• عدد المراجعات :
  • 2039
  • 10/24/2014
  • تاريخ :

التربية الجهادية في القرآن الكريم

جهاد

واحدة من الأساليب التربوية الجهادية الخاصة التي وَردتْ في القرآن الكريم لدفع المسلمين إلى الجهاد، هي إثارة غريزة فطرية عند الإنسان وهي حس الدفاع عن النفس والعرض والمال والدين، وتحريك حسّ الثأر للمظلومين وطلب القصاص والثأر للدماء البريئـة.

هذا الإحساس له جذوره الفطرية في طبيعة الإنسان، إذ أن كل إنسان، بل كلّ حيوان ذاتاً, ومن منظار أصل الخلقة, يقف في مواجهة المُعتدين عليه لينتقم منهم، ويدافع عن حقوقه. وفي هذه الجهة وردت بعض آيات الجهاد لجعل هذا الإحساس أكثر قوة وفاعلية وأكثر تحريكاً ودفعاً إلى إحقاق الحقّ والانتقام من الظّالم والمعتدي، وفي هذا المضمار يخاطب الله تعالى المسلمين: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ)1.

لقد أشار الله تعالى في هذه الآية إلى حقيقة ثابتة في علم النفس وهي الدفاع عن النفس، والتذكير والتأكيد الإلهي على هذه الحقيقة كان من أجل تحريك حسّ الثأر من الأعداء الذين كانوا يهاجمون المسلمين ويقتلونهم ويعتدون عليهم، وحتى لا يتردَّد المسلمون مستقبلاً في حرب عدوّهم والانتقام ممن يقاتلهم ويقتلهم.

لقد كان من الممكن أن يُستفاد من تعابير مختلفة في الآية لأجل بيان حكم القتال، كأن يقال مثلاً: (قاتلوا في سبيل الله المشركين) أو (الذين أشركوا) أو (الكفار) ولكن لا يمكن لأيٍّ من هذه التعابير أن يفي ببيان تلك الحقيقة النفسية.

واصطلاحاً يمكن القول إن التعبير في هذه الآية بـ (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ...) مشعر بالعلية يعني: بما أنهم يقاتلونكم عليكم أنتم أيضاً أن تقاتلوهم، وهذا تعبير وبيان عن حسّ الثأر الذي سيدفع المسلمين للتحرّك والدفاع عن أنفسهم، والتجهيز لمحاربة الذين يحاربونهم انطلاقاً من هذه الحقيقة النفسية وهذا الحس الفطري بالدفاع عن النفس والثأر من الظالم.

وفي الآية التي تلتها أيضاً، ورد تعبير: (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ)2 وهذا أيضاً فيه تحريك لروح الانتقام عند المسلمين أكثر فأكثر لينهضوا إلى حرب الأعداء بتصميم وجدية أكبر ولكي لا يبخلوا بتقديم أي تضحية في ذلك الطريق.

يقول الله تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَوُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّوُمِنِينَ)3

ففي هذه الآية الشريفة يدعو الله تعالى المسلمين إلى قتال المشركين الذين نكثوا الأيمان والعهود التي التزموا فيها بعدم التعدّي عليكم أو التعرّض لكم، فهم الذين أخرجوا نبيكم وقائدكم وأجبروه على الرحيل من مكة مهاجراً إلى المدينة تاركاً وراءه بيته وعائلته وكل ما يملك.

وهم أيضاً الذين بدأوكم بالحرب، وعليه لم يبقَ أمامكم مع هولاء طريق إلا الحرب والقتال، لذا عليكم أن تقاتلوهم بكل شجاعة وأن لا تخافوا منهم لأن الله أحق أن تخشوه.

والملفت أنه قد أشير إلى هذه الحقيقة النفسية في آيات شريفة أخرى بعبارات أصرح وأوضح، قال تعالى: (...وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّوْمِنِينَ)4 و (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ)5.

إنّ هذه الحقيقة النفسية قائمة على إشباع روح الانتقام من أعداء الله، لأن في قتالهم شفاءٌ لصدور المومنين، وإخراجٌ للغيظ والغضب من قلوبهم فتصبح باردة، فرحة بقتل العدو والانتقام من ظلمه وتعديه.

وفي آية أخرى، يقول تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ...)6.

