة طردية بين انتشار هذا النظام في العالم وفقدان الراحة والسعادة من الانسانية، فالشيوعية تعني دمار الانسانية كلها، والنظام الشيوعي معناه خنق الحرية وكبتها، والمذهب الشيوعي يعني قتل الأخلاق والفضيلة...
ويجب العمل بكل الجهود لاحباط مساعي الشيوعيين ولمحاربة هذا النظام الخبيث، وقلع جذوره التي تعمل على هدم الانسانية وخنق الحرية وقتل الأخلاق. ويجب استخدام جميع أجهزة الدعاية والاعلان لمحو هذا المبدأ الهدام، والداء الوبيل الذي يكمن الخطر فيه أكثر مما هو في الطاعون ، وبذلك ينجو البشر من هذه الفكرة الفاسدة القذرة... وفي ذلك اليوم فقط يمكن الاطمئنان إلى سعادة البشرية!!!.