مرقد الامام الرضا عليه السلاممشهد: المدينة المقدسة الأولى في إيران كانت تعرف بطوس ومشهد الرضا عليه السلام فغلب عليه الإسم، تبعد عن العاصمة طهران 924 كم، جاء في مقاتل الطالبيين: (احضر المأمون الإمام الرضا قبل أن يحفر قبره وأمر أن يحفر إلى جانب أبيه).
واتفقت المصادر على أنه (عليه السلام) دفن في القبة التي دفن فيها هارون الرشيد بطوس في دار حميد بن قحطبة الطائي ويظهر أن الذي بنى تلك القبة على الرشيد هو ولده المأمون.
وكان المأمون يريد بذلك أن يبقى أثر قبر أبيه ثابتاً لا يمحى وهو عالم بتاريخ الطغاة والظلمة مهما كانت جبروتهم، ولكن بعد مرور الزمن أصبحوا في خبر كان، فأراد أن يستغل شخصية الإمام عليه السلام ليخلد قبر أبيه هارون الرشيد، ولكنه غفل أن الحق يعلو ولا يعلى عليه ولا سلطان إلا للحق فإذا مات السلطان ماتت معه جبروته ويبقى منطق العدالة وحده هو الحاكم، وبعد أن كسر الدهر قوة العباسيين أصبح مرقد الإمام عليه السلام هو المزار وحده حتى أصبحت البلدة لا تعرف إلا باسم مشهد الرضا عليه السلام ولم تعد تسمع ذكراً لقبر هارون في بطون التاريخ، وفي ذلك يقول شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي:
قــبران في طوس خير الخلق كلهم |
وقبـــر شــــرهم هـــذا مــــن العبر |
ما ينفع الرجس من قرب الزكي |
وما على الزكي بقرب الرجس من ضرر |
هيـــهات كل امرئ رهن بما كسبت |
لــــه يــــداه فخـــذ ما شئت أو فذر |
لم تعرف هذه المنطقة في المعاجم العربية إلا بطوس أو المشهد، وعبر عنه ياقوت الحموي (المشهد الرضوي). وواضح أن قبر الإمام المقدس وليس قبر الخليفة هو الذي جعل سناباد وهي القرية الخاملة تصبح اليوم من أهم مزارات أهل البيت (عليه السلام): تقصده الزوار من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، والمهم الوقوف على لمحة تاريخية عن هذه الروضة فإن هذا المكان الذي فيه الضريح الطاهر، كان قبل وفاة الإمام بناء مشيداً يعود إلى حميد بن قطبة الطائي أحد قواد أبي مسلم الخراساني الذي قتل في إحدى الحروب، وبقي مبناه الرفيع قائماً وعندما توفي هارون الرشيد عام 193هـ في خراسان دفنوه في هذا المكان وأقاموا على قبره قبة، سميت فيما بعد في القبة الهارونية، وحينما توفي الإمام الرضا عليه السالم دفن جثمانه الطاهر كذلك في القبة الهارونية غير أن هذه القبة دُمرت عام 380هـ، على يد الأمير سبكتكين تدميراً كاملاً، وهذا الدمار لم يدم مدة طويلة حيث أن السلطان محمود بن سبكتكين جدد بناء تلك الروضة ثم قام ابنه مسعود بإضافة بعض الأبنية ووضعوا إليها على قبر الإمام ضريحاً مذهباً.
ومن الذين ساهموا أيضاً في تجديد بناء قبة الإمام أبو طاهر القمي الوزير الشيعي للسلطان سنجر، حيث دفن هو الآخر إلى جوار المرقد الطاهر.
وانهدم مرة أخرى أثناء حملات المغول حيث لم يبقَ منه إلا القبة فقط وأعيد بناؤه هذه المرة بأمر أولجايتو السلطان محمد خدا بنده على النمط الذي يصفه الرحالة المعروف ابن بطوطة تعد أن زار مشهد سنة 734هـ حيث يقول: (وهناك قبة رائعة ضخمة، ومدرسة ومسجد كبير، وكانت أرض هذه المباني وجدرانها تزدان بالقاشاني البديع، وكان يقوم فوق القبر ضريح من الفضة، وكانت الأبواب المفضضة، والقناديل الذهبية والفضية المدلاة من السقوف والستائر الحريرية المسدلة على جوانب المكان، تزيد الوضع أبهة وجلالاً ومنذ ذلك الحين لم يواجه هذا المرقد خطر، بل كانت تزداد هدايا الزوار والأعيان وعناية الأمراء والملوك خاصة الصفويين، لا سيما الشاه عباس الكبير، الذي أمر بتذهيب القبة سنة 1010هـ، وتم 1016هـ.
ويقع مقر الضريح الطاهر حالياً في وسط الأبنية التابعة له والأبنية التي تحيط به عبارة عن صحن الدار القديمة، والجديدة ومسجد كوهرشاد والأروقة، أما مساحة الأراضي التي يقوم عليها مقر الضريح والمباني التي تحيط به فتبلغ مساحتها حوالي 40000 متراً مربعاً يقوم على 5040 متراً منها الضريح وأروقته، وعلى 5211 متراً منها الشرفات المواجه للشوارع الجانبية، ثم 4950 متراً يحتلها الصحن الجديد و 7150 متراً الصحن القديم و8798 متراً يقوم عليها مسجد كوهرشاد، و8000 متراً يستقر عليها مبنى وصحن دار المتحف الرضوي.
