الطباطبائي - ملامح شخصيته
كان السيد الأستاذ يتمتع بخصوصيات روحية ومعنوية عالية :
نشير إلى بعضها:
1. كان السيد رحمه الله : حريصاً على حفظ المفاهيم الإسلامية ، وصيانتها عن التصرّف فيها ، لغاية تطبيقها على مناهج فلسفية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو أخلاقية.
كما هو الرائج عند الجُدَد من الكُتّاب : ونلمس تلك الخصوصية بوضوح في كتابه الميزان في عامة أجزائه .
ولذلك يناقش : نظريات المفسر المصريّ «عبده» في تأويله لآيات الذكر الحكيم ، فيما يرجع إلى عالم الغيب حيث يحاول تطبيقها على المحسوسات من القوى الطبيعية.(1)
كما حاور الأستاذ : مفكراً هندياً ، حاول أن يثبت أن النبوة من شوون النبوغ ، وأنّ الأنبياء هم النوابغ القلائل ، غير أنّهم نسبوا رسالاتهم إلى السماء ، بغية الحصول على تأييد المجتمعات ودعمها .
ونال ذلك الحوار : يوم ذاك صدىً واسعاً .
أعقبه تأليف الأستاذ : رسالة طبعت تحت عنوان «وحي يا شعور مرموز».
و تصدى السيد : إلى نقد المحاولات المبذولة من قبل المتأثرين بالمناهج الغربية ، في محاولة التصرف في الأصول الإسلامية بنحو تنطبق على المناهج الغربية الإلحادية ، لاسيما في مجال الاقتصاد والعقائد ، وكذلك يشكل خطراً على الإسلام والمسلمين.
2. ولاوه لأهل البيت عليهم السلام : كيف و هو وليد ذلك البيت .
ويظهر ولاوه بوضوح : من خلال تفسيره الميزان حينما يصل إلى تفسير الآيات النازلة في أئمّة أهل البيت عليهم السلام .
فيشرحها بوضوح : ويدعمها بأحاديث مروية في الصحاح والمسانيد .
كما انّه يحاول : فيما ورد عنهم من الروايات في تفسير الآيات ، أن يرشد القارئَ إلى ما يدل على مضمون الحديث في الآية .
وكان يشارك : في مجالس العزاء لاَئمّة أهل البيت ، ودموعه تذرف على وجناته ، وله قصائد رائعة باللغة الفارسية في مدحهم ومراثيهم.
منزلته عند المرجع الأعلى السيد البروجردي :
حظا السيّد الطباطبائي : بمنزلة رفيعة عند كثير من علماء عصره ومراجع وقته .
لاسيما السيد البروجردي : مرجع الطائفة آنذاك ، حيث كان ينظر إليه بعين ملوَها الاحترام والتكريم .
ويشيد بتفسير «الميزان» : وكان حريصاً على قراءة أجزائه التي تطبع تباعاً .
و أودّ أن أنقل حادثة تاريخية شاهدتها بأُم عيني و هي:
حضر عام 1379هـ الأمين العـام : لموتمر مكافحة المواد الكحوليـة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مجلس السيد البروجردي .
وكان المجلس : غاصّاً بالعديد من علماء الحوزة العلمية ، ومن بينهم السيد الطباطبائي .
فخاطب الأمين العام السيد البروجردي، قائلاً : سيُعقد موتمر دولي لمكافحة الكحول في «أنقرة» بعد بضعة أشهر ، و يشارك فيها العديد من الخبراء من كافة بلدان العالم .
وممّا لا شكّ فيه : أنّ الإسلام حرّم الخمر والكحول وحرم تعاطيها ، ونريد أن نقف على الدواعي التي أدت إلى التحريم، ولو تفضل سماحتكم على بيانها لكنّا شاكرين.
فأجاب السيد بجواب موجز وقال:
الإنسان : يتميز عن سائر الحيوانات بالعقل ، والمسكر يزيل العقل و يضاده .
وهذا الجواب : على الرغم من إيجازه ، أثارت دهشة الأمين العالم وإعجابه .
ثمّ طرح سوالاً آخر.
وقال : ما تفضلتم به يرجع إذا تناول الكثير دون القليل ، مع أنّ الإسلام حرّم كثيرة وقليله؟
فأجاب سماحة السيد وقال:
الإنسان : طموح لا يقتنع بالقليل ، فإذا أُجيز له القليل ، فسوف يبتغي الكثير ، و يوول إلى الإدمان على الشرب.
وهذه الأجوبة : المقنعة الموجزة نالت إعجاب الأمين العام ومرافقيه .
مما حدابه إلى طرْح موضوع آخر وقال:
لو تفضلتم بكتابة رسالة : تُبيّن فيها تلك الدواعي ، ونحن على استعداد لقراءتها في الموَتمر.
فعندئذ نظر السيد البروجردي : إلى من حوله فوقع نظره على السيد الطباطبائي.
وقال : إنّ السيد الطباطبائي من علماء الإسلام ، مولف تفسير القرآن الكريم ن هو جدير بكتابة رسالة في ذلك المضمار .
هكذا كان السيد البروجردي: يولي اهتماماً كبيراً بالسيد الطباطبائي، ومن حسن الحظ انّه ألّف رسالة في ذلك الموضوع وبعثها إلى الموَتمر.
المصدر: تذكرة الأعيان :لآية الله العلامة الشيخ جعفر السبحاني
(1) لاحظ الميزان ج1 الآيات 30 ـ 38من سورة البقرة.