الكتاب المبارك فى الشهر المبارك
قال أمير المؤمنين(ع) و هو يصف القرآن: (فى القرآن نبأ ما قبلكم، و خبر ما بعدكم و حكم ما بينكم)، و قال الوليد بن المغيره بعد ان سمع آيات من القرآن من رسول الله(ص): (و الله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الانس و لا من كلام الجن و ان له لحلاوة و ان عليه لطلاوة و ان اعلاه لمثمر، و ان اسفله لمغدق، و انه ليعلوا و لا يعلى عليه، و ما يقول هذا بشر).
هذان قولان لشخصين مختلفين، احدهما لعلى بن ابى طالب(ع) و ثانيهما للوليد بن المغيره . و الاول قطب من اقطاب المدرسه الربانية و الثانى قطب من اقطاب الجاهلية الا انهما قد اتفقا على امر واحد و هو الاشارة الى خطورة القرآن و اهميته البالغة.
فى كلمة على(ع) نرى وضوحا فى التأكيد على ان القرآن العظيم هو كتاب الماضى و المستقبل و الحاضر. اما انه كتاب الماضى فلانه يذكر لنا بأمانة و صدق قصص الامم الماضية و سيرها فى الحياة و طبيعة العلاقة بينها و بين انبيائها لنعتبر و نتعلم الدروس و نستخلص القوانين و اما انه كتاب المسقبل فلاننا بعد ان نعرف قصص الماضين نعرف ما ستؤول اليه مصائر الامم القائمه و مستقبلها.
و اما ان القرآن كتاب الحاضر فلانه معجزة خاتم الاديان و الاية من القرآن باقية كالشمس تجرى على آخرنا كما جرت على اولنا كما هو مضمون الحديث الوارد عن الامام الصادق(ع) و اذا كانت الايات قد نزلت بمناسبات معينة فهو لا يعنى انحصارها و اقتصارها على مناسبة النزول فان المورد لا يخصص الوارد.
و لسنا فى معرض الاسهاب فى البرهنه على صحة قول على(ع)، و لكننا نذكر مثالا واحدا على ذلك، فالقرآن العظيم يقول: (و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا) فيقرر و يثبت ان اعداء المؤمنين يقاتلون معسكر الايمان لايمانه و لتمسكه بمنهج الله الحق و يقرر ان هذا القتال مستمر متواصل لا يتوقف و انما يتخذ له اشكالا و اساليب مختلفة و يقرر ايضا ان الغاية من هذه الحرب المعلنة هو تركيع الجماعة المؤمنة الملتزمة.
و هذا الذى يقرره القرآن صادق على الماضى و الحاضر و المستقبل على حد سواء فما دامت هناك جماعة مؤمنة مجاهدة ملتزمة فان الحرب عليها قائمة (و ما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد) و اذا اردنا ان ننظر الى صدق ذلك فى وقتنا الحاضر فلننظر فى الحرب المعلنة من قبل الكفر العالمى و ادواته فى المنطقة على الثورة الاسلامية فى ايران.
ان قيمة القرآن العظيم تكمن فى هذا. انه كتاب لا يتحدد بالزمان او الطبقة او القومية .
انه كتاب كل زمان و كل مكان و كل الناس بدون تخصيص.
ان هذا الكتاب العظيم المبارك المعجز كان ظرف نزوله هو هذا الشهر المبارك شهر رمضان (شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن)، و كانت الليلة التى نزل فيها بالتحديد هى ليلة القدر (انا انزلناه فى ليلة القدر)، و كان النزول فى هذه الليلة المباركة من الشهر المبارك جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا و على قلب رسول الله(ص) على شكل خطوط عريضة لاعداد القائد ليقوم بمهمة الانقاذ و التغيير الشاقة للانسانية جمعا و تشير الى هذا النزول الدفعى كلمه (انزلناه)، و اما النزول الثانى الذى كان يستهدف تربية الامة فكان عند ما بعث رسول الله(ص) بالنبوة و كان هذا النزول العام للامة تدريجيا منجما على حسب المناسبات و تشير اليه كلمة (نزلناه) فى قوله تعالى ( و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث و نزلناه تنزيلا) ان هذا الكتاب المبارك الكريم نزل نزول الغيث على الارض الجدباء.
لقد كان نعمة كبرى على البشريه فقد تمكنت القياده العظيمة ان تحقق الهدف الذى انزل من اجله القرآن هدف اخراج الناس من الظلمات الى النور، لقد تحققت المعجزة على يد الكتاب المعجز و القيادة القرآنية التى تربت عليه و استحالت الى قرآن يمشى على الارض بين الناس . فقد قالت زوج رسول الله عائشه عند ما سئلت عنه: (كان خلقه القرآن).
