قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه
قام الرسل بابلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس، دون أن يبغوا أجراً منهم، بل کان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه، لاَنّ إبلاغ رسالاته کانت فريضة إلهية على عواتقهم، فکيف يطلبون الاَجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه،ولذلک کان شعارهم دوماً، قولهم (وَما أسأَلکم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّعلى اللّه ربّ العالَمين) . (1)
فقد ذکر سبحانه على لسان الاَنبياء تلک الآية في سورة الشعراء، ونقلها عن عديد من أنبيائه، نظراء:
نوح ، هود ، صالح ، لوط ، شعيب . عليهم السلام
وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الکريم عن رسله وأنبيائه، فقدکانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم:
(قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه) .(2)
(يا قَوم لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني) .(3)
فإذا کان هذا موقف الاَنبياء من أُمّتهم، فکيف يصح للنبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أن يطلب الاَجر؟! بل هو أولى بأن يکون عمله خالصاً للّه، لاَنّه خاتم الرسل وأفضلهم، وقد کان يرفع ذلک الشعار أيام بعثته، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِکرى لِلْعالَمين) (4)
هذه هي حقيقة قرآنية لا يمکن إنکارها، ومع ذلک نرى انّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة.
ويقول: (قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّةَ فِي القُربى) .(5)
فکيف يمکن الجمع بين هذه الآية، وما تقدم من الآية الخاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والآيات الراجعة إلى سائر الاَنبياء، فانّهم (عليهم السلام) کانوا على نهج واحد؟.
هذا هو السوَال المطروح في هذا المقام. والاِجابة عليه يتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الکريم،فالآيات التي وردت حول أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصناف أربعة:
الاَوّل: أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً، قال سبحانه: (قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِکرى لِلْعالَمين) .(6)
الثاني: ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فيقول سبحانه:(قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّعلى اللّهِ وهُوَ على کُلِّ شَيْءٍ شَهيد) .(7)
الثالث: ما يُعرّف أجره، بقوله: (قُلْ ما أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّمَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّه سَبيلاً .(8) فکان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة.
الرابع: ما يجعل مودة القربى أجراً للرسالة، ويقول: (قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَوَدَّةَ فِي القُربى) .
انّ لفظة الاَجر يطلق على الاَجر الدنيوي والاَخروي غير انّ المنفي في تلک الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الاَجر الدنيوي على الاِطلاق، ولذلک لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبي ص لدعوته شيئاً بل نقل خلافه.
هذه هي قريش وفي طليعتهم أبو الوليد تقدَّمت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال: يابن أخي إن کنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الاَمر، مالاً، جمعنا لک من أموالنا حتى تکون أکثرنا مالاً، وإن کنت تريد به شرفاً سوَّدناک علينا، حتى لا نقطع أمراً دونک، وإن کنت تريد به ملکاً ملّکناک علينا، وإن کان هذا الذي يأتيک رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسک، طلبنا لک الطبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئک منه، فانّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو کما قال له حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني قال: أفعل، فقال: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم* حم* تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيم* کِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناًعَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ* بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون* وَقالُوا قُلُوبُنا في أَکِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه) .(9)
ثمّ مضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها يقروَها عليه. فلماّ سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، ثمّ انتهى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السجدة منها، فسجد ثمّ قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاک.(10)
هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الاِثبات والنفي هو الاَجر الدنيوي بعامة صوره، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبي أن يطلبه من الناس.
قال الشيخ المفيد: إنّ أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم، وهومستحق على اللّه تعالى في عدله وجوده وکرمه، وليس المستحق على الاَعمال يتعلَّق بالعباد، لاَنّ العمل يجب أن يکون للّه تعالى خالصاً، وما کان للّه فالاَجر فيه على اللّه تعالى دون غيره.(11)
إنّ مودة ذي القربى وإن تجلت بصورة الاَجر حيث استثنيت من نفي الاَجر، لکنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً، فالاَجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولکنّه في المقام يرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلک لاَنّ مودة ذي القربى تجرّ المحب إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة،
ويجعلهم أُسوة في دينه ودنياه، ومن الواضح انّ الحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحب. قال الصادق (عليه السلام): «ما أحب اللّه عزّ و جلّ من عصاه» ثمّ تمثَّل، فقال:
تعصي الاِله وأنت تظهر حبه هذا محال في الفعـال بديـع
لو کان حبک صادقاً لاَطعتـه انّ المحبّ لمن يحب مطيـع (12)
المصادر:
1- الشعراء109 ، 127، 145، 164، 180.
2- هود:29.
3- هود: 51.
4- الاَنعام: 90.
5- الشورى: 23.
6- الاَنعام: 90.
7- سبأ: 47.
8- الفرقان: 57.
9- فصّلت: 1 ـ 5.
10- السيرة النبوية:1|293ـ 294.
11- تصحيح الاعتقاد: 68.
12- سفينة البحار: مادة حبَّب.
صفة لباس رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
مواجهة الرسول لقريش دعوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الله تعالى