• عدد المراجعات :
  • 3521
  • 1/6/2014
  • تاريخ :

الاتجاهات الحديثة في تقسير القرآن - التفسير الموضوعي

قرآن کريم

التفسير الموضوعي مصطلح في التفسير ذاعَ في العصر الحديث ، وتداوله الباحثون في الدراسات القرآنية في أكثر من معنى ، تتوحّد هذه المعاني في جمع المفسر للآيات في موضوع معيّن ، ثمّ استخلاص رۆية القرآن حيال هذا الموضوع منها .

وقد تناول أمين الخولي هذه المسألة في معالجته لضوابط التفسير الأدبي الذي دعا إليه ، وأوضح أنّ ترتيب القرآن في المصحف لم يلتزم بوحدة الموضوع ، كما لم يلتزم بالترتيب الزمني لظهور الآيات ، وإنّما تحدّث عن الموضوع الواحد في سياقات متعدّدة ، ومناسبات متنوّعة ، وهذا يقتضي أنْ يفسّر القرآن موضوعاً موضوعاً لا قطعة قطعة ولا سورة سورة ، وأنْ تُجمع الآيات الخاصّة بالموضوع الواحد ، ويعرف ترتيبها الزمني ، ومناسباتها وملابساتها الحافّة بها(1) .

غير أنّ الدكتورة بنت الشاطئ التي استهلّت كتابها : ( التفسير البياني ) بمقدّمة حدّدت فيها النهج الذي تسير عليه في تفسيرها ، وشدّدت على أنّه المنهج الذي تعلّمتْه من الشيخ أمين الخولي ، طبّقت مجموعة الضوابط التي رسمها اُستاذها للتفسير ، ما خلا فكرة الموضوع ، فإنّها لم ترتبط في تفسيرها بفكرة الموضوع التي شدّد الخولي في دعوته إليها ، واعتبرها واحدة من الاُصول الأساسية في التفسير الأدبي الذي اقترحه(2) .

ووُجد في تلامذة أمين الخولي مَن يلتزم بفكرته في مراعاة وحدة الموضوع في التفسير الأدبي ، وهو الدكتور محمّد أحمد خلف الله ، الذي تقدّم برسالة دكتوراه سنة 1947 حول ( الفنّ القصصي في القرآن ) ، واستهلّها بالقول : إنّ السبب الذي دفعه لأنْ يجعل القرآن ميدان أبحاثه ، يرجع إلى نوع من الاستهواء ، غرسه في نفسه اُستاذه الخولي ، عن النهج الأدبي في فهم القرآن وتفسيره(3) .

إلاّ أنّ هذه الرسالة أثارت احتجاجات واسعة ، وسِجَالات عنيفة وقتئذٍ ؛ بسبب تبنّي صاحبها لآراء غريبة في القصص القرآني ، يخالف بها المشهور لدى المفسّرين .

وصدرتْ نماذج تمثّل محاولات متفاوته ، لدراسة موضوع معيّن من منظور القرآن ، تناول مۆلّفوها النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقضائي وغير ذلك ، مثل كتاب : ( الدستور القرآني في شۆون الحياة ) لمحمّد عزّة دروزة ، و ( تفسير آيات الربا ) لسيّد قطب ، و ( المجتمع الإسلامي كما تنظّمه سورة النساء ) لمحمّد محمّد المدني ، و ( القرآن والمجتمع ) لمحمود شلتوت ، وسلسلة ( مفاهيم القرآن ) لجعفر سبحاني ، وغيرها .

لكنّ النموذج المتميّز من هذه النماذج ، والذي حاز قصب السبق في تشييد بناء نظري قرآني متين ، هو كتاب : ( دستور الأخلاق في القرآن ) للشيخ محمّد عبد الله درّاز ، الذي قدّمه كأطروحة دكتوراه بجامعة السوربون نهاية عام 1947 ، واتّبع فيه نظاماً منطقياً لاستكشاف دلالات الآيات ، وبالتالي استخلاص الشريعة الأخلاقية من القرآن في مجموعه(4) .

ومع شيوع عنوان التفسير الموضوعي ، واهتمام بعض الدارسين به ، واتّخاذهم له كعنوان لأبحاثهم القرآنية ، لكنّا نلحظ اضطراباً في طرائق دراسته ، فقد أسمى البعضُ أيّة محاولة للتكديس العددي للآيات في قضية مشتركة تفسيراً موضوعيّاً ، واصطلح آخرون على كلّ محاولة لانتزاع مفهوم قرآني من بضعة آيات هذه التسمية .

ويعود هذا الالتباس إلى عدم تجلّي الاُصول النظرية لهذا النوع من التفسير ، إلاّ في وقت متأخّر عن معظم المحاولات المارّة الذكر ؛ فقد تبلورت الصياغة النظرية لمنهج التفسير الموضوعي في دروس التفسير التي ألقاها السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر عام 1979 على طلاّب الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، وحدّد فيها بوضوح سمات هذا التفسير وطريقة تناوله للنص ، وصلته بالحياة البشرية ، وما تحفل به من أفكار وأنشطة ومواقف .