اجل لقد تحولت القبائل المتناحرة بفضل الرسالة الصالحة و القيادة الصالحة الى كتله متراصة متآخية متحدة و ارتفعت الهمون و صاروا يفكرون بنشر نور الاسلام فى كل العالم بعد ان كانوا يعيشون الهمون الصغيره اليومية لقد اصبحوا اصحاب قضية و اصحاب رسالة و هذا هو معنى قوله تعالى: (ليلة القدر خير من الف شهر) فان يوما واحدا تعيشه امة فى ضل رسالة صالحة و مبدأ قويم افضل من العيش دهورا و آمادا متطاولة بدون ذلك، و اذا كان القرآن بهذه المثابه من الا همية و الخطورة استطعنا ان نقف على السر الذى يؤكد فيه الرسول الاعظم باستمرار و ائمتنا الاطهار على الدوام على الانشداد الى القرآن تلاوة و تدبرا و عملا ففى الحديث عن رسول الله(ص) :(افضل عبادة امتى قراءة القرآن). و فى حديث ايضا (اشراف امتى حملة القرآن و اصحاب الليل)، و فى آخر: (لقد تجلى الله لخلقه فى كلامه و لكنهم لا يبصرون).
ان الانشداد الى عهد الله و ثقله الاكبر واحد شقى الامانه التى خلفها فينا رسول الله (ص) امر مطلوب فى كل وقت من الاوقات.
ان الاهتمام بالقرآن اهتمام بسعادتنا و كرامتنا و قوتنا و سيادتنا فى الحاضر و المستقبل و يتأكد هذا الاهتمام بهذا الكتاب الكريم فى شهر الله رمضان لانه ربيع القرآن، يقول الرحمه المهداة(ص): (و من تلافيه آيه من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن فى غيره من الشهور)، و عند ما ضرب اميرالمؤمنين على يد اشقى الاولين و الاخرين لم ينس القرآن بالوصية قبل ان يغادر هذه الحياة الفانيه فيقول و هو على فراش الموت معصوب الرأس و الجبهه : (الله الله فى القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم).
و عند ما التزم المسلمون الاولون بتعاليم القرآن العظيم و كانوا يتلقون آياته (للتنفيذ) و (العمل) و (التطبيق) لا (للتثقيف) و (العلم) فقط.
عند ما كان المسلمون يتخذون من قرآنهم دليلا لصراعهم مع اعداء الله و الانسان استطاع هذا الكتاب ان ينقلهم النقله الكبرى و يصعد بهم الى القمه السامقه و يبؤاهم مقعد الاستاذيه للبشريه جمعا، و اليوم فان القرآن يتمكن ان يفعل ما فعله بالامس بشرط ان نتهيأ لذلك و نتلقاه للعمل و الجهاد و الحركه و الدعوة الى الله.
ان طبيعة الاسلام تختلف عن طبيعة الفلسفات الجامدة. ان المدرسة الاسلامية مدرسة العلم و العمل و القول و الفعل. ان المدرسة الاسلامية ترفض رفضا باتا حالة الانفصام بين العلم و العمل و عندما يعود الوضع الى حالته الطبيعية و يقرن العلم بالعمل فان المعجزة التى تحققت بالامس سوف تتحقق اليوم لا محالة فالقرآن كما وصفه احد اقطاب اعداءه الوليد بين المغيرة: (... ان له لحلاوة و ان عليه لطلاوة، و ان اعلاه لمثمر و ان اسفله لمغدق، و انه ليعلو و لا يعلى عليه..).
و هو كتاب الحاضر و الماضى و المستقبل كما وصفه على بن ابى طالب الاب الثانى لامتنا الاسلامية. نسأله سبحانه ان يجعلنا ممن اختاره لاعلاء راية دينه و حمل كتابه انه سميع مجيب...
فى مدرسة رمضان ص 169
هادى الخزرجى
القرآنُ الكريم عِند أهل البيت عليهم السّلام
للقرآن الكرَيم مكانة كبرى عند المسلمين لم تكن لأيّ كتابٍ آخر سواه .
فمنذ نزوله أحبُّوه، وتَلَوْا ما تيَسَّر لهم منه آناء اللّيل وأطراف النّهار، وحَفِظُوا آياته، وحَفَّظوهُ أبنائهم، واعتنَوا بتفسيره، واستجلاء مقاصده .
وقد كان هذا طبيعيّاً، فهو كتاب الله العظيم، المستجِمع لجميع عناصر الرّوحانية والجمال، وهو الذي أوجدَ منهم اُمةً عظيمةَ الشّأن، منيعة الجانب، سامية الحضارة، محترمةً بين الشّعوب والأمم، بما أعطاهم من شخصيّة وسموٍّ في الذّات والمعنى .
غير أنَّ القرآن الكريم كان له عند أهل بيت النّبوّة ـ بدءً بالإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ومروراً بفاطمة الزّهراء عليها السّلام ثمّ الحسنين والأئمّة التّسعة مِن وُلْد الحسين ـ مكانة أكبر، ومنزلَة أسمى فاقت ما لهذا الكتاب العظيم من المكانة والمنزلة عند غيرهم من المسلمين .