كلُّ أرضٍ كربلاء
مقتطفات من محاضرة للإمام السيد موسى الصدر
- بين الحركة و الجمود
نقرأ في زيارة عاشوراء المأثورة الفقرات التالية :
السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله،
السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله،
السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله،
السلام عليك يا وراث موسى كليم الله،
السلام عليك يا وارث عيسى روح الله،
السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله.
إن الغاية من هذه الزيارة إعطاء صفة الحركة لعاشوراء ، و إخراج الذكرى من عزلتها و انفصالها و بعدها عن الماضي و المستقبل ، لأن الخطر ، كل الخطر ، أن تصبح ذكريات عاشوراء ذكريات فحسب ، و أن تصبح معركة كربلاء للكتب ذكريات عاشوراء ذكريات فحسب ، و أن تصبح معركة كربلاء للكتب و السير ، أو أن تصبح ذكريات عاشوراء للأجر و الثواب في الآخرة. يُخشى أن تتجمد هذه المناسبة في ظرفها الزمني .. يُخشى أن يبقى مقتل الحسين العزيز و مقتل أصحابه معزولاً في سنة 61هـ : "
كان هناك حسين قُتل و انتهى " . لكي لا يبقى هذا العزم و الحقد و التجميد ، و لكي لا يُهدر الحسين ، وردت بعض الفقرات في الزيارة لكي تربط بين مقتل الحسين و بين الصراع الدائم المستمر بين الحق الباطل منذ بداية الحركة للإصلاح و الجهاد لدى الإنسان و إلى أن يعيش الإنسان حريته و كرامته و يتخلص من الظلم و الظالمين.
- أعداء الحسين(ع)
يقول أحد رفاقنا الأفاضل أن أعداء
الحسين(ع) ثلاثة :
- العدو الأول :
أولئك الذين قتلوا الحسين و أصحاب الحسين . هؤلاء ظالمون ، ولكن تأثير ظلمهم قليل ، لأنهم قتلوا الجسد ، و حطموا الأجساد ، و حرقوا الخيام ، و نهبوا البضاعة. إنهم قضوا على عناصر محدودة. لو لم يمت الحسين في سنة 61هـ لمات في سنة69 أو 70هـ أو غيرها. ما هي الخطورة الكبرى و المكاسب التي حققوها من قتلهم للحسين ؟ ، بالعكس حوّلوا الموت إلى خالدٍ و دائم. إذن ، العدو الأول ، الظالم الأول ، الطاغية الأول خطره محدود.
- العدو الثاني:
أولئك الذين حاولوا إزالة آثار الحسين ، فهدموا قبره و أحرقوا الأرض التي دُفن فيها ، و سلّطوا الماء على المقام كما عمل بنو العباس.
أولئك الذين منعوا مآتم الحسين كما كان في السلطة العثمانية ، عشتموها و عاشها آباؤكم . تلك الظروف التي كانت مُظلمة عندما كانوا يقيمون المآتم في البيوت ، و يجعلون مراقبين في مداخل الأحياء ، لكي يبلغوا عن وصول زبانية بني العثمان حتى يفرّقوا جمعهم ، أولئك الذين منعوا زيارة الحسين في الداخل و الخارج ، وخلقوا صعوبات و صعوبات لكل من يريد أن يزور الحسين ... هؤلاء الصنف الثاني من الأعداء ، أولئك الذين حاولوا منع أثر الحسين ، إسم الحسين ، ذكر الحسين ، قبر الحسين ، المأتم الحسيني و أمثال ذلك . هذا الصنف أخطر من الصنف الأول ، ولكنه كان عاجزاً عن تنفيذ خطته كما برز ذلك . و نحن نشاهد اليوم ذكريات الحسين في توسعة زمنية و مكانية مستمرة.
إذن ، الصنف الثاني من الأعداء كان خَطِراً و ظالماً ، ولكنّه لم يتوفق ، و هو أقلّ خطراً من الصنف الثالث من الأعداء.
- الصنف الثالث :
هم الذين أرادوا تشويه صورة الحسين ، تجميد واقعة كربلاء في ذكراه ، عدا عن حصر ذكرى الحسين في البكاء و الحزن و النحيب . نحن نبكي الحسين و نبكيه كثيراً ، ولكن لا نقف عند البكاء أبداً . البكاء لكي يجدد أحزاننا و أحقادنا و رغبتنا في الانتقام ، و هو غضبة على الباطل ، هذه هي رغبتنا في البكاء . لماذا نذكر المصرع ؟ ، لماذا نتلو المصرع ؟ ، نتلوه فقرة بعد فقرة ، لكي نستعرض الواقع ، و ندرك خطر الظالمين و قسوتهم ، و ندرك أبعاد التضحيات وقوتها ، فلا نكون قد اكتفينا بالبكاء ، و اعتبرنا أن الحسين شهيد العبرات ، و أن واجبنا قد أُدي بأننا اجتمعنا فقط ... في تاريخ الصراع بين الحق و الباطل إذا أخرجنا هذه التضحية من الجمود و ربطها بالماضي ، من الطبيعي أن الحادثة ترتبط بالمستقبل ، و عند ذلك ننتهي كما نقول بأن الحسين و ارث آدم و نوح و
موسى و
عيسى ، نقول إنه مُورِّث
الصادق و
الباقر و
الرضا . مورِّث كل من يصرع الباطل ، و كل من يناضل في سبيل الحق ، و كل من يسعى ، و يقدم جهده و حياته في سبيل الدفاع عن الحق.
و الحمد لله رب العالمين