• عدد المراجعات :
  • 1675
  • 4/8/2006
  • تاريخ :

الافلاس المعنوي ومعني وجودنا الاخلاقي

يمكن اعتبار معرفة الإنسان لنفسه حجر الزاوية كي يحدد لها أن يكون في مصاف الصالحين أو الطالحين مع أن مصطلح الصلاح يذكر دوماً بمقولة رائعة للسيد المسيح عليه السلام وهو يشير لنفسه بعد أن سموه بالصالح إذ يقول: (ليس هناك صالح غير الله) وهذا التواضع الشديد في كلمة النبي عيسي عليه السلام وبهذا الوصف يعلّمنا كما علمنا كل نبي عليهم السلام درساً من دروس المنطق العادل وكيف ينبغي أن يكون، فأخطر ما يواجه الإنسان هو شعوره بالإفلاس المعنوي أمام ذاته.

والمرء السوي هو دوماً ذلك الشخص الذي يتزود من معلومية.. الأخلاق الرفيعة السامية سواء أخذها عن نص ديني من كتاب سماوي مقدس كالقرآن الكريم أو من نظرات الأتقياء لهذا العالم الصاخب بهدوء أحياناً وبضجيج بمرات أخري ويبقي المهم أن يتم استيعاب المرء لذاته ضمن دائرة حواراته مع دائرة عقله وضميره في تأملاته اليومية وتطلعاته إلي الواقع وأخيراً تمحيصه لمعني وجوده بهذه الحياة التي سيخسر تواجده علي أرضها عاجلاً أم آجلاً.

في كل يوم تمر أمام أذهاننا أشرطة من البيانات والتبينات في حين تحدثنا تواليات الأحداث والوقائع أن هناك خيطاً غير مرئي يعتمل علي محاولة تجميل القبيح أو تقبيح الجميل ومع أن هذه ليست سُنَّةً محببة لشيطانية صاحبها لكن الغطاء الشخصي لمثل هذه الحالات يمثل انحرافاً نحو مستنقع السقوط أو علي الأقل وجود استعداد فعلي لتقبل مثل هذا السقوط الذي إذا ما لازم المرء فقد يصبح عقيدة لديه وعندها يصعب الاحتكام لمعرفة أي قاعدة قد عملت علي استخلاف شخص قد فضل انتهاج مبدأ الكسب المادي أو الكسب المعنوي بصورة لا تنم عن أي استحسان يمكن أن يقنع نفسه به وهذا هو منتهي السقوط الذي يشعر به المرء أمام مرآة عقله.

واختلاجات المرء مع ذاته غالباً ما تتمحور نحو الطمع في استحصال النتائج وهذا الطمع يصل في حالاته السلبية لإلحاق الضرر المعنوي قبل أي شيء بالآخرين لكنه يترسخ بشكل مؤكد حين يتجه المرء نحو أداء خدمة إنسانية لهم من موقع الطيبة المجبولة عليها ذاته ولكن يبقي الخطر المهدد للإنسان من خلال المؤثرات السلبية القادمة إليه من بعض محيطه الاجتماعي وفساد البيئة العلائقية مع الأقران وعدم وجود ضابط عائلي أو ضغط لرادع الضمير.

وتشاء الظروف بأحيان ليست قليلة مع قليل أو كثير من الخط أن يتبؤا الإنسان السلبي مركزاً علمياً أو مركزاً اجتماعياً أو منصباً حكومياً فيشعر أن الأنظار أضحت متوجهة إليه فيحاول قدر مستطاعه أن يتمظهر بصورة الملتزم لما تمليه عليه هذه (الرفعة) التي لم تنزل عليه من السماء ويتناسي مثل هذا النموذج أن بإمكانه أن يستثمر هذه الفرصة الرحمة التي وصل إليها ربما (بشطارة) أو (صدفة) كي تكون مناسبة لصلاحه الأخير مع ذاته ومصالحته لعقله فتراه يفضل استغلال وضعه الجديد لصف سقوطه ذاته ونري في مثال قتل الطبيب لمرضاه أو إبداء شهادة زور ضد بريء أو إصدار حكم قانوني بإعدام شخص علي الشبهة! والأمثلة والشواهد علي ذلك لا تعد ولا تحصي مادامت (الاستقامة) لم تعد من مقومات الوجود عند من لم يعرف أن المعادلة في الحياة لا تقبل زرع المفارقات المائعة في الطرق التي يسير عليها الكرماء من الناس.

وإذ يبقي ارتباط المرء بنفسه أكبر من أي ارتباط آخر لأنه يحدد فيه كل ارتباطاته الحياتية والمعيشية الأخري فهو يشعر تماماً أن لا ضمانة خالدة لشيء سوي ضمانة السمعة الطيبة في الدنيا ومجازاة العمل في الآخرة هذا إذا كان لدي ذاك المرء إيمان بالخالق سبحانه وتعالي ومصدقاً لأنبيائه وأوصيائه ومؤيداً للمصلحين الاجتماعيين الحقيقيين.

إن العديد بين شرائح المجتمعات الذين كانت بدايات حياتهم يكتنفها شيئاً من الغموض ممن ارتموا في أحضان العوز الروحي أضحت درجة وعيهم ملتصقة برواسب اللا إخلاص لأحد والمفتقرون حقاً للمثل العُليا فهؤلاء الذين لا تنكشف سجياتهم إلا علي المحك وذلك لكونهم يعيشون بانسجام تام مع سقوطهم المقنع اللا بادي للآخرين لكنه انسجام بعيد عن الحكمة والرجاحة.

إن الحضور النفّاذ للوعي يذكِّر بأن الرصانة المبداة من قبل المقنعين بها لن يستطيعوا وقف انكشاف حقيقتهم في ميلودراما الحياة وقديماً قد قيل بهذا المقام: (ماذا لو ربح الإنسان العالم و فقد نفسه) ويبقي الإنسان حراً في اختيار طريقه المناسب لأخلاقياته ولكن ما هو غير مقبول أن يزرع الشوك في الطرقات الصالحة للمسير.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)