ففي هاتين الآيتين الشريفتين يُذكّر الله تعالى المسلمين بأحقّيتهم في قتال الأعداء، وأنّ المشركين لا يستحقون إلا المواجهة والحرب، وذلك لسببين:

الأول: أن المشركين هم من بدأوا الحرب أولاً.

الثاني: أن المشركين هم من اعتدوا على المسلمين وظلموهم، خاصة أنهم أخرجوا المسلمين من ديارهم وأهلهم وشرّدوهم وعذبوهم من دون ذنب أو جرم، إذ أنّ ذنبهم كان بأنهم وحّدوا الله وعبدوه، وهذا ذنب كافٍ لكي ُيصبّ الظلم على المسلمين بكل أنواعه.

بل ولقد أردف القرآن هذا التعليل، بالإشارة إلى أنّ الله تعالى، الذي لا يرضى بالظلم، سوف يمدّ المومنين بمددٍ يمكّنهم من الانتصار على ظالميهم.

وبناءً على ما مرّ: كانت أول مرحلة من المدد الإلهي لهم، هو صدور الإذن بالجهاد والدفاع كما ورد في الآية الشريفة، وطبعاً إن النصر سوف يكون مكتوباً ومُشرّعاً لهم بناءً على الوعد الإلهي لمن ينصره، ولم يُعطِ الله تعالى الإذن بالجهاد والدفاع فقط، بل أكّد على المجاهدين أن يُبادروا هم إلى الهجوم على الأعداء وأن يقودوا حرب الدفاع عن أنفسهم ومقابلة العدو بالمثل متنبهين إلى حقيقة هذا العدو الذي أخرجهم من ديارهم وأبعدهم عن أهلهم وشرّدهم من دون ذنب، فأيقظ الله تعالى في روح المجاهدين وفي قلوبهم غريزة الدفاع وطلب القصاص وحسّ الثأر ليكون دافعاً باطنياً عميقاً لهم للنهوض وعدم القبول بالذل والهوان.

دفع الظلم عن المستضعفين

إنّ تحريكَ العواطف والأحاسيس تجاه المستضعفين والمظلومين، هو أسلوب آخر من أساليب التربية الجهادية الخاصة في القرآن الكريم. وإنّ العواطف الإنسانية ليس لها بحد ذاتها أي قيمة (لا سلباً ولا إيجاباً)، فهذه العاطفة بنفسها ليست مورداً للمدح أو الذم لأنّ قيمتها تتبَعُ لطريقةِ الاستفادة منها والهدف الذي تُحرَّك نحوه.

فكما يمكن لأي إحساس أو عاطفة أن تكون في المسير الصّحيح وأن تعمل في إطار الشرع والعقل، من الممكن أيضاً أن تكون تلك الأحاسيس والعواطف في مسار غير صحيح، فيبتعد الإنسان بها عن الخطّ المستقيم وعن أحكام الشّرع والعقل.

واحدةٌ من العواطف الإنسانية هي: عاطفةُ الإنسان تجاه أهله وأقربائه وخاصّته، وهي تُصنَّف ضمن العواطف الإيجابية الجيدة والمطلوبة، فكل إنسان يريد الخير والسعادة لأهله. والقرآن الكريم استفاد من هذه العاطفة ليجعل منها مُحرِّكاً للجهاد ومُقوِّياً لإرادة المسلمين ودافعاً لهم إلى حرب الظالمين والمستكبرين، الذين ظلموهم وأهلهم وخواصَهم، فكان هذا الترغيب لقتال الظالمين من جهة، ولحماية المستضعفين والمظلومين من جهة أخرى، كما ورد في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)7.

ففي هذه الآية عتاب ولوم إلهي للمسلمين، إذ إنها تقول لهم بلسان العتاب: لماذا لا تحاربون الأعداء؟ ألا ترون هولاء الأعداء يظلمون أهلكم وخواصكم من النساء والرجال، والأطفال الصغار، هم لا يرحمون أحداً منكم؟ ألا تسمعون صوت أنينهم ووجعهم، وصراخ استغاثاتهم؟

في الواقع إن ذكر هكذا مطالب إنما يهدف لتحريك تلك الفطرة الإنسانية، وأحاسيس الأخوة والمحبة بين المسلمين، مما يدفع بالمسلمين إلى التحرّك لتحرير هولاء المستضعفين من قيد الظلم والظالمين، وتقديم الحماية والمساعدة للذين لا قدرة لديهم - منفردين - لأن يدافعوا عن أنفسهم، بل هم بحاجة إلى من يساندهم ويساعدهم على التحرر من قيد المشركين المستكبرين، والكفار الظالمين.

