من هو البطل سياوش
بعد أن وصل الرسول الى الملك كيخسرو وأخبره بما جرى على الجيش في مواجهة التورانيين جاش صدره هماً وإمتلأ قلبه غماً وكان موجعاً القلب بما جرى على اخيه فرود فزاده هذا الخبر ألماً على ألم ونكأ منه الجروح وأطلق لسانه في طوس واخذ يلعنه ثم كتب الى عمه فريبرز كتاباً يقول فيه: إني أنفذت طوساً وأمرته أن لايسلك طريق كلات فخالف أمري وفجعني بأخي ثم لما بدأت الحرب إختار اللهو والراحة حتى تم على العسكر ما تم فإذا وقفت على كتابي هذا فإنتزع منه اللواء الجاوياني وتولى قيادة العسكر وسير اليّ طوساً وتحرز عن اللهو وإياك الطيش والنزق في الحرب وأشباهها وإجعل على مقدمتك جيو بن جوذر وإستعن برأيه في كل أمر. فلما جاء الكتاب الى عمه دعا طوساً وجمع أفراد العسكر وقرأ الكتاب عليهم فتلقى طوساً الأمر بالسمع والطاعة وسلم المراتب الى فريبرز وركب في أصحابه النوذريين راجعاً الى حضرة الملك كيخسرو فلما وصل دخل عليه ووقف ماثلاً في الخدمة فلم يلتفت اليه الملك وأخذ يسفه عقله ويعد عليه مساوءه وقال: والله لو لا هذه اللحية البيضاء وإنتسابكم الى منوتشهر لأمرت بضرب رقبتك ثم طرده من حضرته وامر بتقييده وحبسه.
فريبرز إرتدى تاج قيادة العسكر وقعد مقعد طوس وقام مقامه في الأمر والنهي والحل والعقد فلما أعد وإستعد وأرسل الى بيران يأخذ منه موعداً للقتال. فلما كان يوم الميعاد رتب عساكره وعبء ميمنة الجيش وميسرته فجعل جيو على الميمنة وأشكس على الميسرة ووقف باللواء الجاوياني مع من في جملته من العساكر في القلب وأقبل بيران في صفوفه وأشياعه وجنوده كأنهم السباع الضارية فلما ترائى الجمعان وإلتقت الفئتان أمر فريبرز بأن يرشقوهم رشقة واحدة بسهام تحمل نذر الحمام ويريشها بالموت الزئام فتقدم جيو مع الجوذريين وحمل عليهم حملة قتل فيها تسعة مئة جندي من أقارب هومن حتى سلوا حدهم ثم تابع عساكر أفراسياب الحملات على جيو وأصحابه فلم يغنوا شيئاً ثم إنقلبوا الى القلب وحملوا بأجمعهم على فريبرز حملة شتت جنده فولى مدبراً وإتجه الى سفح الجبل وبقي كودرز وجيو وأصحابهما فإلتفت جوذر فلم ير اللواء الجاوياني فثنا عنانه وهم بالإحجام فمنعه ولده جيو فوقفوا فإنضم اليهم زنكة بن شاوران وجماعة من مقدمة الايرانيين فتحالفوا بالأيمان المغلظة على أن لايبرحوا فثبتوا وعدوا على مناجز الصبر فلما حمي الوطيس وإشتد البأس صاح جوذر في ملتحم القتال ببيجن وأمره بالمضي الى فريبرز وإسترجاعه الى المعركة وانه إن أبى الرجوع أخذ منه اللواء ورده الى القلب عسى أن تجتمع اليه العسكر وتتقوى برويته قلوبهم. فلما أتاه بيجن إمتنع من الرجوع وإنفاد العلم ايضاً فغضب بيجن وإستشاط وسلّ سيفه وضرب اللواء فقطعه نصفين واخذ أحد النصفين وأقبل به الى المعترك فلما رآه بيران مع بيجن امر أصحابه بإستلابه من يده فأدركه الايرانيون وحالوا بينهم وبينه وإحتفوا باللواء وأحاطوا به وإستأنفوا قتالاً آخر وزحفوا الى العدو فقتل ريو بن كيكاووس وهو أصغر بنيه فهوى الى الأرض صريعاً وتعفر تاجه فصاح جيو وقال: إحفظوا تاجه لايأخذوه فبادره بهرام بن جوذر وإختطف بسنانه ذلك التاج وحماه من الأعداء. ثم كثرت حملات التورانيين على الايرانيين وقتل منهم خلق عظيم حتى لم يبق من ثمانية وسبعين قائداً من اولاد جوذر غير ثمانية وقتل الباقون فأحجم الايرانيون وإنحازوا الى ذلك الجبل ولقي أحد القادة بيجن راجلاً قد جندل فرسه فإرتدفه الى سفح الجبل وإنصرف بيران مع أصحابه الى مضاربهم بالظفر والسرور وإنصرف فريبرز وأصحابه مدبرين هاربين.
