غوغل الوريث المطلق لمملكة تكنولوجيا المعلومات
لم يعد أمرا غير عادي أن نجد كل يوم أنباءا تتحدث عن ابتكار جديد أو خدمة جديدة تأتي من "غوغل" لتخدم تعاملنا اليومي مع الانترنت. فأخيرا تم الإعلان عن خدمة بحث ورصد للأخبار باللغة العربية. وذكر أيضا أن "غوغل" اتفقت مع وكالة "اسوشيتدبرس" للأنباء من أجل دعم، وإثراء مضمون "غوغل" الإخباري. ويحسب لغوغل الفضل الأكبر في تيسير وتوفير طرق إيجاد وتدشين الـ"بلوغ" ـ المدونة الالكترونية ـ وجعلها في متناول الجميع.
و"غوغل" أصبحت اسما شهيرا يعرفه عشاق، ورواد الانترنيت. وصارت في موقف تحسد عليه من جانب رجال الاقتصاد والمال، وذلك بسبب انطلاقها الصاروخي المتواصل ..وصافي أرباح بلغ في العام الماضي 6.1 مليار دولار.
ووراء هذه الظاهرة اثنان هما الآن في الثلاثينات من عمرهما. وقد بدأ مشوار "غوغل" والثراء قبل نحو عشر سنوات. ومكان اللقاء والانطلاق بالنسبة لهما كان جامعة ستانفورد ـ التي تقع على بعد نحو 37 ميلا ( 60 كلم) جنوب شرق مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا. حيث يوجد ما يعرف بـ "وادي السيلكون" مهد عالم أو عوالم تكنولوجيا المعلومات وعصر الـ "دوت كوم".
وينظر لـ"غوغل" باعتبارها الوريث المقبل أو القادم في مملكة تكنولوجيا المعلومات أو بتعبير أخر "مايكروسوفت الجديد". وهو تعبير يتردد في الأوساط العاملة في مجالات الكمبيوتر خاصة أن "غوغل" خلال فترة وجيزة استطاعت أن تصبح عملاقا يواجه الكبار من أمثال مايكروسوفت وغيرها. وحسب الإحصاءات فان غوغل تتصدر قائمة أكثر أدوات البحث الالكتروني استعمالا بنصيب يقدر ب 54 في المائة من الباحثين عبر الانترنيت تليها ياهو بنسبة 23 في المائة.
و"غوغل" بدأت باثنين من الشباب منذ عشر سنوات ـ في يناير من عام 1996 تحديدا ـ وهما لورانس ادوارد "لاري" بيج (المولود في 26 مارس 1973 في لانسنغ بولاية ميتشغان) وسيرغى ميخايلوفتش برين ( المولود في 21 أغسطس عام 1973 في روسيا) . وقد تشكلت وتغيرت أشياء عديدة في عالم الانترنيت والمعلومات، وأيضا في عالم الاقتصاد والتكنولوجيا بسبب لاري وسيرغاى.. ومن ورائهما "غوغل".
وإذا كان برين يوصف بأنه "الشخص صاحب التصور الاستراتيجي" فان بيج هو "الشخص صاحب العقلية المنفذة و المنتجة".
واسم "غوغل" واختياره جاء نتيجة بعض التحريف في تعبيرgoogol ويعني في لغة الرياضيات رقم 1 ويتبعه أو يليه 100 من الأصفار. وكلمة "غوغل" أصبحت "فعلا" وأضيفت إلى القواميس الشهيرة للغة الانجليزية. وتعني استعمال محرك أو وسيلة غوغل في البحث للحصول على معلومات من خلال شبكة الانترنيت.
كان لاري بيج منذ صباه مبهورا بالمخترعين واختراعاتهم، وان كان يتساءل أحيانا كيف أن هؤلاء المخترعين رغم ما أحدثوه من ثورة في الحياة اليومية للبشر لم ينالوا حظهم من التقدير. وأشار بيج في تصريحات له إلى أنه شعر بصدمة بعد أن قرأ السيرة الذاتية للعالم، والمخترع الشهير نيقولا تيسلا أحد الأسماء البارزة في عالم الهندسة وعلم الكهرباء.