فأوضح أنّ هذا اللون من التفسير يتيح للمفسّر التواصل مع التجربة البشرية ، واستيعاب معطياتها المتنوعة ، والصعود منها إلى النص ، بمعنى أنّ التفسير الموضوعي ( يبدأ من الواقع وينتهي إلى القرآن ، لا أنّه يبدأ من القرآن وينتهي بالقرآن ، فتكون عملية التفسير منعزلة عن الواقع ، ومنفصلة عن تراث التجربة البشرية ، بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالقرآن ، بوصفه القيِّم والمصدر الذي تحدّد على ضوئه الاتجاهات الربّانية بالنسبة إلى ذلك الواقع )(5) . وبذلك يتحقّق نحوٌ من الاندماج والتلاحم العضوي بين النص والواقع ، وتُتَاح للمفسّر إمكانات تغتني وتتّسع باتّساع التجربة البشرية ، وما يلابسها من منعطفات وتحوّلات ، وما تنجزه من مكاسب في شتّى المجالات .

من هنا كان التفسير الموضوعي قادراً على أنْ يتطوّر وينمو ؛ لأنّ التجربة البشرية تتطوّر وتنمو باستمرار ، وبذلك تساهم في إثرائه على الدوام(6) .

كما صرّح الشهيد الصدر بأنّ التفسير الموضوعي لا يهدف إلى إجراء تبسيطي يتمثّل بتحشيد كمّي لطائفة من الآيات في موضوع واحد ، واستظهار المدلولات التفصيلية لها ، ثمّ القيام بعملية دمج مبسّط بين تلك المدلولات ، وإنّما هو محاولة لاستخلاص المركّب النظري ، والتوصّل إلى ما وراء المدلول اللغوي واللفظي التفصيلي ؛ بُغْيَة استلهام ( أوجه الارتباط بين هذه المدلولات التفصيلية ، والوصول إلى مركّب نظري قرآني ، وهذا المركّب النظري يحتلّ في إطاره كلّ واحد من تلك المدلولات التفصيلية موقعه المناسب ، وهذا ما نسمّيه بلغة اليوم بالنظرية ، يصل إلى نظرية قرآنية عن النبوّة ، نظرية قرآنية عن المذهب الاقتصادي ، نظرية قرآنية عن سنن التاريخ ، وهكذا )(7) .

ويمكن استخلاص ضوابط التفسير الموضوعي تبعاً لرۆية الشهيد الصدر بالآتي :

أ ـ انتخاب موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعيّة أو الكونية(8) .

ب ـ استقراء كل ما يتّصل بهذا الموضوع في القرآن الكريم من آيات(9) .

ج ـ استيعاب ما أثارتْه تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل ، وما قدّمه الفكر الإنساني من حلول ، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ، ومن نقاط فراغ ، أي البدء من واقع الحياة البشرية ، وحَمْل التجربة البشرية إلى القرآن ، والتوحيد بينهما ، لا بمعنى تحميل هذه التجربة على القرآن ، وتأويل النص طبقاً لها ، وإنّما بمعنى أنّ المفسِّر يقوم بعملية يوحّد فيها بين التجربة والنص في سياق بحث واحد ، لكي يستخرج نتيجة هذا السياق ويستنطق موقف القرآن تجاه هذه التجربة(10) .

د ـ استخلاص أوجه الارتباط بين المدلولات التفصيلية للآيات ، وتحليل ودمج وتركيب المدلولات ؛ بُغْيَة الوصول إلى مركّب نظري قرآني(11) ، تنتظم في إطاره المدلولات التفصيلية باتّساق متناغم(12) .

على هذا الضوء يكتسب التفسير الموضوعي معنى لا تندرج تحته الكثير من المحاولات التي عدّها مۆلّفوها نماذج لهذا التفسير ؛ لأنّها لم تبلغ أو لم تهتدِ للنظرية القرآنية ، وتوقّفت عند صياغة المفهوم القرآني فحسب .

 

المصادر:

(1) أمين الخولي : ( مادّة التفسير ) في ، دائرة المعارف الإسلاميّة ، ج 5 : ص 368 ـ 369 .

(2) د . محمّد إبراهيم شريف : اتجاهات التجديد في تفسير القرآن في مصر : ص 597 .

(3) د . محمّد أحمد خلف الله : الفنّ القصصي في القرآن : ص 1 .

(4) د . محمد عّبد الله درّاز : دستور الأخلاق في القرآن : ص 8 ـ 10 .

(5) السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر : المدرسة القرآنية : ص 22 .

(6) المصدر السابق : ص 23 ـ 24 .

(7) المصدر السابق : ص 27 .

(8) (9) (10)(11)المدرسة القرآنية : ص 28 ، 29 ، 27 ، 19 .

(12) للتعرّف على أسس المنهج النظري لدى الشهيد الصدر ، لاحظ مقالنا : ( منهج التأصيل النظري في فكر الإمام الصدر ) ، في كتاب : محمّد باقر الصدر : دراسات في حياته وفكره ، لندن ، دار الإسلام ، 1996 ، ص 127 ـ 147 .

اعداد: سيد مرتضى محمدي


شرائط التأويل الصحيح

معاني التاويل

الفرق بين التفسير والتاويل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)