الإنسان يعمل على تقصير عمره
من النظريات البارعة الكبيرة الأهمية التي ساقهاالإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نظرية تدور حول عمر الإنسان. فمن رأيه أن الإنسان خلق لكي يعمر طويلاً، ولكنه يتسبب بتقصير عمره بنفسه، ولو أن كل إنسان أتقى ربه وأدى الفرائض وکف عن المحرمات ولم يسرف في المآكل والمشرب وذلك كما أمر به القرآن الكريم، لاستمتع بحياة أطول.
ولا ريب في أن عمر الإنسان يتوقف، بعد مشيئة الله، على أمرين، هما: العناية بالصحة والاعتدال في الطعام.
وفي القرن الأول الميلادي، كان معدل عمر الإنسان في روما 22 سنة لا غير، وذلك بسبب نقص أسباب الرعاية الصحية(1)، ولأن طبقة الأشراف وسراة القوم كانوا يفرطون في المآكل إلى درجة التقيۆ، وكان عامة الناس يقلدون الأشراف في ذلك.
وكانت تلحق بقاعات الطعام قاعة خاصة بالتقيۆ يطلق عليها اسم (ووميتوريو) ليستطيع الآكلون في قصور الأشراف إفراغ ما أكلوه فيها، سواء بوضع الأصابع في الفم أو بتناول دواء مسهل، وذلك لإفراطهم في تناول الطعام إلى حد قاتل.
وفي أوائل القرن العشرين الميلادي، كان معدل العمر في بريطانيا وفرنسا خمسين سنة، لأن الأوضاع الصحية وأساليب التغذية تحسنت تحسناً كبيراً عما كانت عليه. أما اليوم، فقد أصبح معدل العمر في أوربا ثمانيا وستين سنة للذكور وثمانية وسبعين سنة للإناث.
والسۆال الذي يفرض نفسه اليوم هو: لو استطاع الإنسان التغلب على مرض السرطان والسكتة القلبية والجلطة والأمراض الأخرى التي تنتاب القلب، فهل يرتفع معدل عمره فوق المعدل الحالي؟
مما يۆسف له أن الرد على هذا السۆال ليس بالإيجاب، لأن من أهم أسباب إطالة العمر مراعاة القواعد الصحية في كل شيء، ولا سيما في المأكل والمشرب، في حين أن التغلب على هذه الأمراض المستعصية لن يزيد المعدل الحالي لعمر الإنسان بأكثر من سنتين. ولو استطاع الإنسان أن يتغلب على هذه الأمراض جميعاً، لبقيت له أمراض الشيخوخة والهرم التي عز على الإنسان حتى اليوم أن يعالجها على بساطتها. فإن أصيب الشيخ بمرض بسيط كالبرد والإلتهاب الداخلي والحصبة وأمراض الرئة، لكانت كفيلة بالقضاء عليه.
وتلوث البيئة هو من العوامل التي تۆيد نظرية الإمام (عليه السلام)، وهو ظاهرة خطيرة في بعض المناطق، قليلة الشأن في مناطق أخرى. وقد قامت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بدراسة أوضاع بعض المدن الأمريكية والمكسيكية من حيث التلوث، وانتهت في تقريرها إلى أن التلوث في بعض هذه المدن يفسد الهواء بحيث أن سكان هذه المدن إذ يتنفسون هواءها، فكأن الواحد منهم قد دخن كمية من السجاير تملأ علبتين في كل منها عشرين سسيجارة في اليوم أثراً غير صحي في جسم الإنسان، فكذلك استنشاقه للهواء الملوث يفسد صحته بنفس القدر.
ومن العوامل التي تضر بالصحة الضوضاء والأصوات المزعجة، وقد ثبت من الناحية العلمية بأن للصوت المزعج أو الضوضاء أثراً سيئاً في سلامة الإنسان وهدوء أعصابه.
ومنذ فترة والمهندس الفرنسي (كامي روجرون) الذي صمم بناء السفينتين الفرنسيتين البحريتين (ريشيليو) و (جان بار) قبل الحرب العالمية الثانية، عاكف على دراسة آثار الأصوات المزعجة والضوضاء في صحة الإنسان، وفي رأيه إن لهذه الأصوات تأثيراً في جسم الإنسان يساوي تأثير الأوكسجين في الحديد، فكما أن الأوكسجين يصيب الحديد بالصدأ والتآكل، فكذلك الضوضاء تصيب الجسم بالعلة والمرض مما يختزل من عمر الإنسان، وهو يرى أن أفضل البيوت التي تقام في المدن هي البيوت التي تركب فيها عوازل تحول دون وصول الضوضاء إلى داخلها مع مراعاة خفض أصوات الراديو والتلفزيون داخل البيوت منعاً لإزعاج السكان.
ويضيف (كامي روجرون) إلى ذلك أنه بالنظر إلى أن الضوضاء في المدن آخذة في التزايد، ولا سبيل يحول دون تزايدها، فلا بد من إنشاء منازل من الأبرق (الخرسانة المسلحة) تحتوي على عوازل تمنع نفاذ الصوت إلى داخلها، وفي رأي هذا الخبير أننا إذا ما استطعنا بناء هذه البيوت بكاملها من هذه المواد، فلا بد من إنشاء غرفة واحدة أو أثنتين بعد تجهيزهما بالعوازل ليستطيع المرء الإخلاد إلى الراحة فيهما والبعد بأعصابه عن كل ضجيج وعجيج.
ومرض الأعصاب يعزى في بعض أسبابه إلى الآثار السيئة للضوضاء، فمن خصائص الضوضاء أن تتلف الأعصاب وتتسبب في انهيار عصبي أو جنون مفاجئ حتى لمن رأينا فيه بشاشة وجه وهدوء أعصاب.
ومن الآثار السيئة للضوضاء إحساس المرء بالتعب والإرهاق، ثم جنوحه إلى الكسل، والعزوف عن العمل دون أن تكون هناك أسباب عضوية أخرى أدت إلى هذه الظواهر، والمصاب بالملل والإرهاف لا يدري لهما سبباً، ويعجز الطبيب عن تشخيص أي علة عضوية أدت إليهما.
وفي رأي روجرون أن الضوضاء تۆدي، فضلاً عن الإجهاد والإرهاق العصبي، إلى تقصير العمر ما بين خمس سنين وعشر.
كما ومن المۆكد أيضاً ـ أن للتغذية السليمة دوراً فعالاً في إطالة العمر، في حين أن سوء التغذية ـ أو الأنيمياـ يتسبب في تقصير عمر الإنسان، والأنيميا هي عارض من عوارض الحياة الميكانيكية العصرية.
ننتهي من كل ما تقدم إلى أن العلماء المعاصرين قد أثبتوا بصورة علمية صدق نظرية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) القائلة بأن في وسع الإنسان أن يعمر طويلاً لولا أنه يعمل بنفسه على تقصير عمره، ففي ظل الحياة الميكانيكية العصرية التي فشت في أوربا وأمريكا، حلت المواد الصناعية محل المواد الغذائية الطبيعية، وأصبح الإنسان يتناول أطعمة مجهزة من مواد كيميائية ومركبة، مما أضر بالصحة، وأدى إلى تقصير العمر.
مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع ابن أبي العوجاء
مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) العلمية
مواقف الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع حكام الجور