اليأس من روح الله_ اليأس الدنيوي
من الذنوب الكبيرة اليأس من روح الله تعالى.
اليأس نوعان
الأوّل: اليأس الأُخروي
الثاني: اليأس الدنيوي
مرّ معنا الحديث عن اليأس الأخروي، والآن نتحدث عن اليأس الدنيوي، ونعني به أن ييأس الإنسان من الفرج الإلهي.
علاج اليأس الدنيوي
1- التفاۆل:
فالتفاۆل يبعث على الأمل بينما التطيُّر يۆدِّي إلى اليأس والعجز، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الطَّيَرَة شرك"، "تفاءلوا بالخير تجدوه".
2- الدعاء:
نقرأ في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الدُّعاء سلاح المۆمن..."١.
وعن الإمام علي عليه السلام: "الدُّعاء مفاتيح النَّجاح ومقاليد الفلاح..."٢.
وهناك روايات كثيرة تشير إلى أهمِّية الدُّعاء، ومن فوائده: أنَّ الإنسان تقع في حياته حوادث، فتغرقه في اليأس من حيث الأسباب الظاهرية، فالدُّعاء يمكنه أن يكون شرفة على أمل الفوز، ووسيلة مۆثِّرة في مواجهة اليأس.
3- الأمل بالنصر (المدد الإلهي)
إذا راجعنا القرآن الكريم، نجده يبعث الأمل بالنَّصر في نفوس المسلمين، وإليك بعض الموارد.
أ- قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِۆُونَ * كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لاَ يُۆْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) (الحجر:11-13).
تفيدنا الآية بأنَّ أساليب أهل الضَّلال الرَّامية لتخدير، الناس ومحاولة تفريقهم وإبعادهم عن أولياء الله، لا تختصُّ بزمان ومكان معينين، بل هي ممارسة موجودة منذ القدم، وباقية ما بقي الصراع بين الحق والباطل على الأرض، ولهذا لا ينبغي أن نستوحش من ذلك ونتراجع أمام المشاكل والعراقيل التي يدبِّرها الأعداء.
ولا نسمح لليأس من أن يدخل إلى قلوبنا، ولا لأساليب الأعداء من أن تُفقدنا الثِّقة بالله تعالى.
فذكر سنن الأولين في القرآن، ما هي إلا مواساة وتسلية مۆثِّرة لقلوب دعاة الإيمان.
وإذا ما تصوَّرنا يوماً أنَّ نشر دعوة الحق، ورفع راية العدل والهداية، لا يواجهان بردِّ فعل الأعداء، فإننا في خطأ كبير، وأقلُّ ما فيه أننا سنصاب بحالة اليأس المهلكة، وما علينا إلَّا أن نستوعب مسير الأنبياء عليهم السلام في مواجهتهم لأعداء الله.
ب- قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّۆْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:139-140)، في الآية تحذير للمسلمين من أن يعتريهم اليأس والفتور بسبب النكسة في معركة واحدة، وأن يتملَّكهم الحزن واليأس من النصر النهائي.
فالرجال الواعون هم الذِّين يستفيدون الدروس من الهزائم، كما يستفيدونها من الانتصارات، وهم الذين يتعرفون في ضوء النَّكسات على نقاط الضعْف في أنفسهم أو مخطَّطاتهم، ويقفون على مصدر الهزيمة، ويسعون لتحقيق النصر النهائي بالقضاء على تلك الثغرات والنواقص.
4- الانتظار ودوره في معالجة اليأس
هناك أثر مهمٌّ لانتظار ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وهو عدم ذوبان المنتظرين في المحيط الفاسد، وعدم الانقياد وراء المغريات والتلوث بها.
وتوضيح ذلك: أنه حين يعمُّ الفساد المجتمع، أو تكون الأغلبيَّة الساحقة منه فاسدة، فقد يقع الإنسان المۆمن في مأزق نفسيِّ، أو بعبارة أخرى: في طريق مسدود "لليأس من الاصلاحات التي يتوخاها" وربما يتصَّور المنتظرون أنَّه لا مجال للاصلإح، وأنَّ السعي والجدَّ من أجل البقاء على النقاء والطهارة، كلُّ ذلك لا جدوى منه، فهذا اليأس أو الفشل قد يجرُّ الإنسان نحو الفساد والاصطباغ بصبغة المجتمع الفاسد، والَّذي ينعش الأمل في نفوس المۆمنين ويدعوهم إلى المقاومة والصبر وعدم الذوبان والإنحلال في المحيط الفاسد، هو رجاۆهم بالاصلاح النهائي، فهم في هذه الحال لا يسأمون عن الجد والمثابرة.
5- التقوى والفرج
(... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..) ( الطلاق:2-3) إنَّ هذه الآيات تبعث الأمل في النُّفوس، وتمنح القلب صفاءً خاصاً، وتمزِّق حجب اليأس والقنوط، وتنير الأرواح بنور الأمل، إذ تعد المتقين بحل مشاكلهم وتسهيل أمورهم.
جاء في حديث عن أبي ذر الغفاري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنيِّ أعلم آيةً لو أخذ بها النَّاس لكفتهم، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً)، فما زال يقولها ويعيدها"٣.
وفي حديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أْكثر الإستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجاً ومن كلِّ ضيق مخرجاً"٥. المقصود من التوكُّل على الله، هو أن يسعى الإنسان لأن يجعل عاقبة عمله وكدحه على الله، ويوكلها إليه ويدعوه لتسهيل أمره، فإنَّه لطيف بعباده، رحيم بهم، وعلى كل شيء قدير.
والشخص الذي يعيش حقيقة التوكُّل على الله، لا يجد إليه منفذاً، ولا يدبُّ في عزمه الضعف، ولا يشعر بالنقص والصغر أمام المشاكل مهما كبرت، ويبقى يقاوم ويواجه الأحداث بقوَّة وإيمان راسخين.
ومن جانب آخر تنهمر عليه الإمدادات الغيبيَّة والمساعدات التي وعده الله.
ففي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" سألت جبرائيل: ما التوكل؟ قال:العلم بأنَّ المخلوق لا يضرُّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك، لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يرجُ ولم يخف سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكُّل"٥.
6- العلم بأن مع العسر يسراً
يقول تعالى:(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الانشراح:5-6).
هذا الوعد الإلهيُّ يغمر القلب نوراً وصفاء، ويبعث فيه الأمل، ويزيل ظلمة اليأس عن روح الإنسان، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "واعلم أنَّ مع العسر يسراً، وأنَّ مع الصبر النَّصر، وأنَّ الفرج مع الكرب"٦.
المصادر:
١- أصول الكافي، ج2، أبواب الدعاء، باب إن الدعاء سلاح المۆمن.
٢- م.ن.
٣- نور الثقلين، ج5، ص356، حديث 44.
٤- ن.م، حديث 45.
٥- بحار الأنوار، ج69، ص372، حديث 19.
٦- تفسير نور الثقلين، ج5، ص604، حديث 11.
حبّ الله وحبّ الدنيا لا يجتمعان
عبادة المحبّين
الإخلاص ثمرة الحب