العلاّمة الطباطبائي متبحرا في العلوم
العلاّمة الطباطبائي والأخلاق والعرفان
كان السيد الطباطبائي : مفكّراً كبيراً وكان لتفكيره أبعاد مختلفة ، وقد وقفت على بُعْده في التفسير والفلسفة .
فهلمّ معي : نتناول البعد الثالث من أبعاد شخصيته ، الذي هو البعد العرفاني والأخلاقي.
فقد درس العرفان النظري : من خلال كتاب «تمهيد القواعد» لابن تركة، و«الفتوحات» لمحيي الدين ابن عربي، و «شرح الفصوص» للقيصري إلى أن بلغ القمة في العرفان النظري .
ولكنّه ضم إليه العرفان العملي : بتهذيب النفس والتقوى، وهو يروي كيفية صلته بأُستاذه في ذلك الفن.
يقول : هبطت النجف الأشرف ، ولم أكن أشارك بعدُ في درس من الدروس ، طرق ذات يوم البابَ طارق .
و إذا بالعارف الكبير : السيد علي القاضي الطباطبائي ، فدخل البيت وجلس في زاوية من الغرفة .
ثمّ قال: إن من يهبط النجف الأشرف لطلب العلم ، يجب أن يتزامن سعيه مع تهذيب النفس وتكميلها .
قال: تلك الجملة وترك البيت.
وقد أوجد : كلامه هذا ، شوقاً كبيراً في قلبي ، ورغبة ملحّة إلى متابعة إرشاداته ونصائحه.
وبلغ في تهذيب النفس : على يد ذلك العارف مقاماً شامخاً ، تمكن من خلالها روَية الحقائق الغائبة عن الحس.
فنقل يوماً : انّه كان جالساً بعد إقامة صلاة الصبح ، فإذا تمثّل أمامه النبي إدريس عليه السلام ، ورأيت انّه كان يتكلّم مع أخي الحكيم السيد حسن الإلهي ، وكنت أفهم ما يلقيه النبي إدريس عن طريق أجوبة أخي.
وقد كان له : من أمثال هذه المشاهدات أ، ُمور يبخل بذكرها ، إلاّ لمن وجده أهلاً لها.
العلاّمة الطباطبائي والفقه والأصول
إنّ السيد الطباطبائي : خاض في العلوم النقلية ، كما خاض في العلوم العقلية .
وقد طوى : من عمره الشريف مدّة مديدة في دراسة الفقه والأصول ، لدى عباقرة الفقه وأساتذته .
كالميرزا النائيني : والشيخ محمد حسين الأصفهاني ، والسيد أبو الحسن الأصفهاني .
وترك أثراً في الأصول : وهو «التعليقة على الكفاية» ألَّفها عام 1368 عند دراسة الأصول على يد لفيف من الفضلاء .
وكان يُدرِّس : كتاب الصوم بصورة استدلالية في الحوزة العلمية .
ومع ذلك ترك : دراسة ذينك العلمين ، واشتغل بما هو الواجب من دراسة التفسير والفلسفة ، وذلك لوجود مدرسين كبار في الفقه والأصول.
العلاّمة الطباطبائي والرياضيات والهيئة
قد سبق منّا القول بأنّ السيّد الأستاذ : قد درس الرياضيات والهندسة المسطَّحة والفضائيّة والجبر الاستدلالي في النجف الاَشرف على يد السيد أبي القاسم الخونساري بايصاء من قبل أُستاذه في الحكمة والفلسفة السيد حسين البادكوبي، وأكّد على أنّ تعلم تلك العلوم يهب الذهن استعداداً خاصاً في إقامة البرهان كما انّه جمع بين الهيئتين القديمة والحديثة وقد قرأ شرح الچغميني وتشريح الأفلاك في الهيئة القديمة كما قرأ هيئة «فانديك» في الهيئة الجديدة، ومع ذلك لم تكن صلته منقطعة بالهيئة الجديدة حسب تطورها.
العلاّمة الطباطبائي والأدب العربي
قد أتقن السيد الطباطبائي : القواعد الأدبية اتقاناً رصيناً تعرب عنه كتاباته باللغة العربية وما أكثرها.
فانّ قلم الأستاذ : وإن كان غير خال عن نوع من التعقيد ، شأن نوابغ العالم كالشيخ الرئيس وغيره .
إلاّ أنّه كان : يستخدم القواعد العربية في إنشائه ، ويأخذ بناصية اللغة ، فيستعملها في مقالاته .
ومن عجيب الشيء : أنّ له منظومات متنوعة في الصرف و النحو والمعاني والبيان والبديع ، غير انّ الزمان عبث بها ، ولم يبق إلاّ الاَخير.
وكانت له يد طولى : في الأدب الفارسي ، وتدلك على براعته قصائدُه وغزلياته المعروفة ، والمنتشرة ، وليس المقام مناسباً لنقلها.
المصدر:
تذكرة الأعيان :لآية الله العلامة الشيخ جعفر السبحاني