بيان أهداف الجهاد المقدّسة

واحدة من الطرق التربوية الخاصة التي ذكرها القرآن الكريم لأجل تحريك المجاهدين ودفعهم إلى ساحة العمل هي بيان الأهداف السامية والمقدّسة للحرب والجهاد، وعلى رأس تلك الأهداف هو (التحرّر الإسلامي).

إن معرفة هذه الأهداف والاطلاع عليها يقوِّي دافع القتال لدى المجاهدين، وتصبح سبباً لأن يَرِد المقاتلون إلى ميدان الحرب ضد الأعداء بروحية مطمئنة ونفس عازمة مصممة، غير قلقة أو متزلزلة. ومن جملة الآيات التي أشارت إلى هذا الأسلوب هذه الآية الكريمة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)8.

وقد تكرّرت نفس هذه العبارة في الآية 39 من سورة الأنفال لكن مع تفاوت، فبعد كلمة (الدِّينُ) أضيفت كلمة (كُلِّهِ).

لقد بيّن الله تعالى في هذه الآية هدفَ الجهاد، وهو استئصال الفتنة ونشر الإسلام وتثبيت حاكمية دين الله في الكون، لتكون هذه الأهداف هي الدّافع والمُحرّك للمسلمين إلى الجهاد والقتال، فإن المسلمين إذا ما عرفوا حقيقة أن القتال ضد أعداء الإسلام سوف يجرّ هكذا نتائج مهمة، فإنهم سوف يتوجّهون وبشكل أكيد إلى الحرب بقلوب عاشقة ومتحمسة، ويبذلون كل سعيهم وجهدهم، بل ويتحمّلون كل مشقات الحرب من أجل تلك الأهداف السامية.

المجاهدون وسيلة لتحقّق الأهداف الإلهية

ومن الأساليب القرآنية الخاصة في تربية المجاهدين، ما يشير إلى حقيقة عميقة وسامية وهي أنّ المجاهدين في سبيل الله هم واقعاً أيادي الله، ووسائل تتحقّق بها الأهداف الإلهية، وبعبارة أعمق: المجاهدون هم مجرى تحقُّق الإرادة الإلهية.

إنَّ استيعاب هذه الحقيقة، والتوجّه إلى هذا النوع العميق من المعرفة، لزيادة الوعي عند المجاهدين واطّلاعهم بحساسية عملهم وأهمية موقعهم، ما يجعلهم أكثر إقبالاً على الحرب وأصبرعلى تحمّل العذابات والابتلاءات التي تكون غالباً فوق طاقة تحمّل الأشخاص العاديين، بل إن المعرفة بهذه الحقيقة وعلو هذا المقام تجعلهم يستنزفون كل طاقاتهم في سبيل تحقيق الهدف الإلهي.

وهذه الآية الشريفة يمكن أن تُعد من مصاديق هذه الحقيقة، وإشارة إلى هذا الأسلوب الخاص في تربية القرآن للمجاهدين، قال الله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى)9.

وهذه الآية تعني أن أيديكم أصبحت بمنزلة يد الله، وأن عملكم هو عمل الله عز وجل.

وفي آية أخرى قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ)10.

فالآية تشير إلى حقيقة أن المجاهدين هم وسيلة لتحقّق الإرادة الإلهية، وأن الله سبحانه وتعالى يُعذب الكفّار بواسطة الأيادي الجهادية التي تقاتل العدو.

المصدر:

1- سورة البقرة، الآية 190.

2- سورة البقرة، الآية 191.

3- سورة التوبة، الآية 13.

4- سورة التوبة، الآية 14.

5- سورة التوبة، الآية 15.

6- سورة الحج، الآيتان 39 - 40.

7- سورة النساء، الآية 75.

8- سورة البقرة، الآية 193.

9- سورة الأنفال، الآية 17.

10- سورة التوبة، الآية 14.

 


الإعداد العقائدي‏ 

الحثّ على الجهاد 

التجهيز

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)