الوهابية والداعشية: تطابق في الفكر والعمل
يخرجون بسيوفهم في الاسواق حين يجتمع الناس على غفلة فينادون "لا حكم إلا لله"، ويقتلون الناس بلا تمييز. لا يصف هذا المشهد ما يحدث اليوم على ايدي التكفيريين المعاصرين، هو وصف لاحد العلماء لمشهد التكفيريين الاوائل في الاسلام اي الخوارج، وما اشبه اليوم بالامس. فبين تكفيريي الامس واليوم عناصر مشتركة ربما الكثيرون لا يعرفونها، فمن اين تبدأ القضية؟
من بلاد "نجد" بدأ التطرف مبكرا فقد كانت المركز السياسي لحركة الردة في اعقاب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فمن سهل حنيفة ظهر مسيلمة الكذاب وتحالفت معه سجاح التميمية، ومن نفس سهل حنيفة ولد وعاش محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الوهابية فيما بعد.
فقد تحول النجديون من مسلمين في عهد النبي الى مرتدين. وتقلبوا الى ان انقلبوا خارجين على علي بن ابي طالب عليه السلام حيث عرفوا باسم "الخوارج" . وأخذوا يرفعون لواء الحاكمية "لا حكم إلا لله" ويقتلون المسلمين في العراق وإيران، فاستباحوا قتل المسلمين.
واصطبغت حركتهم بالعنف المرتبط بتفسير ديني. وهو المبدأ النجدي الاصيل في التعامل مع الاخر حتى قبل دخولهم الاسلام .
ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم تحت اسم القرامطة وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية، ولم تنج الكعبة من تدميرهم.
ثم ساروا الى بعلبك فقتلوا أهلها، وساروا إلى سلمية وأعطوهم الامان لكنهم اخذوا يعملون فيها قتلا لمن بها من بني هاشم ولم يخرجوا منها الا وليس فيها عين تطرف.
هذه الوحشية قامت على منهج فكري أشار إليه النويري في حديثه عن التربية الفكرية لشباب القرامطة، كما أشار إليها الطبرى في قصة لشاب اقتنع بالدين القرامطي وهجر أمه وأسرته مقتنعا بالدين الجديد معتقدا باستحلال الدماء.
ان شعار هذا الحلف كان " الدم الدم، الهدم الهدم"
ثم ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته الدينية وتحالف مع ابن سعود.
ويكفي ان نعرف ان شعار هذا الحلف كان " الدم الدم، الهدم الهدم" لنفهم طبيعة هذه الدعوة وما ستۆول اليه الاوضاع في ظل هذا الحلف.
فأعطى ابن عبد الوهاب لآل سعود تشريع الاستحلال بعد أن اتهم كل المسلمين الاخرين بالكفر، كمبرر ديني للغزو والتوسع.
ولا تختلف المدرسة الفكرية للقرامطة في غسل ادمغة الشباب عن الاسلوب الذي اعتمده فقهاء الوهابية. اعداد يدفع بهم "للجهاد" واستحلال قتل من ليس وهابيا، لانك وببساطة ان لم تكن وهابيا فانت لست بمسلم.
بدأ السعوديون-الوهابيون باحتلال نجد كلها ثم ضم الاحساء وتوسعوا في غاراتهم لتصل الى قطر والبحرين والكويت وعمان ، ثم ضموا الحجاز، وحاربوا اليمن، وتطلعوا لاحتلال العراق والشام.
* الوهابية والداعشية: تطابق في الأفكار
ويكفي ما ذكره مۆرخ الدولة السعودية الاولى عثمان بن بشر النجدي في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) عن مذبحة كربلاء في أحداث سنة 1216 هجرية يقول : " وفيها سار سعود (يقصد سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود) بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها .. وقصد أرض كربلاء، وذلك في ذي القعدة ، فحشد عليها المسلمون (اي الوهابية) وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الاسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين، وأخذوا ما في القبة وما حولها واخذوا النصبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الاموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة، وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر ..".
ويقول عثمان بن بشر النجدي رداً على انتقاد المسلمين لما فعله الوهابيون بأهل كربلاء مفتخرا : "وقولك اننا أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أهلها فالحمد لله رب العالمين، ولا نعتذر عن ذلك، ونقول : وللكافرين أمثالها " ويقول في موضع آخر :"وأقمنا بها عشرة أيام وذبحنا ودمرنا ما بلغك علمه".
وكان التعليل واضحا فهم يتحدثون ان الوهابية هي الاسلام وغيرهم ليس بمسلم؛ طبقا لما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسائله.
