أخلاق الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مع الفقراء و..
أخلاقه مع عبيده وخدمه
كان رۆوفاً بهم ، يراعي ضعفهم واستكانتهم ، وكان يجازيهم بالإحسان إليهم والرفق بهم ، وإن أساۆوا إليه.
ففي حديث أنه لما أعتق أحد عبيده كتب: (( هذا ما أعتق جعفر بن محمد ، أعتق غلامه السندي فلاناً على أنه يشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن البعث حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وعلى أنه يوالي أولياء الله ، ويتبرّأ من أعداء الله ، ويحل حلال الله ، ويحرم حرام الله، ويۆمن برسل الله، ويقرّ بما جاء من عند الله، أعتقه لوجه الله لا يريد به منه جزاء ولا شكوراً، وليس لأحد عليه سبيل إلا بخير، شهد فلان )) (1).
وفي يوم من الأيام بعث غلاماً له في حاجة فأبطá فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) على أثره لما أبطá فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه، فلما انتبه قال له أبو عبد الله (عليه السلام): (( يا فلان ، والله ما ذلك لك ، تنام الليل والنهار ؟ لك الليل ولنا منك النهار ))(2).
أخلاقه مع الفقراء والسائلين:
كان أرأف أهل زمانه بالفقير أو المسكين ، مهما كان طريقه ومعتقده حتى لو كان على غير طريقته (عليه السلام).
خرج في أحد الأيام وكان معه المعلى ابن خنيس فقال: ( ... فإذا أنا بجراب من خبز، فقلت: جعلت فداك أحمله عليّ عنك؟ قال: (( لا، أنا أولى به منك ، ولكن امض معي )) ، قال: فأتينا ظلة بني ساعدة ، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى أتى على آخرهم، ثم انصرفنا، فقلت: جعلت فداك يعرف هۆلاء الحق ؟ فقال (عليه السلام): (( لو عرفوا لواسيناهم بالدقة )),(والدقة هي الملح))(3).
ودخل الأشجع السلمي على الصادق (عليه السلام) فوجده عليلاً فجلس وسأل عن علة مزاجه، فقال له الصادق (عليه السلام): (( تعدّ عن العلة واذكر ما جئت له ))، فقال:
ألبسك الله منه عافية * * * في نومك المعتري وفي أرقك
تخرج من جسمك السقام كما * * * أخرج ذل الفعال من عنقك
فقال (عليه السلام) لغلامه: (( يا غلام ما معك ؟ )) قال: أربع مائة، قال: (( أعطها للأشجع )) (4).
وعن مفضل بن قيس بن رمانة قال: دخلت على الصادق (عليه السلام) فشكوت إليه بعض حالي وسألته الدعاء، فقال: (( يا جارية هاتي الكيس الذي وصلنا به أبو جعفر )) ، فجاءت بكيس ، فقال: (( هذا كيس فيه أربعمائة دينار، فاستعن به )) ، قال: قلت: والله جعلت فداك ما أردت هذا، ولكن أردت الدعاء، فقال، (( ولكن لا تخبر الناس بكل ما أنت فيه فتهون عليهم ))(5).
عن هشام بن سالم قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أعتم وذهب من الليل شطره ، أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم، فحمله على عنقه، ثم ذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم ولا يعرفونه، فلمّا مضى أبو عبد الله (عليه السلام) فقدوا ذلك، فعلموا أنه كان أبو عبد الله (صلوات الله عليه)(6).
قال أبو عبد الله (عليه السلام) لمحمد ابنه: (( كم فضل معك من تلك النفقة ؟ )) قال: أربعون ديناراً ، قال: (( أخرج وتصدق بها، فإن الله (عزّ وجل) يخلفها، أما علمت أن لكل شيء مفتاحاً؟ ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدّق بها )) ، ففعل فما لبث أبو عبد الله إلا عشرة حتى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار، فقال: (( يا بني أعطينا الله أربعين ديناراً فأعطانا الله أربعة آلاف دينار ))(7).
وفي حديث أن فقيراً سأل الصادق (عليه السلام)، فقال لغلامه: (( ما عندك ؟ )) قال: أربعمائة درهم، قال: (( أعطه إياها ))، فأعطاه، فأخذها وولى شاكراً ، فقال لغلامه: (( أرجعه )) : فقال: يا سيدي سألت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟ فقال له: (( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير الصدقة ما أبقت غنى ، وإنّا لم نغنك ، فخذ هذا الخاتم ، فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم ، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة ))(8).
قال إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده المعلى ابن خنيس ، إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فقال: يابن رسول الله أنا من مواليكم أهل البيت، وبيني وبينكم شقة بعيدة، وقد قل ذات اليد ولا أقدر أن أتوجه إلى أهلي إلا أن تعينني، قال: فنظر أبو عبد الله (عليه السلام) يميناً وشمالاً، وقال: (( ألا تسمعون ما يقول أخوكم ؟ إنما المعروف ابتداء، فأما ما أعطيت بعدما سأل فإنما هو مكافأة لمن بذل لك من ماء وجهه ))، ثم قال: (( فيبيت ليلته متأرقاً متململاً بين اليأس والرجاء لا يدري أين يتوجه بحاجته، فيعزم على القصد إليك، فأتاك وقلبه يجب (يضطرب) وفرائصه ترتعد، وقد نزل دمه في وجهه، وبعد هذا فلا يدري أينصرف من عندك بكآبة الرد أم بسرور النجح، فإن أعطيته رأيت أنك قد وصلته )) ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وبعثني بالحق نبياً، لما يتجشم من إباك أعظم مما ناله من معروفك ))، قال: فجمعوا للخراساني خمسة آلاف درهم ودفعوها إليه(9).
المصادر:
1 ـ الكافي، 6: 181 حديث. البحار، 47: 44، حديث 58.
2ـ الكافي، 8: 87، حديث، البحار 47: 56، حديث 97.
3 ـ ثواب الأعمال، 129، ومراده: لأشركناه معنا في كل شيء حتى في أرخص الأثمان وهو الملح.
4 ـ البحار، 47: 243، ذيل حديث 26.
5 ـ رجال الكشي، 121، البحار، 47: 34، حديث 31.
6 ـ الكافي، 4: 8، حديث.
7 ـ م. ن. ص9، حديث.
8 ـ البحار، 74: 61، ذيل حديث 116.
9 ـ منتهى الآمال. حديث 118.
مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع ابن أبي العوجاء
مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) العلمية
مواقف الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع حكام الجور