بعثة رسول الله ( صلى الله عليه وآله)
الوحي الإلهي منذ بزوغ أنواره على سطح هذه الأرض ، وإلى يومنا هذا ، وسيبقى كذلك يشكِّل لدى الجاهليين مشكلة فكرية وعقائدية صعبة الفهم ، عسيرة الاستيعاب .
أما بالنسبة للفكر الإيماني فليست ظاهرة الوحي لديه ، إلا تعبير عن استمرار العناية الإلهية ، وتتابع الألطاف الربانية ، رحمة بالإنسان الضال المنحرف ، وإنقاذاً له .
لأن الله تعالى لم يخلُق الإنسان ويتركه مهملاً ضائعاً بلا رعاية ، بل جعل له الوحي وسيلة لتعريفه بنفسه ، وبربِّه ، وبخالقه ، وبعالمه ، وسبيلاً إلى هدايته ، لتنظيم حياته ، وتعامُله مع أبناء جنسه ، وكيفية توجهه إلى خالقه .
وهكذا شاء اللطف الإلهي والعناية الربَّانية للعباد أن يختار لهم أفراداً مخصوصين ومؤهلين للاتصال بالألطاف الإلهية ، لحمل الرسالة ، وتبليغ الأمانة إلى البشر ، فكان الأنبياء والرسل .
فقال تعالى :
( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) الحج : 75 .
وقال تعالى :
( وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الأنعام : 124 .
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أواخر العقد الثالث من عمره الشريف يلقى إليه الوحي عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه ، والانكشاف له من خلال الرؤية الصادقة ، فكان يرى في المنام الرؤية الصادقة ، وهي درجة من درجات الوحي .
وجاء في تفسير الدر المنثور : أول ما بدئ به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الوحي الرؤية الصادقة ، فكان لا يرى رؤياً إلا جاءت مثل فلق الصبح .
ثم حبَّبَ الله إليه الخلاء ، فكان يخلو بِغار حراء ، وهو كهف صغير في أعلى جبل حراء ، في الشمال الشرقي من مَكَّة ، فكان ( صلى الله عليه وآله ) يتحنَّث فيه ويتعبَّد ، إذ ينقطع عن عالم الحِسِّ والمادَّة ، ويستغرق في التأمّل والتعالي نحو عالم الغيب والملكوت ، والاتجاه إلى الله تعالى .
وحينما بلغ ( صلى الله عليه وآله ) الأربعين من عمره ، عام ( 13 ) قبل الهجرة ، ( 610 م ) ، أتاه جبرائيل في غار حراء ، فألقى إليه كلمة الوحي ، وأبلغه بأنَّه نبي هذه البشرية ، والمبعوث إليها .
وتفيد الروايات أن أوَّل آيات القرآن الكريم التي قرأها جبرائيل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) هي :
)بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ * اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) العلق : 1 - 5 .
وبعد تلقِّيه ( صلى الله عليه وآله ) ذلك البيان الإلهي ، عاد النبي إلى أهله ، وهو يحمل كلمة الوحي ، ومسؤولية حمل الأمانة التي كان ينتظر شرف التكليف بها .
فعاد واضطجع في فراشه ، وتدثَّر ليمنح نفسه قِسطاً من الراحة والاسترخاء ، ويفكِّر ويتأمل فيما كُلِّف به .
فجاءه الوحي ثانية ، وأمره بالقيامِ وتَرْكِ الفراش ، والبدء بالدعوة والإنذار ، إذ جاء هذا الخطاب في قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) المدثر : 1 - 4 .
فانطلق مستجيباً لأمر الله تعالى ، مبشِّراً بدعوته .
وكان أول من دعاه إلى سبيل الله وفاتَحَه زوجته خديجة بنت خويلد ( رضوان الله عليها ) ، وابن عمِّه الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، الذي كان صبيّاً في العاشرة من عمره ، فآمَنَا به ، وصدَّقاه ، ثم آمن به مَمْلوكه زيد بن حارثة ، فكانت النوات الأولى لبدء الدعوة الإلهية الكبرى .
فقد كان ( صلى الله عليه وآله ) يختار أصحابه فرداً فرداً ، ولم يوجِّه دعوته إلى الجميع في تلك المرحلة ، إلى أن جاء الأمر الإلهي :
( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء : 214 .
عبادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في غار حراء
سنن النبي ( صلى الله عليه وآله )
دعوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الله تعالى