الامام الرضا عليه السلام
إن حياة المعصومين الأربعة عشر كانت زاهرة بالحب والمعرفة والصبر والبصائر، إلا أن ما بلغنا من ضياء بعضهم كان أكثر من البعض الآخر، والإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من أولئك الذين تسنّت لنا فرصة الاهتداء إلى المزيد من فضائلهم، ولأنهم عند الله نور واحد، فليس علينا إلا الاستضاءة بسيرته (عليه السلام) لمعرفة سيرة سائر المعصومين من آبائه (عليهم جميعاً سلام الله).
وأظن أن حياة الإمام الرضا (عليه السلام) كانت فاتحة مرحلة جديدة من حياة الشيعة حيث خرجت بصائرهم وأفكارهم من مرحلة الكتمان إلى الظهور والإعلان، ولم يعد الشيعة من بعد ذلك العهد طائفة معارضة في مناطق خاصة، بل أصبحوا ظاهرين في كل بلاد، ولقب (الرضا) أطلق على الإمام علي بن موسى (عليه السلام) منذ نعومة أظفاره، وكان الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قد منحه إياه كما أعطاه كنية أبو الحسن فكان كثير الحب له.
الإمام الرضا (عليه السلام) كان بمثابة قرآن ناطق، فخُلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، وكان (عليه السلام) يمثل هذا النور بكل وجوده، وكان قلبه يستضيء بنور الله، وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمه، وجعله حجة بالغة على خلقه وهكذا أناب الإمام الرضا (عليه السلام) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم، لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق.
وأعظم الزهد زهده في الخلافة، بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها، حتى شهد له أعداؤه في شأن الخلافة. ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم من خلال موقف الإمام المشرف.
وكان (عليه السلام) في قمة التواضع وحسن المعاشرة مع الناس، وقد فاضت من هذه النفس الكريمة تلك الأخلاق الحسنة، وكان عظيم الحلم والعفو، وسيرته تشهد بذلك وكتب التاريخ غنيةً بذلك.