الإمام الخامنئي - التنمية في العالم الإسلامي
الحضارة الإسلامية تمتاز بأنها حضارة إنسانية شاملة للجانبين المعنوي والمادي من احتياجات الإنسان، من الطبيعي أن استنهاض الجانب المعنوي أو الثقافي إذا تمّ فإنه يحرّك الطاقات نحو الإبداع المادّي. غير أن كلّ خطوة على طريق خلق وحدة في الدائرة الحضارية الإسلامية سيكون له مردودة الإيجابي على طريق الاقتراب من عملية الاستئناف الحضاري، ومن ذلك الوحدة الاقتصادية.
نحن نعيش في عالم التكتلات الاقتصادية الكبرى، وعالم العولمة الاقتصادية التي تريد أن تفرض نفسها على اقتصاديات العالم. وفي هذا الجوّ يشعر كل المخلصين لأمتهم بأن التكتل الاقتصادي الإسلامي أمر ضروري بل حياتي لمستقبل الأمة، لا في حقل التنمية الاقتصادية فحسب، بل أيضا في دائرة حفظ الهوية وصيانة الوجود أمام الماكنة الغربية الطاحنة.
ومن هنا فإن العبد الصالح الإمام الخامنئي يجد في البنك الإسلامي للتنمية ظاهرة تبشّر بخير مادّي ومعنوي في آن واحد. ويبدي ارتياحه لدى لقائه بالمسۆولين في هذا البنك عند عقد مۆتمرهم في طهران يقول:
"ما يبعث الارتياح في نفس الإنسان للوهلة الأولى هو أن هذا النموذج الناجح للتعاون بين البلدان الإسلامية انقضت عليه والحمد لله ثلاثة عقود، وينمّ هذا التحرك التعاوني الجماعي الإسلامي عن نموذج ناجح للتعاون بين البلدان الإسلامية. هذا بلا شك من جملة الأمور التي ترضي الإسلام، بل هي أمر إسلامي حاسم حيث يقول القرآن: (تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى). إن البلدان الإسلامية في الوقت الراهن بحاجة إلى التعاون فيما بينها على كافة الصعد أكثر من أي وقت مضى، ومن ذلك التعاون في مضمار الشۆون الاقتصادية والمساعدة في ازدهار وتنمية العالم الإسلامي".
التنمية الاقتصادية جزء من مشروع الإحياء الإسلامي، ومحور من محاور النهضة الإسلامية، لأنه يحقّق العزّة والاستقلال، ويصون الأمة من التبعية. يقول السيد القائد:
"مع أن الإسلام كان نهضة وحركة معنوية أخلاقية، والهدف الأعلى للإسلام هو صناعة الإنسان المتكامل المنسجم مع المشروع الإسلامي، بَيدَ أن تقدم العلوم والتطور والتسامي الاقتصادي هو من الأهداف الإسلامية دون مراء. لذلك تلاحظون أن الحضارة الإسلامية ظهرت في واحدة من أفقر بقاع الأرض وأكثرها تخلفًا، ولكن ما إن مرّ نصف قرن على انطلاقتها حتى كان أكثر من نصف العالم المتحضر آنذاك قد انضوى تحت لواء الإسلام ، ولم ينقض قرنان على عمر هذه الحضارة حين كان العالم الإسلامي الكبير وقتذاك قد أضحى في قمة الحضارة الإنسانية من حيث العلوم وأنواع المعارف والتقدم المدني والاقتصادي، ولم يكن هذا إلاّ ببركة تعاليم الإسلام. لا يوصينا الإسلام بأن نهتمّ بالجوانب المعنوية ونغفل عن الجوانب الأخرى من حياة المجتمع. علينا، لأجل تحقيق استقلال الأمة الإسلامية وعزتها، توظيف كافة الوسائل اللازمة، ومن أهمها المسألة الاقتصادية. إذن، السعي لتطوير العالم الاسلامي إقتصاديًا وتنميته ورقيّه من الأهداف الإسلامية".
