• عدد المراجعات :
  • 2154
  • 1/31/2004
  • تاريخ :

رؤية الامام الخميني (ره) في الحج الإبراهيمي

الحج

«

و إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام»، قد جري الحديث مراراً عن الحج الإبراهيمي في الخطب التي تلقي و المقابلات التي تجري بخصوص الحج، ولكن قلما وضع تحديد دقيق لهذا الحج و أجيب علي السؤال التالي :

ما هو الحج الإبراهيمي ؟

و ما اختلافه عن الحج غير الإبراهيمي ؟

إذا أن يكون هذا موضوع المهم محور حديثنا في ندوة الحج هذه التي تعقد في جوار مزار  إمامنا العزيز فكل ما لدي الشعب و كل ما حققته له الثورة الإسلامية هو من بركات هذا الوجود الطاهر . و بالطبع فإنني لا اعتقد باًن هذا البحث الواسع، أن يتسع في هذه الكلمة، لكنني أرجو ن أتحد عنه بشكل مستفيض في مناسبات أخري .

ما  الحج  الإبراهيمي ؟

الحج الإبراهيمي ،هو الحج الذي شرعه الله تبارك و تعالي و أمر بان يؤذن به

إبراهيم الخليل (عليه السلام ) و أذن في الناس بالحج .. و قد جد رسول الله (صلي الله و اله و سلم ) في عصره روح الحياة في هذا الحج غير انه لم تم مدة قصيرة علي وفاته (صل لله عليه و اله و سلم )حتى طواه النسيان- وللأسف – ولم يسطع مسلمو الصدر الأول ان يواصلوه في المجمع الإسلامي حتى جدده بعد مضي أربعة عشر قرنا في مجتمعنا الإيراني رجل من السلالة الطيبة لإبراهيم (عليه السلام )و محمد (صلي الله عليه و أل و سلم )و إننا نسال الله تعالي أن يوفقنا لأداء،الحج بشكل الذي رسم لنا معالمه لإمام العزيز.عبر الإمام عن الحج الحقيقي بالحج الإبراهيمي تأوه و بالحج الإبراهيمي – المحمدي تأوه أخرى، في مقابل الحج غير إبراهيمي .

وانسب ما يمكن أن نصف به هذا النوع الثاني من الحج في هذه البرهة من تاريخ الإسلام هو الحج الأمريكي ذلك أن أنصار الإسلام الأمريكي هم الذين يحثون عليه، لا يتضمن إلا شكلا ظاهريا للمناسك دون ان ينطوي علي محتوي مفيد بل انه يضر الإسلام والمجتمع الإسلامي لانه يوجه في خدمة أهداف أعداء الإسلام و أعداء الحج الإبراهيمي .

يعتقد الأمام الراحل إن الحج الإبراهيمي يختلف جذريا عن الحج لأمريكي من لناحية الفلسفية و من ناحية الحجج والقائمين علي أمور الحج أيضا.

فما هي فلسفة الحج عند الإمام ؟وماذا يجب أن يكون عليه محتوي الحج ؟ و كيف يحب أن يكون عليه تفكير القائمين علي شؤون لحج و سلوكهم العمل ؟ و كيف يحب أن يعمل الحج بصورة الحقيقية الإبراهيمية ؟

استخلصت  روية الإمام في هذه المواضيع من نداءاته و خطبه و بياناته التي كان يصدرها في هذه المناسبة سأبينها لحضراتكم و أوصي جميع الحجاج و لا سيما الاخوة علماء الدين بمطالعة نداءات الإمام و بياناته بها الخصوص و التي طبعت في مجلدين.

فلسفة الحج الأمريكي

تتلخص فلسفة الحج الأمريكي في كونه سفرا ترفيهية سياحية ليس إلا و علي حد تعبير الإمام فان الحج الأمريكي لا يخرج عن كونه سفراً ترفيهيا لمشاهدة القبلة و المدينة و تكرار سلسلة من الألفاظ المفرغة من معنا وأداء سلسلة من الحركات الخالية من المضمون و لا يعلم ، يطوف حول الكعبة و لم يسعي بين الصفا و  المروة ؟

لا يعي لم يحرم ؟ و ما هي فلسفة رمي الجمرات و تقديم الأضحية ؟

و ليست هناك  علاقة بين الحج الأمريكي و بين البحث عن جواب للأسئلة « كيف يمكن الوقوف بوجه العالم الرأسمالي ؟11

ولا علاقة – في منظار الحج الأمريكي – بين كيفية استيفاء مسلمي العالم و محرومين و سحبها من الظالمين و القراصنة، (3).