ففي عقيدة الولاء والبراء يقول ابن عبد الوهاب : "ان الانسان لن يستقيم له اسلام وترك الشرك الا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض" (محمد بن عبد الوهاب: كتاب كشف الشبهات ،و 13 رسالة اخرى .القاهرة .الطبعة الرابعة).
وحكم عبد الوهاب بكفر الشيعة كلهم، واعتبر بلدهم بلد حرب، وقال وان كلهم يشهدون ان لا اله الاالله وان محمدا رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما اظهروا مخالفة الشريعة في اشياء دون ما نحن فيه ( فلنلاحظ كلمة ما نحن فيه) اجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وان بلدهم بلد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بايديهم من بلاد المسلمين"؟ ( رسالة كشف الشبهات ).
* حكم بتكفير الجميع بمجرد كلمة.
يقول ابن تيمية : "ان الانسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل وقد يقولها وهو يظن انها تقربه لله كما يظن المشركون".
من هذه المدرسة تخرج منظرو ما يعرف بالسلفية الجهادية كتنظيم القاعدة وما تفرع عنها، ومنها ما يعرف اليوم " بداعش".
* محوران يشكلان العمود الفقري للفكر التكفيري هذا : الحاكمية ، وعقيدة الولاء والبراء.
ورغم انه لا يختلف اثنان من المسلمين حول أن الحكم لله " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَ للهِ " ( سورة الانعام، الآية 57)، وان الحكم هو حكم الشريعة ولا يجوز الاستناد الى غيرها فضلا عن التحكيم بخلافها " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُۆْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً "( سورة النساء، الآية 65) وقوله تعالى :" أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ" ( سورة آل عمران، الآية 83)، الا ان الفرق بين الطوائف الاسلامية وهذه الجماعات التكفيرية ان الاولى تنظر الى الاختلاف في قراءة النص الديني من خلال الاصول والبنى الفكرية التي يعتمدها العلماء. ومن هنا لا يمكن تكفير كل من خالف رأينا لأن الاصل في الكفر هو انكار الضرورات الدينية، اما الايمان بها والاختلاف في فهم النص الديني فلا يمكن الحكم عليه بالكفر.
اما المنحى الآخر الذي اتخذه التكفيريون تبعا لمۆسس مذهبهم ابن عبد الوهاب، فانهم لا يقرون بتعدد القراءة للنص الديني وامكانية الاجتهاد في فهم النص فيعتبرون ان ما ذهبوا اليه هو الرأي الفارد. فان ذهب احد المسلمين الى غير ما ذهبوا اليه هم، اعتبروا ذلك خروجا عن سلطة النص الديني وتكذيبا لله ولرسوله .
كل ذلك ومدون في كتبهم الصحيحة قصص في التاريخ ان بعض الصحابة دافعوا عن صحابة آخرين اتهموا بالقتل بالقول : اجتهد فاخطá فلم يقيموا عليه حدا، ولا رفعوا عليه سوطا، فضلا عن تكفيره واخراجه عن الملة والدين.
وبين الحاكمية والولاء والبراء تتسلل عقيدة اخرى هي اخطر من كل ما تقدم، وهي عقيدة ان الاصل في الناس الكفر ما لم يثبت اسلامهم بدليل، والدليل عندهم ان تۆمن بما يۆمنون به. قاعدة تستحل كل دماء واعراض واموال من عداهم.
ولو قام المسلمون بتطبيق " القواعد التكفيرية " التي يستعملها " التكفيريون" للحكم على كفر من يكفرونه، لاوصلت تلك القواعد الى تكفير كل الصحابة، والتابعين وتابعي التابعين الى قيام يوم الدين.
بالردة والكفر انطلق هۆلاء باستباحة الدماء والاعراض والاموال، فاصبح الدين مع الوهابية دينا متقوقعا، فبدل ان يكون الاسلام هو الذي يشكل هوية المجتمع وينطلق نحو عالميته التي ارادها الله وبعثت بها الدعوة، تحول الدين معهم الى هوية صغيرة لفئة داخل المجتمع تحتكر الدين.
فانقلب الامر وانكفأ المجتمع الى عقيدة خاصة لا ترى في غيرها اسلاما، وبدل ان يكون الاسلام يهدي الكافرين اليه ويخرج الناس من الظلمات الى النور، اخرج هۆلاء معظم المسلمين عن اسلامهم وكفروهم.
محمد محمود مرتضى
المصدر: شبکة تابناک الاخبارية