العالم الإسلامي بما يملكه من إمكانيات مادية هائلة يستطيع أن يحتلّ مكانة هامة بين المنظومات الاقتصادية العالمية يقول الإمام الخامنئي:
"العالم الإسلامي عالم كبير له إمكانات وطاقات واسعة. شعوبنا تفوق مليار نسمة. نصف احتياطي النفط تقريبًا في العالم يعود للبلاد الإسلامية. ونحو خمسة وعشرين بالمائة من احتياطي الغاز في العالم ملك البلدان المسلمة. الطاقات البشرية في العالم الإسلامي كثيرة. المصادر الجوفية الغنية ــ ما عدا مصادر الطاقة ــ وفيرة ومتنوعة في العالم الإسلامي، ونسبة بعضها إلى مجمل مصادر العالم نسبة مرتفعة. جزء مهم من الطرق البحرية الأساسية والمۆثرة في الكرة الأرضية تختص بالعالم الإسلامي. سوق العالم الإسلامي من أكبر الأسواق في العالم. هذه كلها إمكانياتنا. بمقدور العالم الإسلامي ممارسة دور هامّ في الصناعة، والزراعة، وإنتاج العلم، والتنمية والتقدم في العالم".
والتنمية في العالم الإسلامي يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار القيم المعنوية للثروة وعلى رأسها التوزيع العادل، كما أنه من الضروري تركيز الأنشطة المصرفية في داخل إطار العالم الإسلامي، كي يقلّ الاعتماد على المصارف العالمية الأجنبية التي تتكدس فيها ثروات العالم الإسلامي، وتتعرض هذه الثروات دائمًا إلى التهديد والابتزاز. ويمكن تحقيق ذلك في إطار السوق الإسلامية المشتركة. يقول السيد القائد:
"من المناسب جدًا عند تقرير العناصر الرئيسة لنموذج التنمية ــــ وهي من وجهة النظر الشائعة زيادة الدخل السنوي للفرد، ونشر التعليم والصحة ـــ أن يلاحظ أيضًا تكريس العدالة وهي روح جميع تلك العناصر، فننهض بالخطط والخطوات والمشاريع في بلداننا الإسلامية آخذين بنظر الاعتبار هدف تحقيق العدالة الاجتماعية ونشرهاـ هذا من التعاليم الإسلامية الكبيرة التي يتوجب أخذها بنظر الاعتبار في كل تحرك اقتصادي.
من المهام التي لا بأس أن يجري التفكير فيها خلق ظروف ملائمة لتركيز الأنشطة المصرفية الإسلامية داخل البلدان الإسلامية نفسها، بمعنى أن تستطيع البلدان الأعضاء تركيز أنشطتها المصرفية البينية، إذ يسود لون من انعدام الأمن في العالم اليوم، وترون أن جموح القوى الكبرى يبعث لدى جميع البلدان الشعور بانعدام الأمن والخوف على أرصدتها المالية ورساميلها. البلدان الإسلامية تهدَّد لأتفه ذريعة بتجميد ممتلكاتها وثرواتها. كم هو جميل لأجل ترسيخ الشعور بالأمان في العالم الإسلامي أنْ تركّز الأنشطة المصرفية في البلدان الإسلامية ذاتها. طبعًا هناك مقدمات وشروط لهذه الظاهرة. ينبغي توفير الظروف، وبالإمكان التخطيط لهذا المشروع.
قضية السوق المشتركة مهمة جدًا. تلاحظون اليوم أن كتلاً اقتصادية قوية تنشط وتجدّ في أطراف العالم. وبمستطاع العالم الإسلامي أيضًا عبر تعاونه تشكيل كتلة اقتصادية قوية".
الفكر الأصيل- حقوق الإنسان في الإسلام (4)
الفكر الأصيل - حقوق الإنسان في الإسلام (3)
الفكر الأصيل- حقوق الإنسان في الإسلام (2)
الفكر الأصيل - حقوق الإنسان في الإسلام (1)