و لا علاقة بين الحج و بين وجوب ان يطرح المسلمون في العالم كقوة عظيمة، ( 4).

و لا علاقة بين الحج و بين وطريقه تعامل المسلمين مع الأنظمة العملية ، هذا هو تفسير الإمام للحج الأمريكي .

كما انه لا علاقة بين الحج الأمريكي و بين أن ’تابع الحاج معانا المسلمين الفلسطينيين علي بد الكيان الغاصب للقدس.

و لا علاقة بين الحج الأمريكي و بين أهم قضية يشهدها العالم الإسلامي حاضرا في التحركات المشبوهة لقاده الدول الإسلامية الرامية إلي إقامة العلاقات مع الكيان المحتل للقدس و تسويغ ما تسمي بمؤتمرات السلام. حيث يتعرض المسلمون الفلسطينيون و اللبنانيون هذه الأيام لأشد الضغوط. و أيضا لا علاقة بين الحج و بين ما يعانيه المسلمون و المحرومون في أفريقيا و أفغانستان… هذا هو الحج الأمريكي.

فلسفة الحج الإبراهيمي:

بين الإمام العزيز فلسفة الحج إبراهيمي بشكل جميل جذاب، و هذه مقتبسات من عبارات هذا الرجل الجليل في تبيين فلسفة الحج الإبراهيمي:

فالحج من وجهه نظر الإمام: «

تجل و تكرار لجميع مشاهد إبداع الحب في حياة الإنسان و المجتمع المتكامل في الدنيا »،( 6)  و هذا أجمع جملة و أفضل تعبير، يمكن أن نوضح فيه فلسفة الحج الإبراهيمي ذلك أن الحج هو تجل لكل مشهد من مشاهد هذا الإبداع، تجل للجهاد و الإيثار و التضحية و الشجاعة و الشهامة و الوحدة و الذكر و الارتباط بالله و لقاء الله و…

الهدف من الحج بنظر الإمام هو اقتراب الإنسان من صاحب البيت والاتصال به، و ليس الحج مجرد حركات و أعمال و ألفاظ … و ليس مجرد النظر إلي بعض الأحجار و مشاهدة البيت. دققوا في عبارات الإمام  حينما يقول: «إن فلسلفة الحج هي رؤية صاحب البيت و لابد من أن توجه الحركات و الأعمال التي تؤدي هناك في هذا السبيل».

إن مناسك الحج هي مناسك الحياة، و علي الأمة و الإسلامية بمختلف قومياتها أن تصبح إبراهيمية لتلتحق بركت أمة محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) و تكون واحدة و يدا واحدة»، (7)

فالحج تنظيم و تمرين و تبلور للحياة التوحيدية

يري الإمام أن «الحج يمثل مركز المعارف الإلهية الذي ينبغي أن يؤخذ منه محتوي السياسية الإسلامية في جميع الأبعاد الحياتية». لهذا يمكن أن تستخرج سياسة الإسلام بجميع أبعادها من الحج كما يقول الإمام، و لقائد الثورة العزيز الذي يواصل بحق نهج الإمام قولا مماثلا في حكمه ، إذ يقول: «إن فريضة حج بيت الله هي من جملة الفرائض النادرة التي أدرجت فيها أبعاد متعددة و متنوعة ترتبط بالحياة الفردية و السلوك الجمعي بشكل عظيم و ذات تأثير عميق في الجسم و النفس و الفكر و في السلوك الآدمي، و تهيا لأداها بالشكل الصحيح، توفيقات كبيرة في جميع الميادين المادية و المعنوية».