ويوجد في داخل مقر الضريح كثير من نفائس القاشاني القيمة والمخطوطات الرائعة. وعلى المرقد الطاهر قبة ارتفاعها 31 متراً وكان وجه القبة، أي قشرها الخارجي، حتى عام 932هـ مكسواً بالقاشاني، وفي هذا العام أمر الشاه طهماسب بتبديله إلى الذهبي كما أقام منارة مذهبة رائعة، ونصب حول المرقد ضريحاً من الذهب ولكن كل هذا الذهب راح نهباً في غزوات الازبك على عهد الأمير عبد المؤمن خان الأزبكي، حيث أمر بخلعه وتذويبه للإستفادة منه في مصالح أخرى.
ومنذ ذلك الحين حتى عام 1010هـ باتت متروكة وخربة. وفي هذا العام توجه الشاه عباس الكبير من أصفهان لزيارة الحرم المطهر.
ويقع في الضلع الشرقي في الحرم الصحن الجديد ويبلغ طوله 85 وعرضه 54 متراً، وفي عهد فتح علي شاه القاجاري بوشر بتشييده عام 1233هـ وتم تزيينه بالقاشاني نهائياً عام 1260هـ على عهد محمد شاه، ولهذا الصحن أيضاً ايوان مذهب أقامه فتح علي شاه وأكمل تذهيبه ناصر الدين شاه ويضم الحرم الطاهر مئذنتين تقعان في الصحن العتيق، قاعدة إحداهما في الضلع الجنوبي، وقاعدة الأخرى في الضلع الشمالي من الصحن أقام الأولى الشاه طهماسب الصفوي، وتم تذهيبها على يد نادر شاه.
•ووصف الرحالة ابن بطوطة المزار بقوله
: (المشهد المكرم عليه قبة عظيمة في داخل زاوية تجاورها مدرسة ومسجد وجميعها مليح البناء، مصنوع الحيطان بالقاشاني وعلى القبر دكانة خشب ملبسة بصفاح الفضة وعليه قناديل فضة معلقة تحته، باب القبة فضة، وعلى بابها حرير مذهب وهي مبسوطة بأنواع البسط وإزاء هذا القبر قبر هارون الرشيد أمير المؤمنين وعليه دكانة يضعون عليها الشمعدانات التي يعرفها اهل المغرب بالحسك والمناثر.
وتوالت العناية بالمشهد والمزار خاصة في العهد الصفوي حيث كان السلاطين يزورونه مشياً على الأقدام ومنها سنة 1009هـ كما جاء في كتابة القبة ـ كما ينقلها المحدث القمي ـ نصها:
(بسم الله الرحمن الرحيم من عظائم توفيقات الله سبحانه أن وفق السلطان الأعظم مولى ملوك العرب والعجم صاحب النسب الطاهر النبوي والحسب الباهر العلوي تراب إقدام خدام هذه العتبة المطهرة اللاهوتية، غبار نعال زوار هذه الروضة المنورة الملكوتية مروج آثار أجداده المعصومين السلطان ابن السلطان أبو المظفر شاه عباس الحسيني الموسوي الصفوي بها درخان، فاستسعد بالمجيء ماشياً على قدميه من دار السلطنة أصفهان إلى زيارة هذا الحرم الأشرف وقد تشرف بزينة هذه القبة من خالص ماله في سنة ألف وعشر وتم في سنة ألف وست وعشرة).
ومن الحوادث الأخيرة اعتداء الروس على القبة بالمدافع في 10 ربيع الأول 1330هـ وقد ذكر هذا السيد الحسن الصدر (قده) في إجازته الكبيرة للشيخ آغا بزرك الطهراني دام ظله في الحاشية ما نصه: (3 / ب)الحمد لله حمداً لا يقوى على إحصائه إلا هو والصلاة على رسوله وآله صلاة لا يحصها إلا الله، قد أخذ الله بثأر الحرم الرضوي من الدولة الروسية في هذه السنة سنة 1335هـ حيث بددها وقتل رجالها وسلطانها وشتت شملها وفرق جمعها، وألقى بأسها بين أهلها حتى تمزقوا عباديد وصاروا طوائف لا جامع لهم بعد أن كانوا أقوى الدول ولا أضعف منهم اليوم تتقاسمهم الدول وهم مع ذلك يقتل بعضهم بعضاً فاعتبروا يا أولى الأبصار من بطش الجبار وكيفية أخذ الثأر، وفي سنة 1335 الهجرية والاختلاف فيهم فإنه إلى اليوم وهو آخر ذي القعدة من شهور سنة 1339هـ وقد انتهى بهم الحال إلى ما لم يكن يخطر على قلب بشر ووقوعه من غير مبالغة والحمد لله رب العالمين.
ولا شك أن تاريخ هذه المدينة المقدسة مليء بالحوادث الإصلاحية المركزة حيث كانت ولا تزال مركز الإشعاع الفكري للشيعة ومنبثق صوت العدالة الإسلامية على آلاف الزائرين الذين يتوافدون عليها.