ويتندر البعض بالقول إن ارتباط لاري بالكمبيوتر وعلومه له "أسباب جينية" خاصة أنه تفاعل وتعامل مع الكمبيوتر منذ الصغر. فوالده كارل الأستاذ بجامعة ميتشغان كان من أوائل من درسوا علوم الكمبيوتر. كما أن والدته غلوريا التي كانت تعمل كمستشارة في أمور القواعد المعلوماتية تحمل درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر. وحسب وصف لاري، فانه لم يدفع إلى هذا العالم ولم يتعرض لأى إرغام .. "إنني عشقت الكمبيوتر بالفعل .. وأصبحت أول تلميذ في مدرستي الابتدائية يسلم واجبه المنزلي مكتوبا بالكمبيوتر." وقد درس لاري الهندسة في جامعة ميتشغان بمدينة آن آربور، وخلال دراسته الجامعية اكتسب خبرة كبيرة ـ حسب وصفه ـ في التعامل مع الآخرين، وفنون القيادة من خلال الأنشطة الطلابية ودورات تدريبية متخصصة. ثم جاءت خطوة التوجه إلى الغرب الأمريكي، ودراسة الدكتوراه في ستانفورد. وقد شاءت الأقدار أن تكون هذه الخطوة في منتصف التسعينات والتقي بشريكه سيرغي وحدث ما حدث. ولا ينسى لاري عند حديثه عن بداية انطلاقه أن يذكر بالخير أساتذته الذين تحدوه علميا وشجعوه على قبول المخاطرة الفكرية من أجل التوصل إلى استنتاجات جديدة في عالم الكمبيوتر، وعلم المعلومات. وجاءت "غوغل" تجسيدا لهذا التحدي وهذه المخاطرة .. "غوغل" المحرك البحثي الذي يستطيع أن يجد معلومة ما وسط كوم ضخم من المعلومات.
وتقدر ثروة بيج ب 12.8 مليار دولار، وبالتالي يأتي في المرتبة 27 في قائمة أغنى الأغنياء لمجلة فوربز بعد شريكه برين مباشرة. وقد قام الاثنان في عام 2001 بتسليم العديد من الأمور الإدارية لاريك شميدت بتعيينه رئيسا لمجلس إدارة غوغل.
أما شريكه ورفيق دربه سيرغى فقد ولد في موسكو ـ روسيا لعائلة يهودية. وبينما كان في السادسة من عمره هاجر سيرغى مع عائلته إلى الولايات المتحدة فارا ـ مما كان يوصف بالحملات المعادية للسامية في الاتحاد السوفيتي سابقا. والده كان (وما يزال) عالما للرياضيات وأستاذا جامعيا. أما والدته فهي متخصصة في مجال علم الرياضيات أيضا، وعملت في وكالة الفضاء الأمريكية. ويرى سيرغى أن نجاحه مرتبط بنشأته في تلك العائلة، وتعرفه على الكمبيوتر منذ الصغر إذ تلقى جهاز كمبيوتر في عيد ميلاده التاسع هدية من والده، وبالتأكيد كان هذا الأمر ـ خلافا لما هو الوضع حاليا ـ يعد أمرا نادرا في عقد الئمانينات من القرن الماضي. والأهم في حياة سيرغى أنه نشأ وترعرع في أجواء زمان شهد اهتماما بتكنولوجيا المعلومات وقفزات مميزة في ذلك المجال.
الطفل الأتي من روسيا تلقى تعليمه الأولي في مدرسة بولاية مريلاند، وأيضا بالمنزل إذ حرص والده على تعليمه شخصيا علم الرياضيات واللغة الروسية. وفي سبتمبر من عام 1990 بعد أن حصل على تعليمه للمرحلة الثانوية ـ أي ما قبل المرحلة الجامعية ـ التحق بجامعة مريلاند ـ كوليج بارك لدراسة الرياضيات وعلوم الكمبيوتر، وحصل على درجة البكالوريوس في مايو 1993 بتقدير ممتاز ومشرف ليكمل دراسة الماجستير في ستانفورد بمنحة حصل عليها من المؤسسة القومية للعلوم. وبعد الحصول على الدرجة ثم اللقاء مع شريك انطلاقه في عالم الابتكار و"غوغل". وقد راودته في البداية فكرة الحصول على الدكتوراه إلا أن انشغاله ببيزنس "غوغل" أرجأ تلك الفكرة لأجل غير مسمى.
تقدر ثروة برين بـ 12.9 مليار دولار وصنفته مجلة فوربز بالرقم 26 في قائمة أغنى أغنياء العالم.
والملفت للنظر ـ كما يردد المقربون من صانعي "غوغل" ـ أن النجاح الباهر الذي حققه سيرغى ولاري معا لم يغير بل لم يؤثر كثيرا على طبيعة حياة الاثنين، وتعاملهما مع تفاصيل الحياة والبشر. إذ تمسكا بما كانا يفعلانه منذ عشر سنوات ـ أيام ستانفورد بحماس وجدية واهتمام ورغبة في الابتكار والانجاز. لذلك يتم تسليط الأضواء عليهما باعتبارهما نموذجا للنجاح والعقلية الابتكارية الخلاقة .. والقدرة على عدم الجمود، والانطلاقة إلى أفاق بلا حدود.