و من مهمات فلسفة الحج أيضا في روءي الإمام بعده السياسي، حيث يقول: «البعد السياسي للحج لا يقل أهميته عن بعده العبادي، ففي العبد السياسي عبادة فضلا عن الجانب السياسي»،( 8). إن من فلسفة الحج أن يلبي صرخات الظلامة المنطلقة من فلسطين و أفريقيا و أفغانستان، بل يستجيب لكل المظلومين و المستضعفين في العالم، لأن الحج: «قيام»:« جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس… »

فـ «البيت الذي أسس للقيام و هذا القيام للناس لا بد من الاجتماع فيه لهذا لهدف الكبير، و تعيين منافع الناس في تلك المواقف الشريفة» ، (10)،  هذا هو تقييم الإمام و نظرته إلي الحج، و ليست منافع الناس أن يذهبوا هناك و يجلبوا البضائع، و يبتاعوا السلع الأمريكية التي حرمها الإمام، و في توضيحه للآية الكريمة: «ليشهدوا منافع لهم» التي يبين فيها القرآن فلسفة الحج، يقول الإمام: «أي نفع أعلي وأسمي من أن تقطع أيدي جبابرة العالم و الجائرين من التسلط علي البلدان المظلومة، و تصبح ثرواتها العظيمة بأيدي أبنائها»، ( 11).

أجل، هذا هو النفع الأكبر و علي حجاج بيت الله أن يأخذوا العبر من هذه الآية في معرفة فلسفة الحج.

و يقول الإمام عن الآية: «وطهر بيتي للطائفين و القائمين»، (12) : ليس المقصود التطهير من النجاسات الظاهرية وحسب، فبيت الله يجب أن يطهر ليس فقط من النجاسات الظاهرية، و إنما من الأرجاس المعنوية أيضا التي يفوق ضررها و خطرها علي المجتمع ضرر و خطر أي شيء ‌آخر. الحج الإبراهيمي هو ذلك الحج الذي يقام لتطهير بيت الله من النجاسات الظاهرية و الباطنية، يقول الإمام: «المراد التطهير من جميع الأرجاس، و علي رأسها الشرك، الأمر الذي بينه صدر الآية الكريمة»،( 13)، «و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا و طهر بيتي…»

و يري الإمام أن من أهداف الحج «إيجاد التفاهم و تعزيز أواصر الوحدة الإسلامية»: «من مهمات فلسفه الحج إيجاد التفاهم، و تعزيز الاخوة بين المسلمين، و علي العلماء و الخطباء طرح المسائل الأساسية و السياسية و الاجتماعية مع أخوتهم في الدين و تهيا مشاريع لحلها، ليطرحوها بدورهم علي العلماء و أصحاب الرأي و عودتهم إلي بلدانهم».

أخيرا فان الحج بنظر الإمام «بمستوي القران يستفيد منه الجميع، لكن المفكرين و الخائضين غمراته و المتحسبين  للأمة الإسلامية لو خاضوا الحج معارفه و لم يخشوا الاقتراب منه و الخوض في أحكامه و سياساته الاجتماعية لاصطادوا من صدف هذا البحر كمية أعظم من جواهر الهداية و الرشد و الحكمة و الانعتاق، و إلي الأبد من زلال حمكته و معرفته»، صل الله علي روحك و بدنك يا إمام، فهل هناك أجمل واشمل و أدق من هذه العبارات عن فلسفة الحج؟

يضيف الإمام: «ولكن ما العمل؟ و الإمام تشكو هذا الغم الكبير؟ فقد أصبح الحج كما القرآن مهجورا».

«ليس حجا هو الحج الخالي من الروح و الحركة و القيام والبراءة و الوحدة، و الحج العاجز عن هدم صروح الكفر و الشرك».

أيها الأعزاء يمكنكم أن تزيلوا هذا الغم عن روح الإمام الطاهرة، صحيح أنه رحل عنا، بيد أن رسالته تنقل هنا فردا ،فردا.

و قد لخص الإمام الباقر (عليه السلام) جد إمامنا هذا الكلام في عبارة واحده و قال: في تلك الأيام العصيبة التي كلكل فيها ضلل السلطة الجائرة علي العالم الإسلامي: «إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم، و يعرضوا علينا نصرهم».

يريد

الإمام الباقر (عليه السلام) أن يبين لنا من خلال استعماله لتعبير الأحجار أن الحج المجرد من الفلسفة الإبراهيمية للحج لا يعدو كونه طوافا بالأحجار.

يقول الإمام الخميني: «التكليف الإلهي للحجاج في هذه البرهة الزمنية أن ينكروا كل موضوع يشم منه رائحة الاختلاف و الوقيعة بني صفوف المسلمين. ويعتبروا البراءة من الكفار وقادتهم واجبا من واجباتهم في المواقف الكريمة، ليكون حجهم حجا إبراهيميا و حجا محمديا، و إلا سيصدق عليهم القول المعروف: ما اكثر الضجيج و اقل الحجيج!».