حدث أن ضاع لبهرام بن كودرز سوط في تلك المعركة فحملته الحمية على أن يلبس سلاحه فركب يريد الرجوع الى المعركة في طلب الصوت فمنعه أبوه وتعلق به وخاطبه أخوه جيو في ذلك ايضاً فلم يسمع منهما وقال: كيف يجوز في طريقة الفرسان أن أترك سوطي الذي عليه أسمي حتى يقع بيد بيران او غيره من أصحابه ولست أغضي على هذه صبة ولاأتقلد هذا العار. فعاد الى المعترك وأخذ يدور في تلك الصحراء يطلب السوط حتى عثر عليه فنزل لأخذه فجفل حصانه فعدا خلفه على رجله حتى لحقه بعد أن صارا غريقين في العرق مجهودين من التعب فإستوى عليه فلم يتحرك تحته. ووقف الحصان لايبرح مكانه فأخذه الضجر وضربه بسيف كان معه ورجع راجلاً الى المعترك في طلب أخ له كان صادفه حياً بين القتلى، فأحس به بعض جند الأعداء فأعلموا به بيران فأنفذ ابنه روئين وأمره أن يأسره فوقف بهرام يذب عن نفسه ويقاتلهم حتى قتل منهم جماعة فرجع ابن بيران وجاء ثراو أحد أمراءهم المذكورين فأحدق ومن معه به فقاتلهم وتتابعت الضربات من كل جانب عليه فضرب ثراو كتفه بسيف كان معه فقطع يده وخرّ صريعاً. فلما تأخر رجوع بهرام الى أصحابه ركب اخوه جيو مع ابنه بيجن ورجعا الى المعترك في طلبه فصادفاه صريعاً مجدلاً يجود بنفسه فلما احس بأخيه جيو أفاق إفاقة وقال: لايطالب بدمي غير ثراو فهو الذي قطع يدي وجدل بهذا العراء جسدي. فكاد جيو أن يتمزق جزعاً ويتفطر أسفاً على ذلك الأسد المقدام والفارس الهمام فحلف أن لايفارق السيف يمينه والبيضة رأسه وجبينه حتى يشفي غليله بقتل قاتله. فركب وكمن الى أن دخل الليل فجاء ثراو على أليزك ورصده حتى اذا تمكن منه ألقى عليه الحبل وإجتره اليه وأسره وكتفه وجاء به الى مصرع بهرام وإحتز رأسه عنده وفاضت نفس بهرام بعده وقد شفي غليلها وبدت الطمأنينة عليها لإنتقام ثراو من قاتلها هذا الانتقام الذي ادى بعد مدة وجيزة الى اندحار جيوش التورانيين فكان النصر والظفر من نصيب الايرانيين في نهاية المطاف.
المصدر:تراث ايران
القائد الفارسي هُرمُزان سبكتكين
محود الغزنوي