تواضع الشهيد محمد بروجردي
تميّز محمّد بروحه المتسامحة وصدره الواسع، فكان يتحيّن الفرص المناسبة لزيارة "التوّابين" المعتقلين، المغرّر بهم في السجون. كان في تلك الليالي يجلس بينهم بتواضع وعظمة ويستمع إلى كلامهم بصبر وتحمّل. كان ينصتُ إلى شبهاتهم بروح أخويّة، ويبقى حتّى وقت متأخر من الليل، يبحث المسائل المختلفة. كان يصل الليل بالنهار، وينام بينهم بثقة وبال مطمئنّ، حتّى إنّه كان يرافقهم للرياضة الصباحيّة. وقد بعثت أعماله في نفوس "التوّابين" حماسة وشوقًا خاصّين دفعا بالكثير منهم إلى محاربة أعداء الثورة والاستشهاد في سبيلها.
كانت حالاته الخاصّة عند الصلاة والعبادة، وحرصه الشديد على المشاركة في مراسم دعاء التوسّل، ودعاء كميل، والبسمة التي رافقت محيّاه في جميع لحظات الحياة وأحوالها، وحُسْنُ السلوك والإدارة والتدبير لمشكلات المنطقة في مواجهة أعداء الثورة، ومحبّته الشديدة للناس والفدائيّين المسلمين، كلّها كانت أنوارًا ساطعة تظهر لنا ولكلّ من كان يعرفه، جوانب من شخصيّته الرفيعة.
وعندما كان يُذكر أمام "محمّد" حديث عن أحد الأخوة، لم يكن يلتفت إليه أو يعير الأمر أيّ اهتمام. وإذا استاء أحيانًا من سماع أمور قيلت عن أحد منهم، كان يُردّد "اللهمّ اغفر لنا". في البداية، كنّا نظنّ أنّه استاء من اغتيابهم له. لكنّ محمّدا بنظرته الجميلة ولحن كلامه العذب كان يقول لنا: "أنا منزعج من وقوع أشخاص جيّدين على هذا النحو في الغيبة والمعصية بسببي، أنا الإنسان عديم القيمة الذي لا يكاد يبين".
كان "بروجردي" يفرّ دائمًا من الأحاديث الصحافيّة والكاميرات التلفزيونيّة، وكان يريد أن ينأى بنفسه بعيدًا عن المظاهر والضوضاء، وأن يظلّ مجهول الذكر. كان دائمًا يقول بإصرار: "لا تصوّروا عني فيلمًا، اذهبوا وصوّروا هۆلاء الإخوة الذين يقاتلون".
في إحدى المرّات، عند تطهير محور "بانه – سردشت"، وأثناء وجوده في محافظة "سردشت" وجّه أحد المصوّرين كاميرته نحوه وأخذ بضعة مشاهد له. لكن "محمّدا" ذهب إليه، وبمنتهى الأدب استعاد ذلك المقطع المتعلّق به ومزّقه. كان يُحطّم نفسه الأمّارة، وهو كان حاضرًا أن يۆدّي أيّة خدمة ويتحمّل أيّة مسۆولية من أجل الإسلام. بالنسبة إليه، كان تولّي القيادة أو ما دونها من المهام سيّان.
كان لكلام "محمّد" تأثيرٌ خاصّ, فالإخوة الذين أنهكهم ضغط العمل كانوا يستعيدون حيويّتهم بعد أن يتحدّثوا عدّة دقائق مع محمّد، ويتوجّهون مجدّدًا إلى عملهم، بقلوبٍ حارة ملۆها الأمل. أحيانًا كان بعض الإخوة يختلقون الأعذار لأجل أن يفوزوا ببضع دقائق معه, علّه يفيض عليهم بما يحتاجونه من معنويّات.