كان هذا جانبا من روي إمام الأمة و هو يتناول القضايا التي تخص فلسفة الحج وأسس الحج الإبراهيمي، و علي قاعدة هذه الفلسفة و الأسس يختلف محتوي الحج بدوره، كما يختلف الحجاج و القائمون علي شؤون الحج.

و قبل أن أختم هذا الحديث، أنظر باختصار إلي محتوي الحج الذي يختلف في الحج الإبراهيمي عن غير الإبراهيمي في كل مناسكه من التلبية إلى الرمي، إذ يري الإمام أن كل أعمال الحج و حركاته و سكناته تنطوي علي محتوي حيوي تربوي محرك خاص، و حينما يقول الحاج: «لبيك الهم البيك، لبيك لا شريك لك لبيك…» لا يكون قوله صادقا و حقيقيا إلا حينما يصغي من أعماقه لنداء الحق و يستجيب لدعوه الله تعالي.

فالمسالة هنا مسالة الحضور في المحضر و لا يستطيع أن يقول لبيك إلا من يحس بهذا الحضور، فإنكم و أنتم في غرفة مغلقة الأبواب لا يوجد فيها غيركم لا تقولون «نعم»، إنما تتفوهون بهذه الكلمة حينما يوجد من يناديكم، فتشهدون و تسمعون صوته و دعوته، فالمسالة هي مسألة الحضور في المحضر و مشاهده جمال المحجوب، و كان الملبي في هذا المحضر قد خرج عن حالته الطبيعية و تخلي عن ذاته.

إلهي، هل لنا أن ندرك و لو للحظة واحدة المعني الحقيقي للحج و المعني الحقيقي للإحرام و مفهوم التلبية؟

يصور الإمام العزيز هذه الحالة بشكل يبدو أن الملبي في محضر الله يخرج عن وضعه الطبيعي و يكرر التلبية ثم ينزهه عن الشريك بالمعني، أي: اللهم إني لا أشرك بك مطلقا، و أبرا من كل الطواغيت الكبار و الصغار، و لا استجيب إلا لك، كما قال الإمام الصادق عليه السلام في الحديث المروي عنه:

«و أحرم عن كل شيء يمنعك من ذكر الله، و يحجبك عن طاعته. كل ما اشغلك عن الله هو صنمك».

أحرم عن كل ما يبعدك عن محضر الله. و يجعلك غافلا عن ذكره، و يجبك عن طاعته، و حرمه علي نفس و حينما تلبي «لب، تلبية صادقة، خالصة، ذاكية لله ـ عز وجل ـ في دعوتك متمسكا بالعروة الوثقي». و حينما تتمسك بعروة الولاية الوثقي ـ و هي الوجهة السياسية الأساسية للحج قل «لبيك» بإخلاص و صدق، وقل: اللهم أتيت لأقول لك «لبيك» و لغيرك «لا»

اللهم أفدنا من الحج كما يفهمه أولياؤك و ينتفعون منه.

اللهم و فقنا لأداء الحج كما جسده لنا الإمام العزيز الذي نقف الآن في محضره و تشهدنا و تحيطنا روحه الطاهرة.

اللهم صل ثورتنا بثوره الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه) العالمية، و سدد قائد الثورة آيه الله الخامنئي وكتب له النصر المبين.

------------------------------------------------------------------------------------------------------


الهوامش:

(1) إبراهيم: 35

(2)  بيام استقامت (نداء الاستقامة): 7

(3)  «ما للحج و استعراض المسلمين و المحرومين من الظالمين». بيام استقامت: 7

(4)  «ما للحج و استعراض المسلمين لانفسهم كقوة عظمي تمثل القوة الثالثة في العالم». بيام استقامت: 7

(5)  «ما للحج و ثورة المسلمين ضد الأنظمة العميلة» بيام استقامت: 7

(6) بيام استقامت: 8

(7)  نفس المصدر

(8)  صحيفة نور 18: 67

(9)  المائدة: 97

(10) صحيفة نور: 19: 43

(11) صحيفة نور: 19: 43

(12)  الحج: 26

(13)  صحيفة نور: 18: 87

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)